المنبرالحر

سياسة التوافقات السياسية أضرت بالمصالح الوطنية / د. علي الخالدي

لقد إتضح بشكل لا يقبل الشك أن جهود القائمين على النظام منصبة على مواصلة نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، ولكن بصيغ ذات مقبولية للبعض ، كالشراكة السياسية ،أو التوافق السياسي ، فحاليا، تُبذل جهود ، ذات نزعة محافظة ، بين صفوف التوافقيين ،على إعتبار أن صيغة التوافق السياسي أقل وقعا من الناحية اللفظية عن النهج المقيت المحاصصة أو الشراكة ، ولربما يريدون تحويلها الى تيار ايديولوجي يجسد النهج الطائفي لعملية التغيير أيضا ،بعد إنتشار مرض نقص المناعة الوطنية ، وإرتفاع نسب اللامبالاة وعدم اﻷهتمام بمصالح الجماهير الفقيرة بين بعض أوساطهم ، رغم أن جراح نهجهم سلوكياتهم السابقة لا زالت تَضُح قيحا
إن دعاة سياسة التوافق ، يحملون آراء متشابه عموما في اﻷقتصاد واﻹجتماع ، فالحديث الذي يدور بين أوساطهم عن التنمية ، يجري بإتجاه تشجيع علاقات السوق والمشاريع الخاصة ، ونحو تقليص النفقات اﻹجتماعية ، وتقليص رواتب صغار الموظفين وأبقاء رواتبهم ومخصصاتهم دون لمس ، على الرغم من سياسة التقشف التي تدعو لها الحكومة . ولدفع حالة الخوف من تصاعد النضال المطلبي ، يتنكرون لحقوق الشغيلة ، ويعرقلون دفع مستحقاتهم ، مع مواصلتهم تعطيل المصانع ، وإستيراد بضاعة لا تشكل بديلا متطورا عما كانت تنتجه المصانع العراقية المتوقفة ، ووضع تعقيدات ومعوقات تٌقَيد إحياء نشاط تلك المصانع ، كي يحدوا من إنتعاش دور الشغيلة في العملية السياسية من ناحية ، وإشغالهم بمتطلبات المحافظة على التقاليد واﻷعراف الطائفية والعشائرية ، وزجهم في دهاليزهما على مدار السنة من ناحية أخرى
لقد إتضح للقاصي والداني أن نهج التوافقات السياسية يضمن أجندات ألطامعين بالعراق أيضا ، من خلال توقف التنمية واﻹصلاح ، ولكل أنواع التقدم والتحضر اﻹجتماعي ، و مواصلة الصمت تجاه تردي الوضع اﻷقتصادي ، ونمو القاعدة المادية للمناورات اﻷقتصادية الترقيعية ، التي يراد لها أن تجد موارد تعالج اﻷزمة المالية واﻷمنية الخانقة ، عن طريق الضغط بتفكيك الضمان اﻹجتماعي ، لتغطية الفشل في معالجة موروثات اﻷنظمة السابقة ، ولوضع معوقات أمام عملية التغيير، مما أدى الى تصاعد إحتدام حاد في التناقضات الطبقية ، وعكرت بشكل مباشر و غير مباشر سلوكية البعض. موفرة عوامل تردد اﻷنصياع لوسائل اﻷغراء التي يقدمها بعض الساسة ، مستغلين عامل الحاجة المادية ، وشجعيهم على الزوغان من تنفيذ الواجبات الوطنية ، وخصوصا بين أوساط اﻹداريين واﻷمنيين ، فتصاعدت مزاجية اللامبالاة بين صفوف البعض لما يتعرض له الوطن والمواطنون والعملية السياسية والديمقراطية برمتها لشروخ بارزة في مقدمتها إحتلال داعش وسوء تقديم الخدمات لآلاف المهجرين.
في سياق تلك العمليات الغير مرضية ، أصبحت سياسة التوافقات ، أنسب شيء لتحقيق تكتيكاتهم المتغيرة ، في مواجهة النزعة التَحَضرية بين أوساط الجماهير ، فزجهم في دهاليز و متاهات المناسبات المذهبية ، ﻹبعادهم عن اﻷحداث التي تنمي الروح الوطنية ، وتصعد من إهتماماتهم في تحمل مسؤولية إدارة شؤون البلاد والتغيير المنتظر . كانت وراء تصاعد وتعاظم القلق السياسي واﻹجتماعي لدى الجماهير ، ناهيك عن اللأمبالاة بتذليل الخلافات وتقليص معوقات المصالحة الوطنية الحقيقية ، بتحرير الفرد من تأثير الغايات المغرضة ، التي تخفض منسوب الجهد الوطني لمقاتلة داعش ،و تحرير اﻷرض من رجسها.
إن لدى قوى شعبنا الوطنية ومنظمات مجتمعه المدني القوة واﻹمكانيات وبالطرق السلمية
لصد النزعة المحافظة (سياسة التوافق ) وإلحاق الهزيمة بها . وأهم شروط هزيمتها هي تلاحم الجماهير وتصعيد نضالها المطلبي ، بعقد مؤتمر وطني يضمن تحقيق حقوق جميع اﻷحزاب الوطنية التي قارعت الدكتاتورية وحرصت على أن تسير العملية السياسية على سكة صحيحة بعيدا عن اﻷهواء الحزبية والطائفية للقائمين على النظام ، بكونه الحل الوحيد ﻷيجاد إجماع وطني عام ، للمعضلات التي تواجه مسيرة الوطن نحو المستقبل المنشود.