المنبرالحر

استراتيجية التكامل الصناعي الزراعي / إبراهيم المشهداني

يمر العراق في الظرف الراهن بأزمة اقتصادية عميقة، بسبب انخفاض اسعار النفط وتركيز الانفاق على متطلبات الحرب ضد داعش لإخراجها من ارض العراق التي احتلتها بعد العاشر من حزيران عام 2014 ، وعمليات الفساد المنظمة التي نهبت بمختلف الاساليب العشرات ان لم نقل المئات من المليارات ،وبالتالي تقليص الانفاق على القطاعات السلعية الاساسية المتمثلة بالصناعة والزراعة ، مما يتطلب تفعيل هذين القطاعين وتحقيق أفضل أشكال التكامل بينهما ضمن منهجية خلق التوازن بين القطاعات الاقتصادية، وإنعاش الصناعة.
ولم يكن هذا الاهتمام، من باب الترف الفكري وإنما هناك حاجة ملحة لتطوير هذين القطاعين ليكونا بالإضافة الى قطاعات الخدمات والإسكان القاعدة التي تقوم عليها استراتيجيات التنمية الاقتصادية المستدامة. وفي كل الاحوال يبقى القطاع النفطي ذو قيمة كبرى في تنمية هذه القطاعات من خلال ايراداته التي تشكل النسبة الاكبر في الانتاح المحلي الاجمالي اذا احسنت ادارته. ان التركيز على قطاعي الزراعة والصناعة ينطلق من وفرة العوامل الإنتاجية فيهما سواء الأيدي العاملة أواحتياجات السوق العراقية ووفرة الاراضي الزراعية، والطلب الواسع على منتجات هذين القطاعين ودواعي أوضاع الريف العراقي الذي وصل التخلف فيه درجة مخيفة ومقلقة. ان قصر الاهتمام بقطاع النفط الذي وان كثرت مداخيله ، فإنها في الواقع العملي قد تفتح شهية الحاكمين والشركات النفطية في التركيز على مشاريع مشبوهة تؤدي كما حصل في السنوات السابقة ، إلى استفحال ظاهرة الفساد الإداري والتوزيع غير العادل للثروة حتى وصل الأمر إلى طوفان يهدد حياة عشرة ملايين مواطن تحت خط الفقر مشكلين "طبقة" مهمشة تصل نسبتها في المجتمع نحو 30بالمئة من مجموع سكان العراق.
ولم يكن هذا الموضوع مجرد رؤية عراقية نظرية غير قابلة للتنفيذ ، بل إن منظمة الأمم المتحدة للزراعة والتنمية (FAO ) قد نصحت الدول النامية التي تواجه ظروفا بيئية مماثلة لظروف بلادنا بان تخصص للزراعة 10بالمئةمن الميزانية العامة للدولة وعلى نفس المنهج تعهدت القمة العالمية المنعقدة في روما في تشرين الأول من عام 2009حول الأمن الغذائي بزيادة الاستثمارات في القطاع الزراعي ورفع نصيب الزراعة وتنمية الريف بنسبة لا تقل عن 15بالمئة من مصروفات بلدان أعضائها في القطاعين العام والخاص الزراعيين وعلى هذا النحو أكد تعهد مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 2011 بالقاهرة .
إننا ندرك إن وراء تخلف القطاعين الزراعي والصناعي وتنسيق العلاقة العضوية بينهما ، العديد من العوامل ومنها علي سبيل المثال لا الحصر ،غياب الرؤية الإستراتيجية الثابتة وغياب التنسيق بين الوزارة ذات الاهتمامات المشتركة وخاصة وزارتي الصناعة والزراعة ووزارة التخطيط ، وفشل ادارة المياه بالكميات المتاحة , وتحويل وظيفة وزارة الزراعة إلى تقديم الخدمات الإرشادية وإجراء البحوث وتنظيم القروض مع ما في الاخيرة من فوائد تساعد على تشجيع الفلاحين الى الانتاج الزراعي.
وخلاصة القول إن توافر عوامل التكامل الصناعي الزراعي لا تحتاج إلا إلى إعارة الاهتمام الكافي بتنظيم هذين القطاعين بما يؤدي في النهاية إلى تفعيل حركة ديناميكية في الإنتاج الصناعي الزراعي وخاصة القطاع الصناعي الخاص تماشيا مع برنامج الدولة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص على طريق الإسهام في زيادة نسبتها في الإنتاج المحلي الإجمالي وتشغيل الأيدي العاملة العاطلة والنهوض بمستوى الريف العراقي وتحسين معيشة الفلاحين وإعادة التوازن في الاقتصاد الكلي .فهل ذلك عصي على بلد يعوم على ترسانة هائلة من الثروات تحت الأرض وفوقها؟!