المنبرالحر

التقاعد لا يوقف دورة العمل / د. علي الخالدي

يُقال أن التقاعد يعني بداية خريف العمر ، وبأنه من يفرض إكتمال دورة العمل اليومية ، فما على المتقاعد إلا أن التقاعد لا يوقف دورة العمل / د. علي الخالدي يرمي عصا ترحاله عن معترك العمل ، و يسمح لنفسه بالراحة والخدر ليحتلا نشاطاته وتفكيره ، ويستأنس بشروط اﻹنفلات من قبضة هموم الدنيا ، ليصبح شخصا بعيدا عن ما حوله ، يتمتع فيما تبقى من العمر، بروعة مباهج الحياة التي يوفرها المجتمع والدولة ، مع توفير إمكانية مواصلة العمل بمهنته ،إذا أرتأى ذلك ، فكاتب المقال لحاجة المؤسسات الصحية الدائمة للكادر الطبي ، واصل العمل بعد تقاعده اﻷولي ست سنوات ، سنتين مواصلا موقعه في المستشفى ، ومن ثم ، نسب للعمل كإستشاري في معهد صحي هروبا من المناوبات الليلية وليحصل على تقاعد مريح . حسن المعاملة وتقدير المعنيين (وهو المغترب )، ملئه بهجة حلوة ، أذابت عن قلبه وهن الغربة ، بينما لم تتاح له مثل هذه الفرصة في وطنه العراق عندما طرح خدماته ، فالدنيا في وطنه ، مختلفة عن بقية بقاع العالم ، لان قوانين العمل والتقاعد التي إستحدثوها غريبة عجيبة ، لا تلبي سوى مطامح واضعيها ، وتحتل ايضا المرتبة المتقدمة في النشاز والخروج عن التقاليد الدولية العامة .
فاﻷسياد القائمون على النظام حاليا ليس قلقون على مستقبلهم ، الذي سيثقل ميزانية البلاد بمخصصاتهم التقاعدية ، الغير محسوبة العواقب لاحقا ،فقناعاتهم هي أن اﻷشياء هكذا كانت وهكذا ستدوم ، تبقيهم أقوياء بالملك والمكانة ، فهم رأس الهرم ، الآمرون على قاعدة عريضة من الناس ، يمنحونهم ثقتهم وهم صاغرون . إنهم لا يريدوا أن يتفهموا ، وربما إستعصى عليهم فهم ، أن المتظاهرين من العمال والفلاحين ، بشر ، يصبون غضبهم على من يعرقل صناعة رغيف خبز نظيف ، وقد وضعوا منذ زمن بعيد ، شروط فك أغلالهم ، لقادرين على تعبأة شكاة القوم المطالبين بالحق والعدالة في هذا السوق اﻷعتسافي ، فحراكهم يتداخل في كل شيء من رغيف الخبز الى إيما سلعة يبتاعوها
صحيح أنه لم يعد ( المتقاعد)التخلص من التفكير بقضية الغنى والفقر الفاحش بينه وبين المسؤول المتقاعد من منصبه العالي ، وربطهما بالصراع الطبقي المتنصاعد ، و بما ينتج عنه من مواقف سياسية يومية متناحرة ، تُعَظم التأملات اﻹجتماعية في مردود الفوارق اﻷقتصادية وأبعادها مستقبلا ، يُقراء ويُسمع عنها عشرات القصص المفرحة والمؤلمة ، وهي تواصل نفس أسلوب المواقف التي ورثت من الرعيل الذي سبقنا ، بالسير على خطى إبن رشد ، العلم في الغربة وطن ، والجهل في الوطن غربة ، فراح يتساءل كيف يحصل هذا ، وأجداده من علم البشرية الحروف ونشروا العلوم في المعمورة ، وبدلا من تراكم تطورها ، أوقف على حافة الهاوية واﻹنحطاط . أغلب ناسه يتساءلون بنفس السؤال ، بما فيهم من هو في موقع القرار ،تراهم يشخصوا المعوقات وينأوا عن النهوض بالمعالجات ،مكونين حظائر ﻷنواع متعددة من اللصوصية ومن صناديق التزوير ، و حمايات لبضائع بايرة ، بشاحنات ترد الوطن ، وتخرج منه حاملة المنهوبات ، دون أن يستطيع خفير أو حارس أن يوقفها أو يصادرها ،
ألمتقاعد العراقي يلقي بنفسه في سوق العمل وهمومه ، لذا كرهته الراحة ، وحتى لو عرضت عليه الجنة التي تبعده عن رفاقه وهم في تنور اﻹجراءات التعسفية ، لما رضي بها ، فهو لم يعد يلوم حواء التي أغوت اباه آدام ، فهبطا الى اﻷرض سويتا ، حيث العمل والحراك من أجل الحقوق والعدالة والمساواة بشكل متواصل في وطن غيبت المحاصصة الطائفية واﻷثنية منه المرآة ، إلا ما صغر منها ، يستعملها القائمون عليها ، لمشاهدة تورد خدودهم وارتفاع كروشهم ، جراء الترف و النعيم الذي أصبغه عليهم هذا النهج المقيت . لم يتخل عن مسؤوليته وهو يقول إن كان لنا نحن المتقاعدون من مكسب ، فإنه لم يعد هناك من يأمرنا ، ويفتي بما هي حقوقنا