المنبرالحر

الصناعة الحكومية على مذبح الليبرالية الجديدة / ابراهيم المشهداني

منذ ان شرعت الحكومة بدراسة الموازنة السنوية لعام ، 2015 اخذت التصريحات تتوالى من قبل المسؤولين بالحديث عن القطاعات التي ترهق الميزانية بنبرة متشددة وعند هؤلاء ان القطاع الصناعي الحكومي هو الشاة المعدة للذبح ومبرر هذا التحامل في الظاهر ، ان الصناعة العراقية خاسرة وغير منتجة ، وكان المذنب هي الصناعة نفسها وليس السياسة الاقتصادية الخاطئة التي تبنتها الحكومات المتعاقبة تطبيقا لقرارات بريمر الذي هو نفسه لم يجرؤ على اقتحام هذا المطب المهلك وهو على دست السلطة وترك امرها للعراقيين وها هو وزير الصناعة يعتبر وزارته عبئا على الدولة، وقد قالها بالفم المليان فإذا كان هذا الاستنتاج مبنيا على دراسة معمقة وتفصيلية لكل الشركات الانتاجية المرتبطة بالوزارة فما هي الحاجة الى وزارة ووزير؟
ان السياق التاريخي لنشوء القطاع الصناعي الحكومي ، يشير الى ان هذا القطاع كان متعافيا والى درجة ما في خمسينات القرن الماضي ، حيث كان مجلس الاعمار يشرف عليه ، ثم اتسع نطاقه كما ونوعا بعد ثورة تموز عام 1958 ، وشمل معامل النسيج والجلود والمصابيح والأدوية وغيرها واستوعبت الآلاف من العاملين وأنقذت الكثير من العوائل من الفقر المدقع وخاصة المهاجرة من الريف الى المدينة ، واتسعت الصناعات المدنية والعسكرية بعد ان ازدادت الموارد المالية ، في منتصف سبعينات القرن الماضي نتيجة لارتفاع اسعار النفط مما ساعد في انخفاض نسبة البطالة في المجتمع بشكل ملموس وازدادت نسبتها في الانتاج المحلي الاجمالي وحققت ارباحا اسهمت في زيادة مداخيل العاملين وأنعشت الاقتصاد الوطني وحركته بشكل واضح الفعاليات الفنية والأدبية والثقافية وكان من الممكن ان يدخل العراق نطاق البلدان المتقدمة لولا السياسات الرعناء التي مارسها رئيس النظام في حينه بدخوله الحرب ضد جيرانه مما أدى الى استنزاف ثروات البلد وإيقاف النمو الاقتصادي وتدهور الصناعة العراقية بسبب الانفاق المفرط على حروبه الخارجية والداخلية.
ولان التغيير تم عن طريق الاحتلال فان الثمن كان قاسيا فأصبح من واجب الحكومة العراقية القبول باملاءات المحتل التي انصبت على تبني اقتصاد السوق المنفتح وإهمال القطاعات الانتاجية الحكومية بما فيها شركات وزارة الصناعة الذي يقع عليها اللوم بوصفها عبئا على الميزانية وليس على السياسات الحكومية التي لم تقم بدراسة متكاملة لطبيعة الاقتصاد العراقي وحاجاته وبنيته التي خربتها الحروب وسمح المحتل بنهبها باستثناء وزارة النفط .وإذا سلمنا أمرنا لاقتصاد السوق فما الذي فعلته الحكومات المتعاقبة لإحياء نشاط القطاع الخاص وتفعيل دوره في الحياة الاقتصادية ؟ على الرغم من مطالبات الصناعيين الملحة واستغاثاتهم لتقديم الدعم المالي للصناعات المتوقفة او التي تعمل جزئيا وتزيد عن 32 الف مصنع بين صغير ومتوسط وكبير فإذا كان موقفها من القطاع الصناعي الخاص بهذا الاهمال فكيف بها ان تنتقل الى اقتصاد ألسوق وكيف يكون للقطاع الصناعي الخاص دور الريادة في الاقتصاد؟، علما ان نسبة التخصيصات المالية للصناعة في موازنات السنين السابقة لم تزد عن النسبة المقترحة في موازنة 2015 وهي 1،3بالمئة فيما يكون المخصص لمجلس النواب ضعف هذه النسبة 2،4بالمئة . لا احد ينكر الازمة العامة التي يمر بها العراق واثرها في فلتان التصريحات غير المدروسة وهي ازمة قادنا اليها السياسيون الحاكمون وعليهم ان يتحملوا وزرها ، وليس الطبقات الفقيرة المتعبة وذوو الدخل المحدود الذين يريدونهم أن يدفعوا فاتورتها .
ان مسؤولية الحكومة في هذه الازمة ، تتركز في الابتعاد عن الايديولوجية والذهاب الى الواقعية في دراسة الاقتصاد ، والتمييز بين الشركات الخاسرة التي لا ينفع معها التأهيل وبين الشركات الرابحة في حال تأهيلها والأخذ ، بعين الاعتبار حاجات السوق العراقي ، من منتجات مصانع وزارة الصناعة وتطبيق القوانين الحمائية كقانون حماية المنتجات الوطنية وقانون حماية المستهلك وقانون التعرفة الكمركية ، وإلزام كافة الوزارات الحكومية بشراء المنتجات الوطنية من اجل توسيع قدرتها التنافسية . وإذا كان هناك من ثمن واجب الدفع فليتحمله المسؤولون عن رسم السياسة الاقتصادية في الفترة السابقة وقبل كل شيء الفاسدون منهم وليس العاملون في شركات التمويل الذاتي الباحثون عن الحياة .