المنبرالحر

المتدين الحقيقي لن يعادي العلمانية/ د. علي الخالدي

بذل عدد كبير من العلمانيين والثوريين ، وبصورة خاصة الماركسيين جهودا كبيرة لتفنيد المقولات الخاطئة والملفقة حول كون النظرية الثورية ( الماركسية ) هي نظرية ألحادية ، عبر ممارساتهم العملية في نشاطهم وسلوكهم الحياتي اليومي ، هذ اﻹختلاقات والتلفيقات لعبت دورا كبيرا في أيام الحرب الباردة ، وأنتشرت بين أوساط إجتماعية فقيرة أقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، وخصوصا بين أوساط ، من يفصل الدين عن هموم مجتمعاتهم اﻷقتصادية والمعاشية ، هذه النظرة دحضتها اﻷعمال الفعلية للمتدينين ومساهماتهم في النضال التحرري الوطني وبالممارسات العملية في اﻷحداث ونصرة الطبقات الفقيرة من المجتمع ، وخاصة أحداث نتعايبش وإياها بشكل واضح بعد ولوج أبواب القرن الحادي والعشرين ، فكل شيء نما نحو اﻷفضل بفضل تلك الممارسات ، لكن بقيت ممارسات تطبيق اﻷفكار الرأسمالية ، وسياسة إقتصاد السوق ، منساقة الى إحياء مقولات تشوه نظرة الماركسيين المشتقة من ما جاء في اﻷنجيل ، إن مرور جمل في ثقب ابرة أيسر من دخول غني الى ملكوت الله ... وهذا يؤكد حقيقة كون الماركسي يشاطر رجل الدين بأن ما من برجوازي وصل الى صفوف الطبقة الراسمالية إلاعندما تُغَيب العدالة اﻹجتماعية ، ويستعر الفساد و إمتصاص جهود الآخرين.

من الثوار الذين أثبتوا أن الماركسية تتماهى تعاليمها اﻷجتماعية مع التعاليم السماوية هو فيدل كاسترو، وفي هذا المجال له مطبوع تحت عنوان فيدل والدين ، وبالرغم من أن هذا الكتيب موجه الى شعوب أمريكا الاتينية ، لكن أهميته لا تقتصر على ذلك وخاصة في عالم اليوم المقلق ، بعد بروز التشدد اﻷسلامي على الساحة السياسية الدولية ، والذي قام بتشظي المجتمعات اﻹسلامية على أساس مذهبي وطائفي ، بينما في الوقت نفسه إنخرط العديد من المؤمنين على إختلاف أديانهم في النضال من أجل إنقاذ البشرية من كوارث الحروب والطبقية ، وأفقار الشعوب تماشيا مع التفكير السياسي الذي يواكب التحضر والتقدم التكنولوجي الذي وصلت اليه البشرية في وضع مستلزمات العدالة اﻹجتماعية.

ففي كوبا وبعد زيارة قداسة البابا بولص الثاني، ومن بعده البابا بندك جرى أنفتاح في ممارسة الشعائر الدينية من قبل المواطنين الكوبيين ، وجرى تصعيد التعاون بين الكنيسة والحكومة في حث المواطنين على العمل سوية ، في درء المخاطر التي تتعرض لها التجربة الكوبية الهادفة الى تثبيت دعائم العدالة اﻹجتماعية بين الناس ، وهي لا تبعد عن قلعة الراسمالية المعادية للماركسية سوى 90 كلم . فمؤخرا إفتتحت كنيسة في هافانا تتسع ﻷكثر من 200 مؤمن ، بينما في بعض الدول اﻹسلامية لا زالت أجواء الخطاب المعادي للديانات غير اﻹسلامية قائمة على قدم وساق ، فلا يسمح لهم ببناء الكنائس ولا حتى ممارسة شعائرهم الدينية في البيوت ، ومع هذا يغردون بدين التسامح ، في وقت يقدمون كل ما من شأنه دعم المنظمات اﻹرهابية التي تدعم إفراغ بلدان من شعوبها اﻷصلية معتنقي الديانات غير اﻹسلامية ، بشكل يمجد قداسة الوجه الآخر لتاريخ الإرهاب اﻷصولي المتطرف ،الذي تمدد بأوسع ما نتخيل ، فهل ستتظافر جهود المتدينين والعلمانيين ويتصدوا سوية، ويعلنوا براءتهم من اﻷصولية وإرهابها ومن المتشددين اﻹسلاميين وبمسمياتهم المعروفة وبشعاراتهم المحلاة بنصوص تراثية دينية و مذهبية غريبة.