- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 21 نيسان/أبريل 2015 15:04

نزوح أكثر من 90 ألف مواطن من الأنبار إلى المحافظات الأخرى ومنها العاصمة بغداد يعتبر أزمة تضاف إلى الأزمات الأخرى التي يعاني منها العراق دون إيجاد حلول ولو مؤقتة لها، والذي يثير الإستغراب تدفق هذا العدد الهائل من العوائل في وقت واحد ونزوحها في قوافل متتابعة تاركين بيوتهم ومناطقهم وكأن هناك حقيقة بشعة تختبىء خلف الأمر الغريب، ومن خلال مقاطع الفيديو التي نشرت على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي أو من خلال القنوات الفضائية شاهدنا الآف من الشباب القادرين على حمل السلاح ومجابهة العدو لو شحذوا هممهم واعتزموا على محاربته ، ولكن وللأسف الشديد رأينا تدفق الشباب قبل تدفق الشيوخ والنساء والأطفال وتكدسهم في نقاط السيطرة الأمر الذي جعلنا نقول وبألم شديد : يا شباب الأنبار بدلاً من ترك بيوتكم ومدنكم كان الأجدر بكم ملازمتها وحمايتها ولا بأس بنزوح عوائلكم وشيوخكم المتقدمين في السن ونسائكم وأطفالكم فهذا أمر لابدّ منه لأن هذه الفئات لا حول لها ولا قوة ، ولكن أنتم يا شباب يا من عرفنا عنكم بأنكم شجعان وأصحاب غيرة وكنتم من أوائل المقاومين للإحتلال الأمريكي نزوحكم بهذا الشكل يعتبر مثلبة يسجلها التاريخ عنكم ، فما الذي حدث لكم لتظهروا بهذا المنظر الذي أثار الألم في نفوسنا وغيّر إنطباعنا عنكم ، فإن كنتم غير قادرين على حماية بيوتكم فكيف لكم أن تحموا وطناً يأويكم ؟ ، والمصيبة الكبرى عندما سألنا من هم لا يزالون مرابضين في الأنبار من أهلها المقاومين حيث أكدوا بأن الأمر لم يكن بالخطورة التي تجعل الجميع ينزح في وقت واحد، ولكن هناك جهة معينة طلبت منهم إخلاء المناطق بحجة أن الدواعش سيهاجموهم بقذائف كيمياوية ، وقام بعض المساجد التابعة لهذه الجهة في المناطق النازحة بترهيب المواطنين والطلب منهم ترك كل شيء لينجوا بأرواحهم علماً أن النزوح بدأ من الرمادي مركز المحافظة ، ومناطق النسّاف والصدّيقية والمضيق التابعة لقضاء الحبانية ، وهذه المناطق بعيدة عن تمركز الدواعش حيث يفصل بينها وبين الأخير نهر الفرات في حين يكون التمركز الأكبر للتنظيم الأرهابي مقابل ناحية الخالدية المجاورة لقاعدة الحبانية التي تعد أكبر قاعدة جوية عراقية ، وموقعها هذا جعلها في مواجهة مستمرة لمحاولات داعش لإحتلالها ولكن تماسك أهلها وشجاعتهم ومقاومتهم الباسلة جعلت هذه الناحية عصية على داعش لإختراقها وصولاً الى قاعدة الحبانية ، ولم يبرح أهل الخالدية أماكنهم لينزحوا ولو شبراً واحداً بعيداً عن بيوتهم ومدينتهم ( لله درهم من أبطال شجعان ) وقد فتحوا بيوتهم للنازحين الذين مروا عبرهم وصولاً إلى الفلوجة والبزيبز ثم إلى بغداد ولكن الكثير منهم رفض البقاء في الخالدية ربماً خوفاً أو لسبب يعلمه النازحون أنفسهم .
في مقطع فيديو نشره عدد من مستخدمي الفيس بوك يظهر فيه أحد شيوخ ما بعد الإحتلال محاطاً بحمايته وأمام جمهرة من أبناء العشيرة التي هو يترأسها صرخ أحدهم في وجهه متسائلاً : يا شيخنا ليش مخليتو الحشد الشعبي يدخل من الأول ؟ . فكان جواب الشيخ الذي أبدى إنزعاجا واضحاً بأن : " اللي انتخبتوهم هُمَّه اللي مقبلوا الحشد الشعبي يدخل " . وأضاف صارخاً في وجه أبناء العشيرة : ( كلمتين گالولوكم ياها البعثيين عفتو بيوتكم وطلعتو ؟ هاي اللي ردتوها ؟ لا حكومة اتريدكم، لا مرجعية تساعدكم ، ولا محافظات تستقبلكم ، روحوا شوفولكم چارة ). تباً لك من شيخٍ أفَّاق ويا لمهزلة شيوخ العشائر الأنبارية المتخاذلين منهم ولا أقصد جميعهم ! ... وسؤالي إلى متى سيستمر اللعب على عقول المواطنين العراقيين كائناً من كان ؟ ...إلى متى سيظلون يدفعون هذا البلد وأهله إلى التهلكة كل من الشيخ الفلاني والمسؤول الفلاني والسياسي الفلاني ... إلى متى ؟ . متى ستنهض العقول بوعيها لتدرك المخاطر التي تواجهها لدرءها جميعها ؟...متى تنفض الهِمَّة الغبار عن نفسها معلنة رفضها للرضوخ والخضوع لإرادات خائنة وعميلة تلعب بعقول المواطنين ومقدراتهم ولا يهمها سوى مصالحها المادية والشخصية ؟ .. وكلمة متى التي كررتها كثيراً في مقالي هذا ذكرتني بالقراءة الخلدونية التي توارثناها جيلاً بعد جيل حتى أصبحت موروثاً تعليمياً كان لابدّ للجميع تعلمها ، تلك القراءة التي تعلمنا من خلالها أبجدية الحروف العربية وكيفية تهجي كلماتها حيث تذكرت تحديداً الجملة الإستفهامية الأزلية ( إلى متى يبقى البعير على التلِ ؟ ) وهذا السؤال لم نجد له جواباً وظل البعير على التل ما يقارب أربعة عقود أو أكثر حتى جاء العدو الأمريكي لينزله قسراً من على التل المقدس وينهي بنزول البعير حياة القراءة الخلدونية لساطع الحصري ( أبن خلدون ).. وهكذا أصبح حالنا جميعا كحال ذاك البعير المسكين في الجملة الإستفهامية وأسئلتنا ظلت بلا أجوبة . وأعود ثانية إلى إلسؤال... أين هم شيوخ العشائر من هذا النزوح الجماعي ؟ لماذا تخلوا عن أبنائهم ؟ ... أين ممثلو محافظة الأنبار في مجلس النواب ؟ وأين نائب رئيس الوزراء الذي هو من أبناء هذه المحافظة المنكوبة ؟ لماذا لا نلمس منهم موقفاً حقيقياً يضمن الحلول الفاعلة لهذه الأزمة ؟ اسئلة كثيرة لا أجوبة عليها في أزمة غامضة لا يعرف تفاصيلها إلا من أفتعلها ودفع بهذا العدد الهائل للغرق في أعماق مأساة إنسانية .
ضمن الإجراءات الأمنية التي إتخذتها الأجهزة الأمنية في بغداد لدخول النازحين إليها شرط وجود الكفيل، وهذا الإجراء يعد صائباً ضمن معايير المنطق السليم لحماية العاصمة وساكنيها، ولكن سرعان ما لاحظنا الأفواه النافخة للأبواق المغرضة تعلن سخطها وإستنكارها لهذا الإجراء الأمني ، وهنا أود أن أسأل هؤلاء النافخين للأبواق .. هل ستضمنون أنتم عدم دخول الدواعش مع النازحين إلى العاصمة من خلال دسهم بين الجموع البريئة ليخلقوا فوضى عارمة ويحولوا بغداد الجريحة إلى أنبار ثانية ؟ ، فما بال عقولكم في الجهل واللاوعي تسرح وتمرح ؟.. ولا خاب من قال : حدِّث العاقل بما لا يعقل فإن صدَّقك فلا عقل له، وهذا هو حالكم يا من اعترضتم على الإجراءات الأمنية دون تفكير أو تدبير، فحاولوا قليلاً أن ترتقوا بعقولكم إلى مستوى استيعاب أن بغداد هي عاصمة العراق ودخول الدواعش المندسين إليها واحتلالها ( لا قدَّر الله ) يعني نزوح البغداديين وإعلان سقوط العراق بيد الإرهابيين وهذا ما لا نتمناه جميعاً . أبناء الأنبار هم ابناؤنا وأهل الأنبار هم أهلنا وقلوبنا مفتوحة لهم قبل بيوتنا ونقول لهم : يا ضيفنـا لو زرتنـا لوجـدتنا .... نحـن الضيـوف وأنت رب المنـزل ، وندري بأنكم في محنة تعيسة وقاسية ولكننا نرجوا منكم الصبر على الإجراءات الأمنية فهي لصالحكم ولصالحنا ، ولحمايتكم وحمايتنا ، فأنتم تدخلون العاصمة وعليكم أن تعرفوا جيداً ماذا تعني العاصمة للعراق بأكمله ، فشوارع بغداد لا تزال تغتسل يومياً بدماء ضحايا التفجيرات الإرهابية فلا نريد أن تزداد نزفاً وهدراً للدماء الزكية وعلينا جميعاً السعي لحمايتها وأهلها ، وقد سمعنا بأنه تم إلغاء شرط الكفيل ولا ندري إن كان الخبر صحيحاً أم لا وندعوا الله أن يكون كذلك ويلغى الشرط ليسهل أمر دخولكم جميعاً كما ندعوه أن تنتهي هذه الأزمة بسلام ... ( اللهم احفظ العراق والعراقيين جميعا ) .