المنبرالحر

مؤثرات التشدد اﻷسلامي على الشخصية العراقية والعربية ( القسم الأول) / د. علي الخالدي

ينحصر فرح العائلة في المجتمعات اﻹسلامية ، عند ولادة الطفل وتراقب نموه الجسمي والفكري بإهتمام بالغ ، ثم يبدأ هذا اﻷهتمام بالتناقص حتى يهمل كليا عند المراهقة ، لعدة عوامل ( على رأسها صار رجلا )، بينما تبقى البنت غير مُرحب بولادتها ، وتخضع طفولتها لتعاليم ولتقاليد إجتماعية ومذهبية مبالغ فيها ، لا تأخذ بالحسبان بأن المرأة ، تشكل نصف المجتمع ، ومربية لنصفه الثاني ، ومع هذا يقال بأنها عورة في بعض المجتمعات ، حتى أنها تُحرم من التعليم ، أو مواصلته ، في صمت مطبق من المعنيين في سلطة الأحزاب اﻷسلامية الحاكمة ، ما يعني موافقتهم على ما يفرض عليها ، من إطاعة ولي أمرها ، حتى لو كان ذلك يخدش مشاعرها ويهضم حقوقها اﻷنسانية ، بما في ذلك اﻹتجار بها . هذا ما نجده في بعض العوائل اﻷسلامية في المهجر أيضا ، بالرغم من كون أغلب أفراد العائلة من المتعلمين ، لكن هذا لا يلغي جنوحهم ، الى التمسك بما حملوه معهم ، من عادات وتقاليد لا تتعايش والواقع الجديد في الغربة ، بل يزداد تشددهم في تطبيقها ، أعتقادا منهم أن ذلك سيقيهم خشية وقوع أبنائهم ( وخاصة البنت ) في مغريات الوضع الجديد ، من هنا تبداء المعركة بين الجديد والقديم ، وتنتهي دائما بتمزيق العائلة ، واﻹنفصال بين الزوجين ، وتكون الضحية اﻷطفال ، وخاصة بين المتزوجين من جنسييتن مختلفتين ، فيجنح المطلق أو المطلقة الى التقوقع و اﻷنطوائية ، مبتعدا عن ما يقربه ، من اﻷتصال باﻷطفال حتى لا يدفع ضريبة رعاية الطفولة ، وتبقى اﻷم أو اﻷب حاملي همومهم لحد سن البلوغ ، حيث تتشكل معطيات تخرجهم الى مساحات أوسع من الجو العائلي ، بما تضمنه لهم قوانين رعاية الطفولة من إستقلال إقتصادي ، ( كان اﻷباء يستولون عليه ) ، ويصبحون مستقلين من وجهة نظر القانون .
في الغربة تمارس أغلب العوائل العراقية ثقافتها في عدم تقبل ثقافة الوطن الجديد، يساعد في ذلك تقارب تواجدهم في ما يشبة بالكانتيونات ، حيث أن أغلب دول أوروبا الغربية ، تحصر اﻷجانب في منطقة واحدة لتبعدهم من اﻷختلاط ، و اﻹحتكاك بمواطنيها ، ليبقوا عائمين في صراع التناقضات بين الجديد والقديم ، مما يفتح شهية التنافس بين أ حزاب اﻷسلام السياسي والسلفية ﻷستقطابهم في خدمة أجنداتها، وبذلك تتصاعد مخاوف السكان اﻷصليين المشروعة ، من فوبيا اﻷسلام بين أوساطهم ، خاصة عندما يسمعوا أن البعض منهم نفذ عملية إرهابية هنا أو هناك .
الوضع يختلف الى حد ما في دول أوروبا الشرقية، حيث أغلب حالات الزواج تمت في النظام اﻷشتراكي ، وبعد إنهيار النظام وسيطرة مشوهي اﻷشتراكية عليه ، رُفع الضمان اﻷجتماعي ، ( يطبق بعد عبور الشخص الخامسة والستين من العمر ) ، مما أضطر البعض منهم الى اللجوء لمختلف اﻷعمال بما فيها غير المشروعة قانونيا . فارضا ضعف التواصل مع أبناء جلدتهم ، وإن وجد ، فهو يفتقد الى الحميمة والتآلف الذي كان متواجدا بينهم في مرحلة ما قبل إنهيار اﻷشتراكية ، وهنا لا يُنكر تواجد علاقات إجتماعية حميمة ، وصداقات وطيدة بين العوائل العراقية التي تمارس العمل في إختصاصاتها العلمية أو اﻷكاديمية.
لقد سيست اﻷحزاب اﻷسلامية الدين والتدين ، بدءا بنشر مفاهيمها عبر وسائل اﻷعلام بعد إحتكارها له ، وإنتهاءا بوضع دساتير على مقاسات أفكارها ، لا تـأخذ بنظر اﻷعتبار تواجد أديان ومذاهب أخرى في مجتمعاتها فحسب ، وإنما تستعلي عليها وعلى قوى القوى الوطنية ، و تفرض عليهم اﻷلتزام بها ، وتستمر في عدم اﻷذعان الى تحذيرات المرجعيات الدينية ، من أن التمادي والتشدد في تطبيق إجراءات التدين ، بحجة الحرص على الشريعة والقيم المذهبية سيؤدي بالضرورة الى تشويه الدين وبالتالي هدم نسيج المجتمع ، و تشويه معالم التمدن والتحضر الذي بُني من قبل أجيال سابقة. ،

إن التطبيق التعسفي والقسري الذي يتخذ طابع اﻹرهاب ، ، والدعوة الى الحفاظ على المذهب والشريعة يتعزز باﻷنتماء الى اﻷحزاب الطائفية ، أو اﻹنخراط في ميليشياتها ، أو التفرغ ليكون داعيه دينية ، في أوساط الجماهبر ، هو من يقف وراء هجرة معتنقي اﻷديان والمذاهب اﻷخرى ، ويدفع البعض الى التظاهر بالورع الديني ، والتسابق في اﻹنخراط في اﻷحزاب اﻷسلامية بإعتبارها تشكل بنفس الوقت مصدر رزق ، في أجواء تفشي البطالة وأنحصار التنمية واﻷصلاح . خالقا تناقضات داخلية تقف وراء تشويه التعاليم الدينية ، و أجواء يستعر فيها عدم اﻷستقرار ، معطلا عملية التنمية واﻹصلاح ، وتلبية المصالح الوطنية، باﻹضافة الى إختفاء صفة التسامح و عدم مراعات أحاسيس ومشاعر الطرف الآخر وخصوصياته ، مما يصعد الشحن والتجييش الطائفي.
ومع غياب برامج تفريغ الحقد بين المذاهب في سياسة اﻷحزاب اﻷسلامية ، وخطط إرواءها بروح وطنية مجتمعية ، يستمر اﻷصرار على أن المصالح الوطنية تتحقق عبر بوابات اﻷسلام السياسي ، ومع تجاهل الطفرة النوعية التي أحدثها عصر اﻷنترنت والفضائيات ، و ما أحدثاه من سرعة في تحديث المعلومة ، وتعميق الوعي الفكري والحضاري للناس ، ينكسر جدار الخوف من القوانين الجديدة التي تفرض على الناس بصيغ المحافظة على الدين ، تهب الجماهير فتواصل تحركها من أجل تطبيق العدالة اﻷجتماعية ، وبناء الدولة المدنية وإشاعة الروح الوطنية ، في مجتمع مدني يعاصر ما يجري من تحديث في الفكر اﻷنساني.