- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 10 أيار 2015 20:15
نشر الأستاذ حامد الحمداني مقالاً في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 24 نيسان 2015 تحت عنوان " من ذاكرة التاريخ: البعثيون والشيوعيون والجبهة الوطنية"
لقد استعرض الكاتب طبيعة العلاقة بين الشيوعيين والبعثيين منذُ أن عاد البعثيون إلى الحكم عن طريق انقلاب 17ـ 30 تموز 1968 وحتى انهيار "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية". إن استعراض الأستاذ الحمداني تضمن الكثير من المعلومات الصحيحة، ولكن المقال احتوى أيضا، بعض النواقص والأخطاء المهمة التي لم تنصف الحزب الشيوعي العراق، حيث أظهرت الحزب وقيادته بمظهر الضعيف والمستسلم والمهزوم، وتوحي نهايات المقال وكأنما الحزب الشيوعي العراقي انتهى بنهاية تلك المرحلة. وهذا هو الانطباع الذي يخرج به قارئ المقال. وبالتالي لم ينصف الكاتب حامد الحمداني التاريخ، إن لم نقل شوّهه! وهذا ما نأسف له أشد الأسف، لأننا لم نكن نتوقع ذلك من كاتب نجّله ونحترمه ونحسبه ملماً بتاريخ العراق المعاصر، بما في ذلك تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. (مقال الحمداني مرفق)
قبل التطرق إلى نواقص وأخطاء المقال، لابد من الإشارة إلى أننا عندما نتناول مواقف الحزب الشيوعي وخلفياته في ذلك العهد أو أي عهد آخر، لا نقصد تبريرها، وإنما نعرض واقع الحال كما هو آنذاك إنصافاً للتاريخ. وللحزب تقييمه لتلك الفترة، التي يتناولها الأستاذ الحمداني، والذي أقر في مؤتمره الرابع المنعقد في عام 1985، بعد مناقشة مسودته في منظمات الحزب ونشر التقييم في وثيقة تحت عنوان "تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968-1979" والذي ينتقد الحزب فيه أخطاءه في ذلك العهد.
وسأجمل ملاحظاتي في عدد من الأمور التي تؤكد رأيي في مقال الحمداني:
أولاً- يذكر الكاتب الحمداني في مقاله، بعد التطرق إلى الضربة التي وجهت إلى القيادة المركزية في شباط عام 1969 ما يلي: " إلا أن تلك الضربة كان تأثيرها ما يزال يفعل فعله، حيث فقد الحزب العديد من أعضائه إما قتلاً أو سجناً أو اعتكافاً عن مزاولة أي نشاط سياسي بسبب فقدان الثقة التي سببتها اعترافات عزيز الحاج و بيتر يوسف وحميد خضر الصافي وكاظم رضا الصفار أعضاء القيادة .
أما الحزب الشيوعي [ اللجنة المركزية ] فقد ألتزم جانب السكوت عما جرى، وتمسك بالهدنة المعلنة مع حكومة البعث ثم بادر الطرفان البعث والشيوعي بالتقارب شيئاً فشيئاً بعد أن أقدمت حكومة البعث على جملة من القرارات والإجراءات التي أعتبرها الحزب الشيوعي مشجعة على هذا التقارب، وبالتالي التعاون والسعي لإقامة جبهة وطنية فيما بعد". انتهى الاقتباس.
ليس من الصحيح القول بأن الحزب الشيوعي العراقي "ألتزم جانب السكوت عما جرى"، فقد أدان الحزب القمع الوحشي الذي تعرضت له المنظمة المنشقة وطالب بإطلاق سراح المعتقلين. ويشير إلى ذلك د. رحيم عجينة في مذكراته على الوجه التالي:
"تعرض المنشقون على الحزب (القيادة المركزية) لحملة اعتقالات واسعة ورافقتها انهيارات مهينة وظهور على شاشة التلفزيون. وعندما سمعنا باعتقال عزيز الحاج بادرنا إلى بحث الموضوع في لجنة العلاقات (وكانت تضم اللجنة آنذاك عامر عبد الله ومكرم الطالباني ومهدي الحافظ وماجد عبد الرضا، ويشرف عليها مباشرة عزيز محمد. ج) وقررنا أن نلتقي بالبعثيين ونطلب منهم الحفاظ على حياته، بالرغم مما سببه للحزب من أضرار جسيمة، لأننا توقعنا إعدامه بسبب تبني المنشقين الكفاح المسلح ضد البعثيين.
من أجل ذلك قابل بعضنا عبد الله سلوم السامرائي وآخرون عبد الخالق السامرائي وقدمنا طلبنا لهم. لكن الذين قابلوا عبد الله سلوم حصلوا على تأكيد أن حياة عزيز الحاج لن تمس لأنه بعد إلقاء القبض عليه مباشرة طلب اللقاء مع المسؤولين في القيادة البعثية!!
وعليّ أن أذكر أننا شجبنا الحملة الإرهابية الشرسة التي تعرضت لها هذه المجموعة وطالبنا بوقفها وإطلاق سراحهم وأدّنا بقوة ما تعرضوا له من تعذيب وقتل تحت التعذيب واستشهاد عدد منهم استشهاداً بطولياً". انتهى الاقتباس. [1]
فهل أنصف الحمداني التاريخ بادعائه بأن الحزب "ألتزم جانب السكوت عما جرى"؟!
ثانياً- ولتبشيع "سكوت" الحزب على القمع الوحشي، الذي تعرض له شيوعيون منشقون عنه، فإن الكاتب الحمداني يقفز على الأحداث ويشير إلى تطور علاقة الحزبين الشيوعي والبعث والسعي لإقامة جبهة وطنية. وسنتناول ما قفز عليه الكاتب وأسباب ذلك لاحقاً.
يذكر الكاتب الحمداني في مقاله ما يلي:
"وفي العاشر من تموز( يذكر الكاتب اليوم ولم يذكر العام، وهو 1970، وسيظهر لنا بأن ذلك لم يكن سهواً، وإنما له علاقة بالقفزة إياها.ج) تقدم حزب البعث بشروطه للحزب الشيوعي لقيام جبهة بينهما ، طالباً من الحزب قبولها والإقرار بها كشرط لقيام الجبهة، وكان أهم ما ورد في تلك الشروط
1ـ اعتراف الحزب الشيوعي بحزب البعث كحزب ثوري وحدوي اشتراكي ديمقراطي.
2 ـ وجوب تقييم انقلاب 17 ـ 30 تموز كثورة وطنية تقدمية.
3ـ وجوب إقرار الحزب الشيوعي بالدور القيادي لحزب البعث سواء في الحكم أو قيادة المنظمات المهنية والجماهيرية.
4 ـ وجوب عدم قيام الحزب الشيوعي بأي نشاط داخل الجيش والقوات المسلحة.
5ـ العمل على قيام تعاون بين الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية وحزب البعث.
6ـ القبول بالوحدة العربية كهدف أسمى، ورفض الكيان الإسرائيلي، وتبني الكفاح المسلح لتحرير فلسطين.
ورغم أن شروط البعث كانت غير مقبولة من جانب قواعد الحزب الشيوعي، إلا أن الحزب أستأنف حواره مع حزب البعث من جديد، وما لبث الرئيس أحمد حسن البكر أن أعلن في 15 تشرين الثاني 1971 عن برنامج للعمل الوطني عارضاً على الحزب الشيوعي، والحزب الديمقراطي الكردستاني القبول به لإقامة جبهة وطنية بين الأطراف الثلاث". انتهى الاقتباس.
إن الشروط المذكورة طرحت على جميع الأحزاب والقوى الوطنية، ولم تقتصر على الحزب الشيوعي العراقي، ونشرت في جريدة الثورة في 10 تموز 1970، ومن غير الصحيح الإيحاء بأن الشروط كانت مقبولة من قبل قيادة الحزب الشيوعي، عندما يذكر الأستاذ الحمداني : "ورغم أن شروط البعث كانت غير مقبولة من جانب قواعد الحزب الشيوعي، إلا أن الحزب أستأنف حواره مع حزب البعث من جديد..."
لقد رفض الحزب الشيوعي العراقي شروط البعث و فنّد في جريدته "طريق الشعب" في عددها الصادر في الأول من آب 1970 الأسس التي بني عليها حزب البعث شروطه، وسماها "شروط البعث التعجيزية للجبهة"، وقال: "إننا لا نتجنى على الحقيقة والواقع إذا قلنا: إن الشروط التي يطرحها البعث كأساس لإقامة الجبهة لا يمكن أن تحظى بتأييد الحزب أو منظمة وطنية في العراق بما فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتحالف مع البعث على أساس اتفاقية 11 آذار 1970". وعاد الحزب الشيوعي وكرر في رده الطويل الذي شغل عدداً كاملاً من جريدته، ما كان يؤكد عليه دوماً وهو إن "أي حزب من الأحزاب السياسية المتحالفة غير مطالب بالتخلي عن أيديولوجيته وبرامجه الإستراتيجية (...) إن الاستقلال الفكري والتنظيمي والسياسي، وحتى النشاط العملي والأيديولوجي المستقل لجميع الأحزاب والقوى السياسية المتحالفة هو مبدأ يجب مراعاته في أي تحالف يراد له الحد الأدنى والضروري من الدوام والتماسك" وأختتم الحزب مناقشته بالمطالبة بإلغاء تلك الشروط. [2]
وظهر أن كاتب المقال هو عبد الرزاق الصافي، فهو يذكر في مذكراته ما يلي: "في اجتماع ساحة الكشافة طرح البعث الحاكم عشرة شروط لإقامة الجبهة وشرطاً آخر من غير رقم. وعكست الشروط التي طرحها رغبته الواضحة في الهيمنة على الجبهة سياسياً وتنظيمياً وفكرياً. وكانت هذه الشروط موضع مناقشة وتفنيد في مقال كتبته في "طريق الشعب". [3]
وأكد المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي المنعقد في أيلول 1970 رفض شروط البعث بنص صريح وهو: "... رفض المؤتمر شروط "البعث" لقيام الجبهة، وهذه الشروط تقتضي بالجوهر بأن تسلم جميع الأحزاب السياسية بقيادة البعث لها ولسلطة الدولة والمنظمات الاجتماعية، وأن تقبل برنامج حزب البعث وأيديولوجيته دونما حاجة لبرنامج مشترك يتضمن نقاط الالتقاء وتجنب نقاط الخلاف، على أن يسمح البعث لقاء قبول الأحزاب الوطنية بهذا، بإصدار جريدة والمشاركة الشكلية في الحكم". [4]
ثالثاً- وليثبت الأستاذ الحمداني إيحاءه بأن الشروط كانت مقبولة من قبل قيادة الحزب، فإنه يربط إعلان شروط البعث في 10 تموز 1970 تعسفياً بحدث وقع بعد سنة وأربعة أشهر، عندما طرح البعث مسودة ميثاق العمل الوطني في 15 تشرين الثاني 1971 حيث يذكر: " وما لبث الرئيس أحمد حسن البكر أن أعلن في 15 تشرين الثاني 1971 عن برنامج للعمل الوطني...الخ. ولكي يبرر قوله "وما لبث" فانه لم يذكر العام الذي طرحت فيه شروط البعث،كما مر بنا، وليقفز على المرحلة التي سبق وأن أشرنا إليها، والتي حصل ما حصل فيها بما في ذلك القطيعة بين الحزب الشيوعي والبعث. فيذكر ممثل الحزب الشيوعي مع البعث د. رحيم عجينة: "أوقف الحزب كل حوار مع قيادة البعث احتجاجاً على هذه الحملة الإرهابية وأبلغناهم أن لكل حزب طريقه. وانشغلنا في (طريق الشعب) بإدانة الإرهاب والمطالبة بوقفه وتكريس أغلب صفحاتها لتعريته، وشددنا من الحملة العالمية لفضح الإرهاب وطالبنا بإدانته وإعلان التضامن مع الحزب ونضاله في سبيل الديمقراطية"[5]
وهذه المرحلة التي تجاهلها الكاتب الحمداني والتي تعرض فيها الحزب الشيوعي العراقي إلى حملة إرهابية شرسة، سببها الأساسي رفض الحزب لشروط البعث في التحالف قبل إعلانها وبعده.
لقد أعتقل وعُذب في هذه الحملة الإرهابية ، التي بدأت في ربيع 1970 وتواصلت حتى صيف 1971، آلاف الشيوعيين تعذيباً وحشياً واستشهد الكثيرون منهم تحت التعذيب أو الاغتيال من بينهم محمد الخضري وعلي البرزنجي وماجد العبايجي ومشكور مطرود وحسين نادر وأحمد رجب وعبد الله صالح ومحمد حسين الدجيلي وعبد الأمير رشاد وجواد عطية وكاظم الجاسم و عزيز حميد وغيرهم. واغتيل لاحقاً شاكر محمود، وقبل هذه الحملة جرى اغتيال الشهيد ستار خضير عضو اللجنة المركزية، وأستشهد تحت التعذيب عبد الأمير سعيد.
واستولت السلطة على جميع أجهزة الطباعة المركزية واعتقلت ثابت حبيب العاني العضو المرشح للمكتب السياسي وتعرض لتعذيب وحشي، وكذلك عامل النفط توفيق أحمد، عضو اللجنة المركزية وسكرتير لجنة منطقة بغداد، الذي لم يستطع الصمود أمام التعذيب فأسقط سياسيا. ودمرت منظمة الحزب في مدينة بغداد.
وتواصلت الحملة الإرهابية وطالت كردستان، حيث أختطف في كركوك الرفيق علي حسين البرزنجي عضو اللجنة المركزية و40 رفيقاً، وتم السطو على مطبعة الحزب، ونقل المعتقلون إلى قصر النهاية. ولم يكن نهج الحزب السياسي المعتمد سوى المعارضة غير المطلقة وبالوسائل السلمية، والتي كانت مقتصرة على مطبوعات الحزب السرية وصلاته المباشرة. وقد أدينت الحملة الإرهابية من قبل القوى التقدمية العربية وقوى اليسار العالمي، وكانت ضعيفة جداً في البلدان الاشتراكية.
لقد ورد ذكر هذه الحملة الإرهابية في الكثير من مذكرات قادة الحزب وكوادره، وهي بالعشرات، ووردت في أبرز الكتب عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، مع ذلك تجاهلها، الأستاذ حامد الحمداني، وكأنه لم يسمع بها ولم يقرأ عنها وهو المهتم بتاريخ العراق المعاصر؟! ويجد القارئ في الهامش سبعة مصادر تناولت الحملة الوحشية المذكورة، على سبيل المثال لا الحصر! [6]
رابعاً- يعدد الأستاذ الحمداني تنازلات الحزب الشيوعي العراقي في تحالفه مع حزب البعث، وهي صحيحة، وسبق أن ذكرت بأن الحزب خطأها في تقييمه للتجربة، ولكن الأستاذ الحمداني يبالغ ويحمل بعض هذه الأخطاء أحياناً أكثر مما تحتمل، فتفقد مصداقيتها لمن يعرفها، وتضلل من لا يعرفها. وعلى سبيل المثال، إشارته بأن الحزب الشيوعي العراقي أقر "بأن انقلاب 17ـ 30 تموز ثورة وطنية ديمقراطية اشتراكية!!". إن ذكر الاشتراكية بالصيغة المذكورة هنا لم ترد في ميثاق العمل الوطني الذي يستشهد به الحمداني ولا في أي وثيقة من وثائق الحزب الشيوعي العراقي.
إن المفاهيم الخاطئة حول هذا الموضوع، والتي اعتبرها تقييم الحزب المشار إليه أعلاه، "مقولات معزولة عن الظرف التاريخي الملموس وطبيعة البعث الطبقية والإيديولوجية وممارساته السياسية"، هي حول إمكانية وصول المتحالفين "سوية إلى بناء الاشتراكية" أو "تملك (الجبهة) أفقاً ستراتيجياً لمواصلة التحالف، حتى بناء الاشتراكية". وهناك فرق نوعي بين هذه الصيغ الخاطئة والصيغة التي يذكرها الحمداني. وهذا الفرق كان يدركه صدام حسين. ففي لقائه مع مكرم الطالباني، جرت مناقشة بينهما في شباط 1979 حول مفردة "حتى" وفسرها صدام بأن المقصود بمواصلة التحالف "حتى بناء الاشتراكية"، هو أن القيادة يجب أن تتحول إلى الشيوعيين عند بناء الاشتراكية. ويبدو أن ذلك ظل هاجسه، فقد مات صدام حسين "وفي نفسه شيء من حتى"! وقد نقل الطالباني الحديث لنا في مقر جريدة "طريق الشعب" بحضور عبد الرزاق الصافي وسلام الناصري وكاتب هذه السطور.
خامساً- يذكر الأستاذ الحمداني ما يلي: " أحدثت موافقة قيادة الحزب الشيوعي على شروط البعثيين وتوقيعه على ميثاق الجبهة شرخاً كبيراً بين القيادة من جهة والكادر وقواعد الحزب من جهة أخرى، حيث لم تستطع قواعد وكوادر الحزب هضم تلك الشروط، وكان الشعور بخيبة الأمل والقلق على المستقبل، وعدم الثقة بالبعثيين سائداً صفوف الحزب وجانباً كبيراً من كوادره..."
وعلق قبل ذلك على قرار الحزب بالموافقة على الاشتراك بالحكومة بوزيرين بقوله: "أحدث ذلك القرار انقساماً في صفوف الحزب الشيوعي، وتباعداً بين القاعدة والقيادة"
وبعد إقامة الجبهة يقول الحمداني أيضاً: " لم تمضي فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض ظاهراً بين قيادة الحزب وقواعده..."
أعتقد ليس لدى الحمداني أدلة ملموسة تثبت ادعاءاته حول حصول انقسام أو شرخ أو تناقض بين قاعدة الحزب وقيادته، أو الشعور بخيبة الأمل، بينما هناك أدلة ملموسة تثبت بأن بعض ما يقوله الحمداني لا أساس له من الصحة والبعض الآخر مبالغ به كثيراً، إن لم نقل بأنه يجافي الحقيقة والواقع.
ﻔ-;---;-----;---"في الفترة التي عقدت فيها الجبهة الوطنية، مارس الحزب نشاطه بصورة شبه علنية، استطاع النهوض من جديد وتضاعفت عضويته، ونمى كادره على مختلف المستويات. فقد نمت عضويته لتبلغ حوالي 75% بالقياس إلى أكبر نمو شهدته عضويته في تاريخه، أي في السنوات الأربع التي تلت انتصار ثورة 14 تموز 1958". [7]
لا شك كان هناك بعض الكوادر والأعضاء الذين لديهم تحفظات على سياسة الحزب التحالفية مع البعث، ولكن نسبتهم لم تكن كبيرة، ففي المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي العراقي، المنعقد بعد ثلاث سنوات من عقد الجبهة، والذي حضره 300 مندوب منتخب من المنظمات، عارض ثلاث مندوبين نهج الحزب التحالفي مع البعث، والحق يقال، فقد كانت المعارضة الحقيقية أكبر من العدد المذكور، وعبرت عن نفسها بمعارضة موضوعة التطور اللارأسمالي (الذي سمي لاحقاً بالتوجه الاشتراكي)، وكان عددهم 30 مندوباً فقط. وتمثل هذه الظاهرة أمرا طبيعيا وصحياً داخل إي حزب سياسي، ولم ينشق أو يترك الحزب أي واحد من المعارضين . وإذا كان نصف أعضاء اللجنة المركزية تقريباً، قد عارضوا قرار انضمام الحزب للجبهة عند اتخاذه، حيث كان الموافقون نصف زائداً واحد، فلم يبق سوى رفيق واحد معارضاً لها في المؤتمر الثالث للحزب.
خامساً- ويجافي الأستاذ الحمداني الحقيقة مرة أخرى، عندما يدّعي بهروب بعض قادة الحزب في الضربة التي وجهت للحزب في عام 1978، حيت يقول: "لكن معظم أعضاء القيادة كان قد أفلت من الاعتقال وهرب البعض منهم إلى خارج العراق". ليس لدى الأستاذ الحمداني أي دليل ملموس على هروب قادة حزبيين، فلم يخرج أي قيادي إلى خارج العراق ،ً بدون قرار حزبي إطلاقاً، وينطبق هذا الأمر على شبكة واسعة من الكادر المتقدم والمتوسط. وجميع أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية ومعهم مئات الكوادر والأعضاء، نساءً ورجالاً، عادوا إلى الوطن في كردستان ليساهموا في حركة الأنصار ضد النظام الدكتاتوري، وبناء تنظيمات في المنطقة العربية، باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، كانت منوطة بهم مهمات في الخارج. واستشهد الكثيرون من العائدين، بمن فيهم أبناء بعض قادة الحزب. وأرسل العشرات من الرفيقات والرفاق للمنطقة العربية لإيجاد ركائز أو تعزيز ما موجود منها، من بينهم عدنان عباس عضو اللجنة المركزية، واستشهد عدد غير قليل منهم. وفي أول فرصة، بعد انتفاضة 1991، رحلت مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية من كردستان إلى بغداد والمحافظات الأخرى بينهم، من القدماء، عضو المكتب السياسي عمر علي الشيخ وعادل حبه عضو سكرتارية اللجنة المركزية. فلمصلحة من تغيّب هذه الروح الجهادية العالية ونكران الذات المتناهي ومحاولة إظهار قيادة الحزب وكأنها مهزومة، والإيحاء بأن الحزب الشيوعي قد انتهى مع انهيار تحالفه مع البعث. وليس هذا الأمر فقط دليل على خطأ ما يوحي به الحمداني. فقد أصبح الحزب بعد انتقاله إلى المعارضة عنصراً أساسياً في التحالفات التي أقيمت بين القوى الوطنية والإسلامية طيلة سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات.
سادساً- وفي نهاية مقاله يشير الأستاذ الحمداني إلى ما يلي:" كما قامت السلطات البعثية بكبس مقرات الحزب، وصحيفته [طريق الشعب] وصادرت مطبعة الحزب وكل الوثائق الموجودة...". بودنا أن نطمئن القراء بأنه لم يتسن للبعث السطو على أية وثيقة مهمة. وما يذكره الحمداني لا أساس له من الصحة، فقد تم نقل جميع الوثائق إلى خارج الوطن بشكل سري بإشراف كاتب هذه السطور وبمساعدة الفقيد حميد بخش، قبل غلق المقر العام للحزب، الذي أغلق على يد كاتب هذه السطور. وهي محفوظة الآن في أرشيف الحزب الذي يحوي وثائقه منذ تأسيسه، في مكان أمين جداً لا يمكن أن يتعرض للخطر أو التلف، بأي حال من الأحوال.
سابعاً- باعتقادي بان الموضوع الذي تناوله الأستاذ الحمداني " البعثيون والشيوعيون والجبهة الوطنية" تجاهل الإشارة إلى بعض الأمور السياسية ذات العلاقة المباشرة بالموضوع وأهمها:
1- التحذير من الارتداد الوارد في برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي أقره المؤتمر الوطني الثالث للحزب (1976) فهناك "فقرة ضافية عن أخطار الارتداد في مسيرة العراق كاستدراك وذلك في الفصل الأول من الوثيقة البرنامجية لأن تجربة مسيرة العراق لم تكن محسومة وان مقومات الارتداد موجودة، و كما جرى التأكيد على البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية الحكومية، المالية والعسكرية، وإن مقومات الارتداد لا تقتصر على الاقتصاد وإنما في فكر حزب البعث أيضاً". [8]
2- اجتماع اللجنة المركزية الكامل التاريخي والجريء المنعقد في آذار 1978، التي تصدى فيه لحزب البعث، في ثلاثة جوانب أساسية في نهج السلطة في التقرير الصادر عنه وهي:
ا- السياسة التي يصر الحزب الحاكم على انتهاجها في معاداة الديمقراطية وما يمس الحزب الشيوعي منها، واستمرار الأوضاع الاستثنائية، ومواصلة الحكم على هذا الأساس والمماطلة والتسويف في تشريع الدستور، وفي إقامة المؤسسات الديمقراطية، ومن بينها المجلس الوطني.
ب- سياسة التبعيث القسري التي تسير عليها الدولة في مختلف الميادين، وفي عامة البلاد، واتباع سياسة التعريب القسري الذي تمارسه السلطة ضد الشعب الكردي والأقليات القومية، وتشويه الحكم الذاتي في كردستان.
ج- السير على سياسة معادية للدول العربية المتحررة، لاسيما سوريا واليمن الديمقراطية. [9]
3- رد فعل حزب البعث على تقرير اللجنة المركزية والذي كان عنيفاً، بالرغم من أن معالجاته كانت في إطار الجبهة الوطنية والقومية التقدمية. وجنّد حزب البعث صحيفة "الراصد" للتهجم على التقرير سياسياً وفكرياً. وظل البعث يطالب الحزب الشيوعي بسحب التقرير والتراجع عنه. إلا أن طلب حزب البعث قوبل بالرفض القاطع.
وفي الختام نود أن نذّكر بإشارتنا في بداية المقال بأن للحزب الشيوعي تقييمه لتلك الفترة والذي أقر في مؤتمره الرابع المنعقد في عام 1985، بعد مناقشته في منظمات الحزب، ونشر في وثيقة تحت عنوان "تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968-1979" والذي يؤشر فيه إلى ما هو صحيح وما هو خاطئ في سياسته في ذلك العهد، وبمقاييس زمن إقراره، ولم يتطرق الأستاذ الحمداني للتقييم المذكور، لا من بعيد ولا من قريب!؟.
وباعتقادنا أن التقييم المذكور وكذلك تقييمات الحزب السابقة تحتاج إلى مراجعة في ضوء فكر الحزب الذي تجدد في مؤتمره الخامس المنعقد في عام 1993. وعند مراجعة كاتب هذه السطور النقدية لهذه التجربة، ضمن دراسة شاملة لتحالفات الحزب السياسية منذ تأسيسه حتى يومنا هذا، توصل إلى ما يلي: "إن تحالف إي حزب سياسي مع حزب حاكم في نظام لا يقوم على أسس ديمقراطية مؤسساتية، هو خطأ مبدأي يرتكبه الحزب غير الحاكم، لا بسبب عدم توفر تكافؤ الفرص فحسب، بل لتعذر ضمان استقلال الحزب سياسياً وتنظيمياً وفكرياً، وهو مبدأ أساسي في أي تحالف سياسي". وقد نشر الحزب هذه الدراسة، التي تتضمن هذا الاستنتاج، في جميع وسائل إعلامه المركزية: مجلة "الثقافة الجديدة" وموقع الحزب الالكتروني، وجريدة "طريق الشعب"، وذلك في ربيع عام 2014. والاستنتاج معروض للتدقيق والإغناء.
1 أيار 2015
رابط مقال الأستاذ حامد الحمداني
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=465211
[1] - د. رحيم عجينة، "الاختيار المتجدد - ذكريات شخصية وصفحات من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، دار الكنوز الأدبية، بيروت، ص 99.
[2] - أنظر عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" الجزء الثالث، دار الرواد المزدهرة، بغداد، ص 100 والهامشين 128 و129. أنظر كذلك جاسم الحلوائي "الحقيقة كما عشتها"، دار الرواد للطباعة والنشر، ص 125.
[3] - عبد الرزاق الصافي، "شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية"، الجزء الثاني، ص 116 وما يليها.
[4] - تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968-1979، أقره المؤتمر الوطني الرابع للحزب الشيوعي العراقي، ص 20 وما يليها.
[5] - د. رحيم عجينة، مصدر سابق، ص 104.
[6] - هذه بعض الكتب التي تناولت الحملة التي تجاهلها الأستاذ حامد الحمداني، على سبيل المثال لا الحصر: ا- عزيز سباهي، مصدر سابق، ص 108. ب- د.رحيم عجينة، مصدر سابق، ص 102 وما يليها. ج- كريم أحمد "المسيرة" ص 200. د- جاسم الحلوائي، "محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، ص 358 وما يليها ه- د.سيف عدنان القيسي، "الحزب الشيوعي العراقي في عهد البكر 1968- 1979"، ص 339 وما يليها. و- جاسم الحلوائي، "الحقيقة كما عشتها"، ص 220. ز- عبد الرزاق الصافي، مصدر سابق ص 121 وما يليها.
[7] - باقر إبراهيم، مذكرات، دار الطليعة- بيروت ص 152. بالمناسبة، كان باقر إبراهيم في حينه عضواً في المكتب السياسي والمسؤول الأول عن الشؤون التنظيمية في الحزب.
[8] - د. رحيم عجينة، مصدر سابق، ص129.
[9] - عزيز سباهي، مصدر سابق، ص 162.