المنبرالحر

مؤثرات التشدد اﻷسلامي على الشخصية العربية و العراقية / د. علي الخالدي

تتصف أدبيات التشدد اﻷسلامي ( طالبان اﻷخوان والسلفيين ) بإزدواجية الوقائع المتسمة بطابع الكشف عن الخبايا الخفية في عملهما السري والعلني بين الجماهير , فخلال اﻷول تعكس الورع الديني والشفافية والعدالة , ﻷجل التمويه عن مآرب الثاني وكسب ود شرائح المجتمع , وما أن تسيطر على كرسي الحكم حتى تظهر حقائق ما تضمره أجندتها الخفية , بالممارسة الفعلية التي تتصف بالتعالي واﻷستحواذ على مردودات التغيير بأسلوب نفاقي يحمل في طياته الغدر , والقسوة , وخشونة التعامل مع اﻷديان والمذاهب اﻷخرى , والقوى المحركة للحراك الشعبي ( إذا لم تكن إخواني فانت لست بمواطن حقيقي) , وإن لم تطلق لحيتك فأنت في عداد الكفرة , كما تمتاز مقولاتهم بعدم ثبات الرأي , يتحدثون عن الوفاق ويمارسون الشقاق في نسيج المجتمع , بتغليب سياسة القصر واﻷجبار , بما يعتقدوه على الرغم من ضحالة وإنخفاض مستوى الحجة والثقافة والسذاجة الفكرية بتسيير أمور الدولة . بأفكار ومباديء منطلقة من فكرة مفادها أنهم الآمر اﻷوحد , والسلطان المطلق لهذه الدولة , لا يعلو على رأيهم رأي , تتوقف عنده كل الحجج والبراهين , كي تسود الرغبات الذاتية , فيوسعوا بلاطهم ليستوعب المتطفلين والمنافقين من حاملي الشهادات المزورة , يحيطون بالقيادة , خالقين اﻷجواء المطلوبة في تأكيد مراسهم وحنك سياسيتهم ليركبهم الغرور , مقابل مرتبات ضخمة لهؤلاء , دون أن يقدموا شيئا للدولة والشعب بل لمجرد إبداء فروض الولاء والطاعة للحاكم والتسبيح بحمده . مما يؤدي الى كشف حقيقة مآربهم في التفرد بإدارة السلطة وتهميش الآخرين , مولدين بذلك ردود أفعال تُفشل تجربة حكمهم اﻷسلامي في مصر , وعلى الطريق تونس وليبيا , ( نأمل أن لا تلحق بهم سوريا ) , بما يقوموا به من تصريحات طموحة تتناقض كليا وما يملكوه من إقتدار في إدارة دولة , وقيادة الشارع , فَيَقدموا على ممارسات تقف بالضد من أماني وتطلعات الجماهير الفقيرة التي تتطلع الى مكاسب فعلية لمصالحها الوطنية واﻹقتصادية , خالقين إتجاها معاكسا لعموم إرادة وطموحات أنسجة مجتمعاتهم , لا يتخطى نهجهم المتشدد ( إسأل الشعب ماذا يريد بالخلافة يُبنى التجديد ) على المدى البعيد ،

إن إرادة النخبة اﻷسلامية التي سرقت نتائج الحراك الشعبي في دول التغيير وبصورة خاصة ما حصل بفعل العامل الخارجي , تقوم حال تسنمها مسؤولية الحكم إلى إنتزاع اﻷنسان من الظروف المادية والتاريخية , التي شكلت وجدانه وقيمه وتكوينه الفكري والنفسي , باغية وضعه على سكة مستنقع مفاهيم التشظي اﻷجتماعي والطائفي واﻷثني , أي إجراء عملية تفسيخ للوعي اﻷجتماعي في داخل الشخصية الفردية . قائم على النصح اﻷخلاقي والوعود الوهمية في الحياة اﻷخروية , وهذه أبشع عملية لغسل الدماغ يتعرض لها اﻷنسان في الوطن العربي , وخطورتها تكمن بإنتزاع الجانب اﻷنساني وزرع اﻷحساس بالتوحد والتبعية , والخوف من العواقب اﻷخروية المزعومة بتطبيق شرائع اﻷيمان باﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تمييز بين الناس , محدثين شروخا وتشضيا في المجتمع , ومجيرين المكاسب التي يحققها الحراك الشعبي لصالحهم , في أجواء تنابز ومناكفات القادة , و محاباتهم المجة فيسرفون في إغراق السوق اﻷعلامي , والفكري بمفردات التفكير المقرونة بتفسير مفردات غيبية ضمن حملة إعلامية زاخرة بالمعايير والممارسات اﻷستفزازية لشعائرهم , يسودها طابع اﻷنفعالية والعاطفة الهستيرية , بعرض المواقف غير المنضبطة , وصيغ المبالغة في الغموض , كإدعاءها بأنها ( اﻷحزاب اﻷسلامية الوحيدة ), الوريثة الشرعية لنشر الحق و إهداء الناس للخير والعطاء , والفداء في سبيل الله , وهم وحدهم الحريصون على تطبيق قيم السماء واﻷرض , أما بقية بقية اﻷديان السماوية فهم قلة من الكفرة , يتحملون مسؤولية تنظيف اﻷرض منهم . ويدعو هؤلاء المنافقون الملايين المحكومة باﻷستغلال الطبقي وباﻷمية والفكر الغيبي وبالعلاقات العشائرية , ﻷن ينحو , ويطيعوا ولي اﻷمر بمواكب تمر عبر ساحات اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر , لهذا نهت عنها المرجعيات الدينية التي تتمسك بالقيم الحقيقية للدين والتدين بإعتبارها نهجا سلفيا , يختفي وراءه اﻷرهاب . فاﻷسلام المتشدد يغير دساتير , ويضع شروطا لممارسة الديمقراطية ، ومع هذا لا تطبق بشفافية ، ولا يعار لها أهمية إلا في إطار المفاهيم التي يدينون بها , هذه الشروط لم تخرج من فكر اللإيمان بها ، ويتمسكون بمبدأ الشرعية التي جاءت به الديمقراطية بالمفهوم الخاطيء لصناديق اﻹقتراع الذي يفهموه على أساس حكم دكتاتورية اﻷغلبية , فحسب . لا يأخذوا بنظر اﻷعتبار مكونات المجتمع المتعدد اﻷديان والمذاهب واﻷتجاهات السياسية , ويدعون لتطويق خطابها الديني والقومي في البلد , ويبذلوا كل ما من شأنه السيطرة على الثروة والسلاح والتعليم واﻷعلام دون مشاركة أحد فيه من أنسجة المجتمع ، ومن خلال ذلك ، ينشرونا لتحريض الطائفي ، لغرض الكسب بما في ذلك ما يمارس في الخارج ، حيث تبذل اﻷحزاب اﻷسلامية شراء الذمم ، دون أخذ بنظر اﻷعتبار إندفاع المتزلفين والمتملقين لبس عباءاتهم طمعا باﻷغراءات المادية ، وخلال حكمهم يشوهون التعايش السلمي بين أنسجة المجتمع المعتقدة بأديان ومذاهب متنوعة , وهم يتحدثون عن أشياء بدون توافق وطني حقيقي أو شراكة حقيقية مما يوضعوا أنفسهم في واد وبقية شرائح المجتمع في واد آخر , وكأن هناك شعبان , فالمتشدون اﻷسلاميون يحملون فكر مذهب يحتقن بالعاهات , و يحلمون بأن يكون سمة عصر العولمة واﻷنترنت. ,