المنبرالحر

اوكرانيا .. لعبة القوى الامبريالية / ترجمة واعداد : حازم كويي

التعلم من لينين
يدخل الاتحاد الاوربي مع حليفته امريكا مرة اخرى في صراع خطر مع روسيا الاتحادية لأجل تقرير لمن تكون السيادة على ملعب الاوكرانيين.
ويحاول السياسيون وأوساط رئيسية في الاعلام ، وبالترابط مع هذا الوضع بلعب دور الوسيط المؤثر، من ان الاتحاد الاوربي هو حامل راية السلام ، بكفاحها من اجل الديمقراطية ، وان روسيا المتمثلة ببوتين هي الوحيدة التي تجلب الخطر.
في هذا الصراع، لا روسيا ولا الاتحاد الاوربي وحليفتها يمثلون الارادة الطيبة.
الفرق الوحيد ،ان المعسكر الغربي يريد التأثير على اوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً وخاصة على حركة (ميدان) ، ومن اجل وصول القوى السياسية المتأثرة بهم الى السلطة ، بما فيهم حزب (سفوبودا) الفاشي.
ومن جهة اخرى تساند روسيا الانفصاليين المتهيئين للحرب ، يتخفى فيها بوتين بملابس من يريد الكفاح ضد الفاشية ، لكن الواقع هو ان روسيا تريد اعادة هيبتها الذي فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .
الطرفان لايهمهُم ما يحدث للناس في شرق اوكرنيا ، فالجيش الاوكراني ضرب مدناً مثل دونتسك ولوهانسك بالقنابل والتي ادت الى هروب اكثر من نصف عدد سكانها ولم يختلف عمل الانفصاليين بهجماتهم الفظيعة في نفس المنطقة.
السؤال هو ، كيف سيكون موقف اليسار إزاء هذه الاوضاع المضطربة ؟
في البداية تعتبر اوكرانيا ومنذ وقت طويل محط أنظار للعديد من الدول التي تمتلك النفوذ والقوة.
كتب الاشتراكي الروسي ليو تروتسكي عام 1939 عن الوضع في اوكرنيا، بأنها نقطة تقاطع بين
عدة دول متشابهة ، كبولندا ، فقد كانت في الاعوام 1772،1793،1795 مقسمة بين روسيا القيصرية، بروسيا والنمسا .
وتحت سيطرة حكم روسيا القيصرية كانت معاناة الاوكرانيين منذ اواسط القرن السابع عشر ونتيجة نشاط الحركات القومية الاوكرانية المضادة ،حُرِمت عليهم الكتب بلغتهم الُام في القرن التاسع عشر.
الثورة الروسية عام 1917 قوضت الحكم القيصري ، وفيها طرح الحزب الشيوعي البلشفي سؤاله ، حول كيفية التعامل مع الحركة القومية الاوكرانية ، فمن جهة عليهم كسبها الى جانب الاتحاد السوفيتي، كونها تناضل من اجل الاشتراكية وتوسيعها الى بقية الدول ، ومن جهة اخرى عدم ممارسة الضغط السياسي كما حصل زمن القيصرية بالتدخل في شؤونها بالاكراه.
وتُوِجت السياسة البولشفية بقيادة لينين بإصدار (قرار السلطة السوفيتية حول أُوكرنيا ) عُبِر فيها بوضوح ، سبب اهتمام روسيا الاشتراكية ، والاشتراكية الاممية بالقومية الاوكرانية التي تحتاج الى (الصبر الطويل والعناية الكبيرة) والذي يجب القيام به ،كون أن الثقافة الاوكرانية قد عانت الاضطهاد ولاكثر من قرن من الزمن على يد روسيا القيصرية ،واصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي قراراً يُلزم أعضاءه بتذليل المعوقات وبكل السبل من اجل التطور الحر للثقافة واللغة الاوكرانية وعدم السماح بمحاولات فرض اللغة الروسية عليهم.
فالبلشفيون ومن منطلق المصالح المشتركة بين الروس والاوكرانيين وخاصة العمال والفلاحين ، وضعوا الاساس كي يسحبوا البساط من الرجعية وحركة القوميين الاوكرانية.
في بداية عام 1920 نجحت هذه السياسة من خلال حركات المشورة في المناطق الصناعية من شرق اوكرانيا ،اما في غربها فقد كان الجيش الابيض قد احتلها حيث خاض الثوار حرباً ضدهم.
وتطورت حركات المشورة بنجاحات في شرق البلاد من النواحي الاجتماعية والسياسية ، قُدم فيها برنامجاً سياسياً استفادت منه بالاخص قطاعات واسعة من الفلاحين ، بحصولهم على اراضٍ وزعت عليهم من كبار الملاكين الاقطاعيين ،الذين كانوا يستغلونهم بشدة.
هذا الوضع أثرعلى الفلاحين في غرب اوكرانيا بإنحيازهم الى صفوف الحركة الثورية والتي نجحت فيها البلشفية بسيادة لغة وثقافة وتراث الاوكرانيين ، تلك السياسة التي ساعدت بالانتصار في الحرب الاهلية ، و صدر بعدها مرسوم بإنضمام اوكرانيا الى جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، فقدت فيها القوى اليمينية مواقعها وانحسر تأثيرها .
الا أن الوضع تغير عندما تولى ستالين الحكم ، ففي نهاية العشرينات فُرضت سياسة القوة بإمتلاك الدولة للمزارع ، التي أدت الى التجويع وخاصة عامي 1932و1933 ، مات فيها في اوكرانيا بحدود 4 الى 7 مليون مواطن ، و في نفس الوقت أعلن ستالين الكفاح ضد البرجوازية القومية وإعادة فرض اللغة الروسية في الدوائر الرسمية وعدم السماح للموظفين بالتحدث سوى بالروسية ، التي ادت الى (روسنة) اوكرانيا.
كتب تروتسكي عام 1939، كيف ان الستالينية قد قضت على الآثار الجيدة التي تركتها الثورة على هذا البلد ،استغلت فيها القوى الرجعية والكولاك القوميون ،الذين حاولوا بيع اوكرانيا الى الامبريالية ، وحلل تروتسكي الترابط بين الستالينية والفاشية بغياب الوعي المستقل لحركة الطبقة العاملة وانزلاقها الى المعارضة الرجعية والفاشية ، ولم تكن بإستطاعة (منظمة القوميين الاوكرانيين)الفاشية بقيادة (بانديرا) ان تحرز نصراً على الجماهير الاوكرانية لولا السياسة الستالينية البيروقراطية .
كان بانديرا يُعول على الزحف الهتلري على الاتحاد السوفيتي بتحرير اوكرانيا من نير حكم ستالين واعلان استقلالها وباستعداده للتعاون مع هتلر ، الا ان النازية كانت لها خطة اخرى ، قامت فيها بأعمال سلب ونهب فظيعة ، وتم اعتقال بانديرا وقيادات منظمة القوميين الاوكرانيين في معسكرات الاعتقال في (ساكسن هاوزن) الواقعة شرق مدينة برلين.
في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956انتقد سكرتير الحزب آنذاك نيكيتا خروتشوف وبشدة نهج ستالين وبما يخص السياسة القومية واعتبرها انتهاكاً وحشياً لمبدأ السياسة القومية اللينينية للاتحاد السوفيتي ، كونه داس بالاقدام حقوق القوميات الاخرى التي لاتتكلم الروسية من خلال تهجيرهم الى مجمعات سكنية خارج اماكن سكناهم الاصلية ،ولم تنجح سياسة الاستيطان هذه في اوكرانيا، كون أن تعداد الاوكرانيين السكاني كان كبيراً.
لكن سياسة احلال أجواء الهدوء السياسي لم تستمر طويلاً ، فعادت من جديد زمن تولي ليونيد بريجينيف قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي (1964ـ1982) ،التي أُرجعت فيها (روسنة) جمهوريات الاتحاد السوفيتي ،وبدلاً من التوجه نحو السياسة الفيدرالية ،جرى الاعلان عن تبني مفهوم (الشعب السوفيتي).
وعلى ضوء هذه السياسة التي بدأت منذ زمن القيصرية مروراً بستالين والى بريجنيف فقد وضع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين نفسه في هذا الصف وابتعد بوضوح عن السياسة البلشفية لثورة 1917 متبنياً مشروعاً امبريالياً بضم منطقة القرم الى شرق اوكرانيا لترتبط اقتصادياً وسياسياً بالتأثير الروسي ، محاولةً الحفاظ على خلق توازن لسياسة دفاعية في هذا الوقت على الاقل.
وفي نفس الوقت فأن الحكومة المركزية في اوكرنيا تريد الحفاظ على تقاليد الحركة القومية من خلال علاج تنشده بالبحث عن إتحاد مع الامبريالية الغربية والمعني به ( الاتحاد الاوربي).
الكثير من الذين يعارضون هذه الحرب في الوقت الحاضر يقفون بإتجاهين مضادين ،احدهم يعتبر ان الغرب ديمقراطيا تقدميا، والآخر يرى ان روسيا لازالت ديمقراطية تقدمية وهناك من يرى ان الغرب هو الامبريالي ،عكس الآخر الذي يقول ان روسيا هي الامبريالية .
ولكن في هذا الصراع ومن وجهة نظر الاشتراكيين هو صراع داخلي امبريالي لا يوجد فيه طرف جيد او سيئ، بل الاكثر من ذلك فهو نظام امبريالي ، الذي يتوجب عليهم مكافحته.
والطرفان القوميان في اوكرانيا لايتسمان بالتقدمية حيث يحاول كل طرف البحث عن تحالف مع القوى الكبرى .
فالاشتراكيون في غرب اوكرانيا عليهم ومن خلال حكومة كييف الايقاف الفوري لهذا العنف،وكذلك يلزم الاشتركيون في جنوب شرق اوكرانيا انفسهم من اجل وحدة البلد وضد الانفصاليين ،وبهذه الطريقة يمكن النضال المشترك من اجل جمهورية ديمقراطية اجتماعية ضد الاوليكارشية ،تُسترجع فيه المصالح الطبقية المشتركة للعمال والفلاحين في غرب وشرق اوكرانيا ،والذي به يكون مفتاح الحل السلمي لمستقبل هذه الشعب.
ومن الضروري اتباع سياسة التضامن البروليتاري الاممي ،وكما طبقه البلاشفة قبل مئة عام.