المنبرالحر

اذا ازدهرت الصناعة لحقتها الزراعة / ابراهيم المشهداني

هذه المقاربة لم تكن في وارد اهتمام المخططين للاقتصاد العراقي منذ وقوع التغيير في عام 2003 حتى لحظة اعداد الموازنة العامة الاتحادية لعام 2015، ربما لكونهم غير مهيئين عقائديا لتحليل هذه المقاربة او ربما لم تسمح بذلك السياسات الاقتصادية التي رسمت لنا على كراهة ، او لعل اغراءات التدفقات النقدية المتأتية من الارتفاع المذهل في اسعار النفط، في وقت ما، كانت وراء نمط تفكير اولئك المخططين مولدة لديهم قناعة ان لا حاجة بموارد اخرى وشيء من هذا وذاك قاد الى اهمال الصناعة والزراعة وهما قطبا الانتاج في الاقتصاد العراقي .
لقد كان انخفاض اسعار النفط بهذه السرعة وبنسبة تزيد عن 50 بالمئة مما شكل صدمة كبيرة لأصحاب ألقرار ممن اداروا ظهورهم لكل النصائح التي ابداها الكثير من الاقتصاديين والمتابعين للشأن الاقتصادي والأكاديميين، ويبدو انهم ادركوا ولو متأخرين ان الندم وعض الانامل ليس حلا ، غير انهم بدلا من المعالجة الجذرية الشاملة للاختلال في الاقتصاد العراقي راهنوا على ما اسموه «اعادة الهيكلة والمقصود بها خصخصة شركات وزارة الصناعة ووصفوها بانها عبء على الموازن الاتحادية على الرغم من ان دراسة جدوى لهذه الشركات بالارتباط مع تجربة هذه الشركات تاريخيا وحاجة السوق الى منتجاتها للاحتفاظ بالعملة الصعبة التي انخفضت بشكل مريع نتيجة تراجع اسعار النفط بشكل صادم والاستفادة من الموارد البشرية التي اكتسبت خبراتها من تاريخ عمل هذه الشركات، هو افضل الخيارات في مثل هذه الظروف .
ان هناك روابط عضوية متينة بين الصناعة والزراعة ، حيث الاخيرة تشكل المادة الاولية لهذه الشركات وغيرها من المصانع في قطاع الصناعة التحويلية سواء في القطاع الحكومي او القطاع الخاص ما يساعد في ظل وجود مجموعة كبيرة من عوامل انتاج كثيرة متوفرة ومتداخلة مع بعضها والتي تظهر في مراحل مختلفة من تطور الانتاج الاجتماعي في بلادنا ما يساعد على ازدهار الصناعة من جهة وتطور التكامل الصناعي الزراعي من جهة اخرى ، ومن هذه العوامل الطبيعية المواهب والإبداعات المتوفرة لدى العامل العراقي والعوامل الاجتماعية المتمثلة بإزالة التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج الاجتماعية والعوامل الاقتصادية المتمثلة بتطور الصناعة بوتائر اسرع من الزراعة ما اصبحت الفجوة بينهما واسعة لكن الحاجات الاجتماعية تعتبر من العوامل الاساسية في ازالة هذا التناقض اضافة الى العوامل الادارية الكفيلة بعملية تنظيم الموارد في قطاعي الزراعة والصناعة ، وأيضا تنظيم العلاقة داخل العملية الانتاجية بين عوامل الانتاج المختلفة في وحدات الانتاج والاستخدام الكفء للعوامل التكنولوجية خاصة وان الزراعة كما ان الصناعة يجب ان تغادر العمل اليدوي المتخلف. وهذا كله لن يحصل من دون وجود استراتيجية تنموية مستدامة مشرعة من مجلس النواب وغائرة في وجدان وعقول المسؤولين في اعلى مصادر القرار.
ان تطوير الصناعة في القطاعين الحكومي والخاص سيعمل على زيادة مساهمة الزراعة والصناعة في الانتاج المحلي الاجمالي ، وفي نفس الوقت سيعمل على زيادة المداخيل وبالتالي سيرفع من الطلب على المنتجات الزراعية لإغراض الاستهلاك الاجتماعي وفي ذات الوقت كمادة اولية للإنتاج الصناعي وهذا التفاعل العضوي بين الزراعة والصناعة ،يشكل موضوعا استراتيجيا ينبغي ان يؤخذ في الاعتبار عند اعادة بناء وترتيب البنية الاقتصادية .
من هنا تنشأ الحاجة الى تفعيل القوانين الداعمة لنمو التكامل الصناعي الزراعي ومنها وأهمها قانون حماية المنتج الوطني وقانون حماية المستهلك وتنفيذ قانون التعرفة الكمركية وخاصة على البضائع الكمالية التي لا ضرورة لها مع سياسة التقشف ، وتدعيم المبادرات الصناعية والزراعية ومتابعة حركتها لإبعادها عن مكامن الفشل ، والمشاريع الوهمية الهادرة للأموال ، وعن الفساد والفاسدين وبهذه العملية المركبة يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي والاحتفاظ بالعملة الصعبة عن طريق تراكم الاحتياطي النقدي وبالتالي رفع القيمة الحقيقية للنقد الوطني .