المنبرالحر

حياة العراقيين تحت رحمة الدولار! / ابراهيم المشهداني

يعرف الاقتصاديون والسياسيون المخضرمون ان الدولار كأداة لتحديد قيم العملات العالمية وأسعار صرفها ،قد خرج من حقيبة بريتون وودر نسبة الى منطقة بريتون وودز في نيو هامشاير في الولايات المتحدة الامريكية. ففي فندق مونت واشنطن وفي عام 1944 عقد مؤتمر شارك فيه 730 من ممثلي حكومات ورجال بنوك واقتصاديين من 44 دولة وكانت نتائج الحرب العالمية الثانية والخراب الذي حل بالبلدان التي تعرضت الى هجوم حكومة المانيا النازية ، حاضرة ومهيمنة ما اوجب عقد هذا المؤتمر إلا ان الثقل الاساسي في المؤتمر كان من نصيب امريكا التي يمثلها الاقتصادي هاري ديكستر وايت وبريطانيا التي يمثلها الاقتصادي المشهور كينز وهما اصحاب مدرستين كانت لهما الحظوة في تحقيق بنود الاتفاقية التي خرج من عباءتها الدولار الامريكي لما يتمتع الاقتصاد الامريكي وبوصفه اعظم الاقتصاديات العالمية انذاك بالإضافة الى العديد من القرارات المتعلقة بإعادة بناء الاقتصاديات الرأسمالية المدمرة .
والعراق ومعه معظم بلدان العالم ما زال يدور في ملعب الدولار وفلكه ولكننا كاقتصاديين مدعوون الى البحث عن كيفية انهيار عملة قوية في العراق انهيارا تاما ليس بسبب الازمات الاقتصادية او بسبب عدم وجود الاحتياطيات الكافية لدعمها وإنما بسبب قرارات سياسية حمقاء بالدرجة الاولى عندما لا تكون ادارة الدولة على قدر من المسؤولية كما حدث للأعوام 1980--2003. وتاريخ العراق الحديث وخاصة بعد ثورة تموز وخروج العراق من الكتلة الاسترلينية يذكرنا بوثوق ان قيمة الدينار العراقي كانت 3،377 دولارا وكانت حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الاجمالي في عام 1950 وبأسعار عام 1980 (604) دولارات وقد ازدادت عام 1980 الى 4219 اي بحوالي 6،5 مرة وانخفضت الى (485 ) عام 1993 نتيجة لاختيار طريق الحرب بديلا عن السلام عام 1980 ضد ايران، ومن ثم دخول الكويت عام 1990. وفي عام 1996 انخفضت قيمة الدينار عشرة آلاف مرة. وخلال فترة الحصار لجأ البنك المركزي الى طباعة العملة العراقية بمختلف فئاتها مما فتح الباب امام عمليات تزوير العملة على نطاق واسع ومؤشرات التضخم ارتفعت من 3، 6 في عام 1990 الى حوالي 7000 ، وفي عام 2003 بدأت قيمة الدينار العراقي بالاستقرار وتركزت سياسة البنك المركزي على ثبات قيمة الدينار العراقي بحدود 1200 للدولار لتستقر شيئا فشيئا كما ان التضخم اخذ بالاستقرار ليصل الى زيادة سنوية تصل الى 10بالمئة، متبعة سياسة بيع الدولار عن طريق البورصة من اجل سحب السيولة النقدية للتخفيف من معدلات التضخم وثبات قيمة الدينار تجاه الدولار .
بيد اننا ونحن نتحدث عن السياسة النقدية والتغيرات في قيمة الدينار العراقي ازاء الدولار لابد من التوضيح الى ان السياسة النقدية هي انعكاس للسياسة المالية ومن المعروف ان قاعدة الاقتصاد بعد عام 2003 بنيت على اساس السوق المفتوح مما ادى الى اتساع نطاق تجارة السلع الاستهلاكية حد الاغراق وهذا الامر تطلب توفر العملة الصعبة (الدولار ) واليوم اخذت قيمة الدينار تنخفض بشكل مثير للقلق ازاء الدولار حتى وصل الى 1400 للدولار الواحد مما ادى الى اتساع نطاق المضاربة في السوق من جراء زيادة الطلب على الدولار في ظروف اشد سخونة في الجانب الامني مما يفسح في المجال للمضاربين وتجار العملة توظيف هذا الظرف المضطرب للتلاعب بسوق العملة وهذه العملية ليست بعيدة عن نشاط مافيات الفساد الموجودين، وهذا ما اكده التقرير الصادر مؤخرا عن هيئة النزاهة، مما يتطلب اتخاذ اجراءات حقيقية رادعة على الارض بثبات والابتعاد عن الموسمية وعدم الاكتفاء بإصدار القرارات مهما كانت شديدة وهذا يستدعي تفعيل دور الاجهزة الرقابية وجهاز الامن الاقتصادي في وزارة الداخلية مع الاكثار من قيمة العملات الاجنبية المعروض ومراقبة الجهات المستفيدة واتباع تعليمات البنك المركزي سبيلا لمعالجة هذه الازمة .