المنبرالحر

لا تقطعوا أغصان الشجرة التي تقفون عليها / د. علي الخالدي

تُطرح على نطاق واسع في الداخل والخارج أفكار ومقولات لتشويه الوعي العراقي الملتزم بوحدة مكونات وجغرافية العراق ، حيث تروج بعض وسائل اﻹعلام مفاهيم من هنا وهناك ، تشجع على تشظي العراق ، بما يتماهى و مشروع بايدن ، وما تخطط له دول الجوار ،ك(وحدة العراق غير ملزمة وليست إجبارية ) مع إختلاق أحداث و وقائع ، تهندس مبررات تقسيمه . فمنذ تبني نهج المحاصصة الطائفية وأﻹثنية الذي جاء به السيء الصيت بريمر، يتواصل تقاسم شؤون إدارة البلاد بين المتحاصصين المقربين من صاحب إمتياز إسقاط الصنم ودول الجوار ، وإبعاد عنها متبني الروح الوطنية العراقية ، ومشاريع بناء عراق ديمقراطي جديد ، لتبقى المصالح الحزبية والكتلية للأحزاب الطائفية واﻹثنية ، و ما وعدوا به الشعب ، أثناء مقارعة الدكتاتورية ، وحملاتهم اﻷنتخابية مخفيا ، ومُتستر عليها ، وبالفعل لم تكنس موروثات العهود الرجعية و الدكتاتورية ، ولم يجر التقيد بالديمقراطية ، والنهوض بالتنمية البشرية و البنية التحتية لعراق المستقبل التي دمرتها الحروب العبثية والحصار الجائر ، هذه القيم التي تصدرت برامج اﻷحزاب الوطنية منذ تأسيسها قبل عشرات السنين ، فترسخت في ضمير وفكر كل من شرب ماء دجلة والفرات من مكونات مجتمعنا العرقية ، فأصبحت ملزمة ، وخط أحمر يتقيد بها كل حزب يدعي الوطنية ، وصارت معيارا تقاس به وطنيته ، لكون اﻷلتزام بها يُوَصل الى تحقيق الديمقراطية والعدالة اﻷجتماعية وبالتالي الحياة الحرة الكريمة التي تنشدها الجماهير ، و من كانت وراء الدوافع الداخلية لجبهة إسقاط الدكتاتورية ، متخذة شكلا متميزا عن أهداف العامل الخارجي ومؤيديه
فبعد إسقاط الصنم ، وإنتهاج المحاصصة الطائفية واﻷثنية كقاعدة ﻹدارة البلد ، بدأت الجماهير تتحسس التهديدات التي تمس وحدة مكونات المجتمع العراقي وجغرافيته المتوارثة منذ مئات السنين ، إن من ناحية إدخال مفاهيم غير متعارف عليها مجتمعيا ، وإحياء روح اﻷنتقام والتسيد على الآخر ،عبر خرق بعض مواد الدستور، المصاغة بشكل منافية للتقاليد واﻷعراف المجتمعية الموروثة ، التي لازمت الحياة اليومية للناس ، فباﻹضافة على أبقاء ما ورثه الوضع الجديد من قوانين الدكتاتورية المقبورة ، شرعت قوانين مكرسة حصريا لمطامح المتحاصصين ، وبعيدة عن تلبية مصالح وحاجات الجماهير الفقيرة ، وكأن التغيير ماركة سجل بإسمهم ، فاحتكروا مردوداته ، وشيعوا سهولة هضم إقامة اﻷقاليم . بينما بعض الساسة من الثيوقراطيين ، ممن إصيبوا بمرض نقص مناعة الحياء ، وإنخفاض منسوب الروح الوطنية العراقية لديهم ، بمنتهى اللامبالاة ، بدأوا يتناغمون مع مشروع بايدن لتقسيم العراق ، الذي يحظى بتأييد ، أدوات دول الجوار القريبة والبعيدة ، وبأشكال متنوعة وطرق أغلبها غير شرعية لضمان بقائهم في موقع القرار لكيانات صغيرة ، متصارعة تعاني ناسها ، أقصى درجات اﻹذلال والتجويع والتشذرم.
وحفاظا على مستقبل العملية السياسية ووحدة المجتمع العراقي وجغرافية أرضه ، دقت جماهير شعبنا وقواها الوطنية ناقوس خطر التقسيم الذي يدعوا اليه من كان وراء ، التدهور العالي في البنية اﻷنتاجية وإنتشار ظاهرة الفساد والرشوة ، والمحسوبية في اﻷجهزة اﻷدارية واﻷمنية ، وإعتماد العناصر غير الكفوءة فيها ، والتي شكلت بمجملها عوامل ، سهلت من إحتلال ثلث ارض العراق من قبل عصابات داعش ، وهكذا أدْخلنا في دوامة تحرير اﻷرض ، التي هي أهم المهمات ، ومع هذا إستمر البعض ودون مبالاة التعامل مع هذه المهمة وإنصاف المهجرين ، ومساعدتهم على تخطي مآسي التهجير بشكل بعيد عن المسؤوليه الوطنية ، فواصلوا مساعيهم لوضع العصي في عجلة التصدي للمحتلين ، والتلاعب بما خصص لتخفيف معاناة المهجرين من المناطق المحتلة ، بينما راح البعض الآخر من المتحاصصيين ، خلق معوقات أمام حركة بوادر التغيير الحقيقي ، طامحين للعودة الى المواقع التي فقدوها ، ليواصلوا تأثيرهم السياسي واﻹجتماعي على العملية السياسية ، التي يريدوها أن تسير بإتجاه تحقيق مشروع التقسيم ، الى درجة الميل الى التمرد الذي يسهل توجيهه الى أي مجرى آخر ، فليس من النادر كما عكسه التاريخ ، أن يتحول التلون والنقيق ، وغياب اﻷهداف اﻹجتماعية الواضحة الى بيادق سياسية تستجيب لشعارات شق وحدة مكونات وجغرافية العراق ، فلا تقطعوا اﻷغصان التي تقفون عليها وتطيحوا بها وهي التي استظل أجدادكم بظلها ونهلوا من خيراتها كما أنتم فاعلون.