المنبرالحر

ماراثون المغانم -1-/ د. علي الخالدي

الكتابة عن اﻷوضاع في العراق وبصورة خاصة السياسية واﻹجتماعية، كالتجديف في بحر هائج تتجاذبه أمواج اﻷخبار اليومية المتسارعة، التي تشتت اﻷفكار و تعيق إنسيابية الكتابة عنها . ولشدة مآسي وقعها ، وما تتركه من أحزان ترفض الذاكرة تخزينها، على أمل أن يحل محلها ما يفرح. لكن سرعان ما تأتي موجة خبرية جديدة تقتلع قشرة الفكرة الجديدة التي يراد صياغتها، ومع هذا إمتلك العراقي، قدرة تحليلية فائقة للأحداث ، لا يملكها الكثير من اﻷعلاميين في أوضاع مستقرة، إلا بعد أن يصبح الخبر ببلاش ، فيحتارون في إختيار الخبر المهم من بين اﻷخبار المهمة ، فالعناوين المثيرة قد إستنفذت من قواميسهم ، وطواها التاريخ كما يقال ، وأنصب دورهم بالبحث عن سبل لفت حكومتهم لتوفير حياة أكثر رفاهية وترفا لمجتمعهم ، ولكون ما يردهم من أخبار أغلبها يأتي من مناطق متدنية فيها ثقافة حقوق اﻷنسان ، وتمتاز بضعف ثقافة القائمين على القرار بالروح الوطنية ، و أغلبها يدور حول القتل واﻷرهاب، وعن إمتدادات داعش اليهم ، فامتنعوا عن نشرها خشية إثارة قلق مجتمعاتهم وتنغيس حياتهم اليومية من اﻹسلام فوبي.
فاﻷخبار التي تأتي من الوطن ، تقع ضمن هذه التصنيفات ، على الرغم من كونها مؤخرا بدأت تنفرد باحداث يبلورها الصراع مابين الطبقة البرجوازية الغنية ( قادة الحكم ومحسوبيهم) الجديدة التي تولدت نتيجة تهشيم الطبقة الوسطى ، والرواتب العالية والسحت الحرام والطبقة الفقيرة التي تولدت بعد إفقار الناس ، نتيجة سوء التخطيط للقائمين على القرار خلال العقدين من تبني نهج المحاصصة ( الشراكة السياسية ) المقيت ، حيث تكون إصطفاف طبقي حاد في المجتمع ، يشجع على اﻷعتقاد بأن نهاية هذا أﻹصطفاف هو الحسم لصالح الطبقة الفقيرة ، التي تسعى الى التقدم وتناضل ضد التخلف ، كما تشير اليه وقائع تحرك الطبقة العاملة ،الذي إرتقى لمستوى أﻷسلاف في ممارسة النضال المطلبي ، تراث شعبنا النضالي السلمي ، على مر العصور ، لنيل حقوقهم اﻹنسانية . وعدا ذلك فكل ما يدور من نقاش بين بعض المنكسرين سياسيا حول هذا التحرك ، ما هو إلا بقايا وترسبات فكرهم الرجعي الطائفي، الذي يراد إشغال شعبنا بقضايا تافهة تبعده عن قضاياه المهمة والملحة آنيا ، في مقدمتها التصدي ﻷمتداد داعش وتحرير اﻷراض التي دنستها، وبالتالي عرقلة وتشويه طموح مكونات شعبنا بالتغيير و بناء مجتمع الكفاية والعدل والمساواة . فالبعض يبتعد عن إدراك حقيقة هذا الطموح ، باﻷصرار على إشاعة أﻷفكار الطائفية ، وجعلها سيفا مسلطا على الرؤوس ، في أجواء الوعد والوعيد ،( الفرق بينهما حرف علة يعري حقيقتهم )،أملا في هز مكامن الخوف والرهبة لدى الناس ، وإبقائهم متأرجحين في صور تراجيكوميدية ، كي يواصل المنكسرون سياسيا تفعيل تمنياتهم ، بأن أي تغيير لا يتوضح بدونهم ، فيشاكسوا المعنيين بالتغيير الحقيقي، بخلق معوقات لحاملي لوائه، والهم العراقي ، بالتصدي لمروجي الروح الوطنية وملتزمي الكلمة الحرة من الظهور في الصورة ، كما فعل أسلافهم من الحكام ، في ظل صمت الآخرين .
فالشواهد الحالية التي بدأت بمحاولات ملموسة ، ينهض بها الفقراء لنزع أغلالهم التي فرضتها أنظمة لم يصنعوها ، وليجعلوا من التنوع العرقي والديني لمجتمعنا، عامل تطور وإبداع للتغيير، بعيدا عن التركات الثقيلة ، التي حُملت بالقنابل الموقوته ( العرقية والمذهبية والطائفية والقبائلية ). كان باﻷمكان أن يجعلوا من ذاك التنوع عنصر قوة ودعم للعملية السياسية لتسير على السكة الصحيحة ، لولا سرعة تلون البعض  وصمت الآخرين تجاه التفرد بالقرار ، الذي وفر فرصة تقوقع وتعشعش المتلونين والمنكسرين سياسيا، في أجهزة الدولة اﻷدارية واﻷمنية، لينظموا مارتون الركض وراء المغانم والمكاسب ، وتفكيك العلاقات الوطنية واﻷجتماعية عبر تبني النهج المحاصصاتي والفكر الطائفي الدخيل على مجتمعنا ، فبدلا من بناء عراق جديد . بُني .مواطن عراقي مكسور إجتماعيا ونفسيا. هذا ما سيحفز النهوض بالتغيير