المنبرالحر

تسريحة ! / قيس قاسم العجرش

طفل في بيتي له خمسة أعوام، أصرّ على أن يقصّ له الحلاّق شعره مثل قصّة شعر نجم الكرة «بنزيما!»، وحين حاول الجميع قمعه تطوّعت للوقوف معه من أجل تشجيعه على أن يمارس نوعاً من الحرية الشخصية وفي النهاية هي مجرّد قصة شعر سرعان ما تختفي من واجهة الرغبة.
في الحقيقة لم اعرف لحظتها أنها قصّة بشعة فنطازية تتضمن حلق نصف الرأس بينما يبقى باقي شعر فروة الرأس منتصباً..والسبب أنني لا أعرف بنزيما نفسه، ولو حدث أن رأيته لما عرفته.
لكني في النهاية تقبّلت الموضوع بنوع من المُكابرة والتمسّك بدعم حق هذا الطفل الذكي في أن يختار لنفسه ما هو شائع، لأن اللياقة والرواج و»العيب» والمقبولية حين تدخل عالم المُودة فهي ستدخلها من باب النسبية حصراً.
ما أراه مقبولاً قد يراه جيل آخر مضحكاً للغاية، بالضبط مثلما كنّا نرى ونحن طلاب في الإعدادية أن سُترة أحد الأساتذة هي سُترة»تاريخية» لا علاقة لها بالعصر الحاضر، في حين كان يتمسّك هو بها ويحرص على ارتدائها نظيفة مكوية.
قلت في نفسي: حان الوقت لنطبق مفاهيمنا» الديمقراطية!»عن حركة الزمان والمكان وربما هذه فرصة أن نقبل بها داخل منازلنا أصلاً، بدلاً من الإكتفاء بالكتابة عنها وتصديع رؤوس الناس بها على صفحات الجرائد.
أما الشاب الذي أثق به ليستبدل لي قناني الغاز فكانت تسريحته أكثر من صادمة بالنسبة لي. ورغم أنه غاية في الأدب واللياقة في التعامل إلا أن الهيجان الذي يبدو عليه رأسه وتسريحة شعره تدفعان الى عدم الثقة به ظاهرياً. حين سألته، هل يصادفك كثيراً من ينصحك بأن تسريحة شعرك غير مقبولة؟... أجاب: نعم الكثير...وأكتفي بالإبتسام بوجوههم رغم أنهم يُمعنون في تجريحي بعض الأحيان بسبب قصّة شعري.
«أنا لا أهتم... فكل واحد حرّ بشعره!». هكذا ختم هذا الشاب رأيه حين حاولت جرجرته كلامياً كي أعرف ردود فعل المحيطين به.
القِصة متكررة في كل الأزمان، لكنها تبقى وسيلة للتعبير عن الذات، يتفهمها البعض ويرفضها البعض ويتعايش معها على مضض البعض الآخر.
وحتى لا تكون هذه المظهريات هي الأصل في التعبير عن الذات، تؤسس المجتمعات وسائل تعبيرية واسعة للشباب، مثل النوادي والنشاطات الرياضية والفنية والموسيقية، والسينما والمسرح و مقاهي الألعاب الشعبية وكل انواع التنافس المقبول والإختلاط الطبيعي.
حين تضيق الحياة على الشباب في ريعان نشوتهم بالبهجة، فإنهم حتماً سيعاقرون البؤس في كهولتهم..هنا مكمن الخطر.