المنبرالحر

ترشيد الإنفاق وتعظيم الإنتاج الصناعي / ابراهيم المشهداني

يبدو ان الازمة الاقتصادية والمالية الناشئة عن انخفاض اسعار النفط قد دفعت المسؤولين الى البحث عن منهجية جديدة من شأنها اعطاء دفعات للاقتصاد الوطني لتحقيق النمو من دون الاعتماد الكلي على الموارد النفطية الذي طالما جرى التحذير من مغبة الاعتماد عليها في تمويل الموازنات العامة، لما فيها من مفاجآت صادمة قد يتعرض لها الاقتصاد، وهكذا وقعت الواقعة، وقد يقول قائل ان وراء هذه الازمة عوامل سياسية قصيرة من الممكن زوالها. وبغض النظر عن صحة هذا التوقع فان هذا ليس هو العامل الوحيد، خصوصا وان الكثير من الاقتصاديات العالمية تعاني ازمة وتمر في مرحلة انكماش، ما يقلل من الطلب على استيراد البترول لفترة قد تطول.
ومن دون شك، فان اية خطوة تصب في اصلاح الاقتصاد الوطني ستكون موضع ترحيب لما لها من اهمية على استقرار العراق وتحقيق التنمية الاقتصادية ولكن ليس عن طريق المسكنات، بل لابد من وضع استراتيجية تنموية تأخذ بعين الاعتبار واقع الاقتصاد العراقي وحاجاته الأساسية وطبيعة الامراض والاختلالات التي يعانيها من دون الاكتفاء بالجزئيات على حساب الكليات فان الاهتمام بدراسة واقع القطاع الخاص وتحديد مستلزمات تنميته ،خطوة بالاتجاه الصحيح، خاصة في مجال الصناعة من خلال دعم المبادرة الصناعية مثلا. ولكن المشكلة التي يدركها الجميع في هذا القطاع هي مشكلة مالية فضلا عن ان الدورة الاقتصادية في هذا القطاع تحتاج الى وقت ليس بالقصير، اضافة الى دراسة نوع الصناعات التي يجب التركيز عليها وحاجة السوق الى منتجاتها ووفرة المواد الاولية لهذه الصناعات من دون نسيان حمايتها من منافسة المنتجات المشابهة لها عن طريق الاستيراد . وأية تصورات عن تطور القطاع الصناعي يتعين ان تكون مترابطة مع تفعيل القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني من اجل تحقيق التكامل الصناعي الزراعي كي يصب في تحقيق الامن الغذائي للمواطن العراقي والتخلص من مخاطر الاغذية الفاسدة التي تمرق من الحدود دون التأكد من صلاحيتها عبر الفحص المعياري من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية .
ان تحقيق 10بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي الذي تحققه الصناعة التي تحدثت عنها الخطة المقترحة من قبل الفريق المشكل من رئاسة الوزراء يبقي على الفجوة الناتجة عن ضعف دور الموارد النفطية ما لم تجر مراجعة لدراسة واقع الشركات التابعة لوزارة الصناعة التي تشكل عمود القطاع الحكومي وإعادة تأهيلها عبر ادخال الاساليب التكنولوجية في زيادة انتاجيتها، خاصة وان هذه الشركات تتوفر لها المواد الاولية التي تحتاجها في العراق ولا حاجة لاستيرادها، ومن الممكن اللجوء الى الاستثمار في هذه الشركات لحل الازمة المالية التي تحتاجها خاصة وإنها تمتلك الخبرات التي تراكمت عبر عشرات السنين، إلا ان دورها في زيادة نسبة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي لا يتحقق ما لم يجر تنظيفها من الفاسدين والكفاءات الهابطة من موظفي الصدفة الذين تسلقوا الوظائف المتقدمة عن طريق المحاصصة. اما موضوع الانفاق الذي يشكل جزءاً من خطة فريق العمل فهو اكثر شمولا من تطوير القطاع الصناعي، حيث ينتشر بشكل فوضوي بين كافة القطاعات وأجهزة الدولة ونمط الاستهلاك المجتمعي الذي لا يمكن معالجته إلا من خلال استراتيجية توعوية عامة وشاملة تشمل كافة الوزارات يجري تنفيذها بإجراءات حازمة وتشديد المساءلة ليس على الفاسدين الذين يجب ان يكون القضاء مكانهم الطبيعي وإنما المتسببين بالهدر المالي في مجالات ترفيهية غير مبررة وتشمل هذه الاجراءات تقليل عناصر الحماية الى الحد الادنى يصاحبها تقليل السيارات الى الحد الدنى فلا معنى للأساطيل الجرارة مع الوزراء والوكلاء وكبار موظفي الدولة ومراقبة المشتريات الحكومية بوصفها وعاء للهدر المالي، والتوقف عن الايفادات لأغراض التدريب التي يمكن حلها داخليا، وفرض رسوم عالية على المواد الكمالية المستوردة التي تستنفد اموالاً صعبة طائلة ليس لها معنى في الاقتصاد بموجب قانون التعرفة الكمركية. وآخر الكلام ان العبرة ليس في الاكثار من اللجان والاستغراق في التوصيات من دون الالزام في التنفيذ بتشريعات من البرلمان ومراقبة التنفيذ .