المنبرالحر

عن أي اقتصاد اشتراكي عراقي يتحدثون ؟ / إبراهيم المشهداني

قد يكون هذا العنوان ملفتا ومثيرا لكثير من الناس بين مفكرين اقتصاديين ومثقفين وسياسيين وأكاديميين ومهتمين بالشأن الاقتصادي في مؤسسات الدولة وخارجها ؛ ولهذا الشعور ما يبرره فالكل يعرف إن الاقتصاد العراقي ليس اشتراكيا ولم يكن كذلك حتى في النظام البائد الذي كانت أدبياته الحزبية والرسمية تتحدث عن القطاع الاشتراكي. فالمقصود هو القطاع العام أو ما يعرف بالأدبيات الاقتصادية بالقطاع الحكومي ؛ والكل يعرف إن الدستور العراقي ونزولا عند رغبة "محرري" العراق قد نص بالمواد 23؛24؛25؛و26 على الحرية الاقتصادية بمعنى اقتصاد اسوق ؛وعلى هذا الأساس دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة في رسم سياستها في ضوء ما نص عليه الدستور وان كان ذلك قد تم بطريقة انتقائية ؛مقتصرة على قطاع تجاري منفلت لا تحكمه قوانين أو أعراف تجارية بل توجيهات تخدم في واقع الأمر مصالح حيتان التجارة وحليفتها الطبقة البرجوازية الطفيلية .
ومن حق القارئ ان يسأل عن سبب هذه المقدمة الطويلة .
لا اخفي على القارئ الكريم إن هذه المقالة ليست مناقشة لدراسة اقتصادية علمية رصينة قائمة على أساس تجربة اشتراكية فاشلة مر بها الاقتصاد العراقي ولا تجربة عالمية تناولتها الدراسة استناد إلى أمثلة حية وأرقام وبيانات ومعلومات موثقة. بل هو تعقيب على تصريح لأحد أعضاء لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، فالرجل أشار إلى إن اللجنة وجهت كتابا إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يتضمن دعم اللجنة لمقترح تشكيل مجلس اعلى للاقتصاد العراقي يضم وزارات المالية والنفط والتخطيط والتجارة والصناعة والزراعة والبنك المركزي الع?اقي وديوان الرقابة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ويرأسه نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. وهذا المجلس يأخذ على عاتقه مهمة تحويل العراق من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد السوق بالإضافة إلى تسهيل عملية الاستثمار في البلاد. وستقدم اللجنة توصياتها إلى مجلس النواب فيما يتعلق بالقوانين التي تتطلب معالجة حقيقية والتي تعيق الاستثمار. ومن هذا التصريح والكتاب الموجه إلى الأمانة العامة يمكن استخلاص هدفين للمجلس الاقتصادي، المقترح الأول تحول اقتصادنا من "اقتصاد اشتراكي" إلى اقتصاد السوق والهدف الثاني تسهيل عملي? الاستثمار .
ليس من الوارد في هذا المقال الدخول في مناقشة نظرية حول طبيعة الاقتصاد الاشتراكي كعلم وكنظام، فهذا الأمر يحتاج إلى مجلدات اعترف إني لست جديرا بها وليس مكانها هنا ؛ ولكني استطيع الجزم إن العراق في كل تاريخه لم يخط ولو خطوة واحدة على طريق بناء اقتصاد اشتراكي بل تم التركيز في بعض مراحله على بناء قطاع حكومي يعتمد تخطيطا مركزياً. وقد حقق بعض النجاح في هذا المشروع وخاصة بعد ثورة الرابع عشر من تموز وبدايات الحكم الثاني لحزب البعث، لكن سرعان ما تراجع عنه بعد حربه مع الجارة إيران .هذا من جهة ومن جهة أخرى فان أصحاب?النظرية الاشتراكية الأوائل لم يتحدثوا عن نظام اشتراكي في بلد متخلف كالعراق وإنما تحدثوا عن نظام اشتراكي يقوم على أعتاب نظام رأسمالي متطور؛ وفي سبعينيات القرن الماضي تحدث بعض المفكرين الاقتصاديين عن إمكانية الوصول إلى نظام اشتراكي دون المرور بالنظام الرأسمالي وحينها أسموه بالنظام اللاراسمالي. إلا إن هذه المقولات لم تر طريقها إلى النور لأنها بنت تصوراتها النظرية على قاعدة قطاع حكومي متطور واقتصاد تقوده حكومات تقدمية مناوئة للامبريالية تعتمد في علاقاتها الدولية مع المعسكر الاشتراكي الذي كان قائما آنذاك .
وعلى فرض إن لجنة الاقتصاد والاستثمار كانت منسجمة ومتفقة بالكامل على هذا المشروع، فما هو أساسها النظري في هذا المقترح؟ أو لم تطلع على الدستور؟ أو لم تطلع على مشروع الحاكم الإداري الأمريكي بول بريمر الذي وضع 192 شركة من شركات وزارة الصناعة لإغراض الخصخصة؟ أو لم تطلع على واقع القطاع الحكومي بعد التغيير السياسي في عام 2003 الذي عانى من الإهمال إلى درجة غاية في التخلف في قطاعي الصناعة والزراعة وآثارهما في تعاظم البطالة وزيادة نسبة الفقر، حتى وصلت إلى ربع سكان العراق؟ وهل هنالك ابلغ من هذه الأدلة كي نؤسس لمجلس ا?تصادي لمعالجة قضايا لا وجود لبعضها على الأرض؟ ثم ما علاقة إخفاق عملية الاستثمار بشكل النظام الاقتصادي القائم؛ ونحن نعرف إن إخفاق عملية الاستثمار في العراق ترجع إلى أسباب عدة وفي مقدمتها المناخ الأمني المتدهور، حيث إن فرص الاستثمار تنمو وتنتعش في إطار نظام سياسي مستقر لان هدف المستثمر تحقيق أقصى الإرباح؟ ولن يتحقق هذا الهدف في بلد ينشط فيه أمراء الحرب وتتعاظم فيه المفخخات بشكل يومي بدون رادع. السبب الآخر هو القصور في التشريعات وهيمنة الروتين الحكومي مما لا يشجع المستثمرين على الدخول في دوامة الإجراءات التي?لها أول وليس لها آخر. كما إن المستثمر يبحث عن قاعدة تحتية تسهل له بناء مشروعه على ارض تتوفر لها كافة الوسائل اللوجستية، فهل هذه العوامل متوفرة؟
وقبل ان نصل إلى النهاية نسال السيد عضو اللجنة؛ هل الاقتصاد الحر هو الخير كله أم أنها مقولة نظرية لم تثبت التجربة العالمية نجاحها وأمامنا الأزمة المالية العالمية التي حولت بلداناً متطورة إلى بلدان تعجز عن توفير لقمة العيش وتوفير فرصة عمل لسكانها؟ فضلا عن ذلك فان الرأسمالية التي يريد ان يصل إليها بعض المعنيين الرسميين في الشأن الاقتصادي بسرعة الصاروخ ؛ لم تكن نهاية التاريخ كما وصفها فوكوياما؛ بل ليست هي النظام الأمثل وها هي امراضها المستعصية ماثلة أمام العالم كله. ولتطمئن اللجنة انه لولا الرابطة الضعيفة التي تربط اقتصادنا بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، لرأت بأم عينها حجم الكارثة التي كانت قد حلت باقتصادنا.
وهذا لا يعني إن اقتصادنا بأفضل عافيته، بل انه يعاني من سلسلة من الامراض المزمنة ليس لأنه اقتصاد اشتراكي كما يريد ان يصوره السيد النائب بل بسبب اعتماده على البترول وفقدان التوازن بين قطاعاته المختلفة وهروب الرساميل الوطنية إلى خارج العراق نتيجة فقدان العوامل المشجعة على استقراره، التي أشرت إلى بعضها في متن هذا المقال، والفساد المالي والإداري، والتدخل الحكومي في شؤون المؤسسات الاقتصادية المستقلة وغيرها الكثير.
اما الخيار الاشتراكي أو الرأسمالي فتبقى قضية مثيرة للجدل في بلادنا وفي البلدان المتخلفة أو النامية حتى تتبين مفاعيل الصراعات الاجتماعية وقوانين التطور الاقتصادي والنظم السياسية وتفاعلات البناء الفوقي والبناء التحتي على النطاق العالمي .وبعد هذا وذاك هل يستطيع المجلس الأعلى للاقتصاد العراقي ان يبعث الحياة في الاقتصاد العراقي متخطيـــــــــا كافة المؤسسات الاقتصادية التي كانت فاشلة بامتياز؟ أم انه حلقة حكومية زائدة تتصارع حوله الكتل السياسية، كل يريد حصته من كعكة مضافة فاشلة كقريناتها؟
نصيحــــــــة أخيرة للسيد عضو لجنة الاقتصـــــــاد والاستثمار ان يدرس الاشتراكيـــــــــة كعلم وليس للدعاية .