- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 30 آذار/مارس 2015 17:57
((احتفالية زمنين زمن الحرية وزمن السجون )) !
تحية لكل المناضلين الشيوعيين وأنصارهم وجماهيرهم بعيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي والمجد لشهدائه الأبرار
لابد من الوقوف قليلا وعلى عجالة أمام قوافل الشهداء من اصدقاء وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي واستذكار بطولاتهم وتضحياتهم. الحقيقة الشهداء كُثر من الذين نذروا أنفسهم من أجل المبادىء السامية للشيوعية وجميعهم يستحقون وقفات طويلة لكن مراعاة لوقت القراء نختصر .. كانت المبادىء الشيوعية تآسر الشباب وتدفعهم لأعتناقها، لأنها تؤمن بالعدالة الأجتماعية، والأشتراكية ، والغاء الطبقات ، وترفض الهيمنة والأستغلال وتؤكد على تآخي الشعوب وتحرر الناس من العصبية والأنانية والأضطهاد هذه الأسباب جديرة وتستحق التضحية من أجلها وكانت في العراق تعتبر أفكار دائدة لذلك وجدت قبول كبير آبان الخمسينات والستينات وبداية السبعينات لذلك كنا جزء من الذين يؤمنون بهذه الأفكار واعتقانا بداية الثمانينات . هنا يجب أن أُعرج على طبيعة الأحتفالات التي كنا نقيمها في السجون يوم كنا في قسم الأحكام الخاصة والسجن الأنفرادي في سجن ابي غريب عام ١٩٨٤ كان الشيوعيون العراقيون يتعرضون الى القهر والتعذيب بمناسبة أو بدون مناسبة من قبل جلادة السجن الأمنيين ، وكان يشاركني زنزانة (الأستقبال ) زنزانة تربط الممر المؤدي لقسم المخابرات من جهة وأقسام سجن الأمن من الجهة الآخرى يتذكرها كل من مر بذلك المكان لان المكان التالي للسجين أما يكون - القاف - قسم مغلق وأما الأنفرادي وكان قدري أن أقضي بالأنفرادي سنتين أو حولين كاملين ، بعدها جئت لأقسام السجن العادية . الرفيق المناضل سعيد عبدالله كريدي - أبو مناضل ـ والشهيد خليل ماشالله محمد علي (استشهد) على يد نظام البعث بعد محاولته الألتحاق (بالأنصار ) أعدمه نظام صدام . والشهيد حسن ناصر زبون ( استشهد في أحد انفجارات قوى الظلام بعد سقوط الطاغية) عام ٢٠٠٦ ومحمد شهيد ـ أبو شوكت- المناضل والثائر الذي لديه خبرة كبيرة في التنظيمات الفلاحية للحزب ، وعلي كزار ابو آيار النقابي المعروف .. كذلك يشاركنا بعض السجناء اللذين وصلوا جديدا الى السجن لكن لايعرفون قصة ٣١ آذار معظمهم مرتبك وقلق من آثار التعذيب ومشاهد جلسة المحكمة محكمة الثورة السيئة الصيت . تم استدعائنا قبل يوم الى دائرة الأمن بحجة المراجعة لكن كانت مألوفة المراجعات الليلة وغرضها. يبدو الجلاوزة يريدون تمرين تعذيب على السجناء لأختبار جاهزيتهم وكان على رأسهم المدعو (غالب الدوري) كان قاسيا وحاقدا وجلادا من الطراز الأول خاله عزت الدوري اللعنة عليهم أجمعين .كانوا يستمتعون بتعذيب الشيوعيين فقط لاغير إلا ما ندر يستدعون الآخرين .وبعد حفلة تعذيب من قبل الجلادين وكان أقساهم في (الحفلة) أحدهم المدعو (مفوض حسين) وزبانيته الخمسة كنت أنا وسعيد من حصتهم .. بعد أن يئس من كل ما طلبه منا جلبونا الى الزنانة أوصلونا سحلا .. وكنت اشفق على سعيد حيث كان ضعيف البنية ورقيق الهيئة لكنه صمد صمودا بطوليا لايليق إلا بالثوريين الحقيقيين ،حاولت ان اساعده كون جسمي انشط وأقوى لكن الجلاد نهرني بالضرب في الكيبل .. رغم كل جراحي ونزفي وسوط الجلادعلى ظهري لم امتنع لصد الضربات عن جسد سعيد .. وجدنا رفاقنا الأخرين في المكان تعاطفوا معنا قاموا بمحاولة تضميد الجروح التي تنزف وفروا لنا بطانية سوداء لتحمي اجسادنا .. خلدنا الى النوم رغم كل الألم والوجع والتعب ... كان يوم ٣٠ آذار الساعة الثامنة ليلا من عام ١٩٨٤ ...كان شغلنا الشاغل كيف نرتب برنامج الأحتفال وبأي طريقة مناسبة ؟ تفتق عقل ابو مناضل سعيد بتكليف السجين علي عريان الذي خطط وشارك بعملية هروب د. حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي حاليا في الحكومة العراقية مع شخصين آخرين .. بأن يجلب لنا شمعة ولو صغيرة ... بعد أقل من ساعة جاءت الشمعة انتظرنا الى اليوم الثاني وفي ساعة البدء بالأحتفال أوقد الشمعة ابو مناضل في أحد اقسام النافذة الكونكريتية وضعها في القسم العلوي من النافذه .. ما أجمل مشهدها! وبدأنا المصافحة والعناق الحار والقبل نبارك بعضنا البعض بالعمر المديد للحزب . شرعنا الأحتفال بالحديث عن استذكار تضحيات وبطولات الشيوعيين من شهداء الحزب، ثم مررنا على الوضع العام السياسي وانتقلنا الى المهم هو استعراض تأريخ الحركة الشيوعية العالمية وأحزابها والتجارب التي مرت بها وكانت حصة أحزاب أمريكا اللأتينية لها حضور . ثم بدأ الشهيد حسن ناصر الذي كان يمتلك ذاكرة فولاذية ويتذكر تفاصيل الأحداث سواء كانت في رواية قد قرأها أو مسرحية شاهدها ، أو فلم تابعه .. كان مهووسا بالأدب والثقافة وتحدث عن رواية - الأقدام العارية - لعبد الحكيم قاسم الذي كان يساريا كتبها في سجن الواحات والقناطر المصرية ، وتم تهريبها للطباعة يتذكر كل أحداثها. أما الرفيق الرائع علي كزار عبارة عن تأريخ وأرشيف الحركة العمالية العراقية شارك تقريبا بمعظم التظاهرات العمالية في بغداد من عام ١٩٦٠ الى ١٩٧٩ . أما الشهيد خليل ماشالله كان محبا للعلم ويحفط شعر مظفر النواب وسميح القاسم حصرا. الشاعر المناضل مظفر النواب أبا عادل ندعو لك بالصحة والعافية .. أخبرته بهذه القصة أواسط التسعينات في دمشق ! أما آنا كنت احفظ بعض القصائد الشعرية من الشعر الشعبي لكاظم اسماعيل كاطع، وعريان السيد خلف القيتها بشكل معبر . أما سعيد كونه قريبا مني جدا طلبت منه أن يتحدث عن انقسامات الشيوعيين وانشقاقاتهم كجزء من التأريخ تراجع وانا اعرف لديه الكثير بهذا الشأن ، حاول أن يمر مرور الكرام وبشكل عابر آمام حدثين خشية ان يتعكر جو الأحتفالية .جاء تنا بعض الحلوى من بقايا المواجهات شاركنا من معنا من السجناء الأخرين . كم كانت الأحتفالات جميلة ومعبرة في السجون رغم تواضعها وشحة أدواتها ووسائلها . في الختام ...
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي ، والحركة الوطنية العراقية..
هلسنكي جمهورية فنلندا ٣٠/٣/٢٠١٥