المنبرالحر

ماذا بعد هيكلة الشركات الحكومية؟ / ابراهيم المشهداني

تشير الاخبار التي تتداولها وسائل الاعلام والشارع العراقي ان ألاف العاملين في شركات القطاع الحكومي مهددون بتأجيل دفع رواتبهم الى اشعار غير معلوم  وبعض الشركات لم تدفع  بالفعل رواتب منتسبيها لثلاثة اشهر او اكثر والحجة ان هذه الشركات خاضعة لنظام التمويل الذاتي او ان هذه الشركات قد تعرضت لخسائر كبيرة ولم يكن بمقدورها دفع رواتب منتسبيها وان مصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين اللذين كانا يقرضان تلك الشركات  قد اعتذرا عن اقراضها بسبب ضعف السيولة وبالتالي فان على هؤلاء العاملين ان يهيموا في الارض بحثا عن لقمة العيش. فهل يصح ذلك في بلد كانت موارده تتدفق من النفط بأرقام كبيرة لم تجد لها فرصا مؤاتية لإعادة بناء القاعدة التحتية للاقتصاد العراقي بل لتذهب وبسبب سياسات حكومية فاشلة الى جيوب الفاسدين في الجهاز الحكومي والطبقة الطفيلية التي ظهرت بقوة خلال فترة التسعينيات وما بعد التغيير السياسي عام 2003.
تأتي هذه الاوضاع المؤلمة في وقت تخوض الدولة معركة فاصلة مع القوى الارهابية التي سلطت على بلادنا بفعل فاعل وما تستلزم هذه المعركة من تعبئة لكافة القوى المجتمعية الحية وتعبئة الموارد على اختلافها وخاصة الموارد المالية لإخراج الارهاب الداعشي من الارض العراقية.
وبالترافق مع هذه الظروف الصعبة تتواتر التصريحات في مجلس النواب وفي وزارة المالية بخلو الخزينة العامة من الاموال ولا احد يفصح عن شكل ومجالات انفاقها ، وفي حمأة هذه الظروف تعود جهات حكومية معروفة بطروحاتها النظرية حول الاصلاح الاقتصادي استجابة لتوجيهات المؤسسات الاقتصادية الدولية بطرح موضوعة هيكلة شركات القطاع العام في وزارة الصناعة وبعض الوزارات الاخرى في غير اوانها مسببة صدمة لآلاف العاملين في تلك الشركات في سيناريو تراجيدي يبدو انه مقصود نتيجة لضغوطات خارجية تفضي في هذا الظرف الى  اثارة حفيظة الطبقة العاملة وزيادة التوترات الاجتماعية ، وكان عليها بدلا من ذلك البحث عن  حلول منصفة  لصرف رواتب العاملين وإعادة النظر في شكل ملكية هذه الشركات بما يخرجها من غرفة الانعاش.
كانت مفهومة، الظروف السياسية الناشئة بعد التغيير في عام 2003 والضغوط التي  مارستها المؤسسات الاقتصادية الدولية متمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي  في تحديد افاق التطور السياسي الاقتصادي اللاحق ونظريتها في اصلاح الاقتصاد العراقي ، ومفهوم  كيف استغلت المديونية الخارجية في فرض الشروط النظرية لخصخصة القطاع الحكومي ، كما هي مفهومة تلك  السياسة التي وضعتها الحكومات العراقية اللاحقة في توفير الاجواء المناسبة لتطبيق الليبرالية الجديدة وإيجاد النخب الاجتماعية المستعدة للهيمنة على الشركات الحكومية في حال خصخصتها .وفتح السوق العراقية على مصراعيها لجميع نفايات الاسواق العالمية دون قيود صحية او تطبيق نظام ادارة الجودة من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية حفاظا على الصحة العامة، ما انتجت طبقة كومبرادورية نهابة  تتحكم بمختلف النوافذ الاقتصادية .
ان التوجه الى هيكلة الشركات الحكومية يستلزم من بين امور عديدة دراسة شاملة وعميقة للشركات الحكومية وفق معايير محددة وواضحة للتمييز بين الشركات الرابحة والشركات التي يمكن ان تكون رابحة في حال خضعت لعملية تأهيل والشركات الخاسرة ودراسة للتجربة العالمية في اسيا وأمريكا اللاتينية  خاصة، وان هذه التجارب تتباين في اثارها الاجتماعية وعلى العاملين بشكل خاص  ، فعلى سبيل المثال في ماليزيا القانون لا يسمح للشركات المهيكلة بتسريح العاملين قبل مرور خمس سنوات، مع الاخذ بعين الاعتبار ضرورة التعجيل بتشريع قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي  وغيرها من البدائل النوعية التي تحافظ على حياة كريمة للعاملين  قبل حلول كارثة طوفان الخصخصة.