المنبرالحر

الروح الوطنية العراقية فحسب فجرت ثورة تموز المجيدة / د. علي الخالدي

تقييم أي حدث يتم باﻹرتباط مع ، الطروف الذاتية والموضوعية التي كانت سائدة في زمان ومكان الحدث ، وبعكسه يصبح التقييم مشوه ، بعيدا عن الحقيقة .
حمل قادة ثورة تموز المجيدة أفكار وطنية عامة ، أملتها عليهم اﻷوضاع التي كان يعيشها الشعب ، وسمه العصر التي يمر بها العراق ، نتيجة الهيمنة الرجعية والتبعية اﻹستعمارية و العلاقات اﻹجتماعية اﻷقطاعية السائدة في المجتمع . لم تكن اﻷمكانيات متوفرة للخروج من تلك اﻷزمات والمآسي سلميا ، خاصة بعد ما شاهدوا إستعمال القوة المفرطة من قبل جندرمة النظام ، في فض النضالات المطلبية باﻹصلاح التي كان يقودها الوطنين ، فقادهم تفكيرهم الى إكتشاف طريق الثورة لتخليص الشعب والوطن من تلك اﻷوضاع ، وخلق عراق جديد تسوده العدالة اﻹجتماعية المعمدة بخطاب وطني عام ، بعيد عن اﻹستقطابات الطائفية والعرقية .
وحالما نجحت الثورة هب الشعب بكل مكوناته العرقية وقواه الوطنية واضعا سبل مقومات صيانتها ، ومقومات مواصلة مسيرتها التقدمية ، فاتحا اﻷبواب أمام قادة الثورة ، لتصفية موروثات النظام الملكي ، فأجادوا الشروع باﻷصلاح ،و بصناعة سبل وضع العراق الجديد على سكة البناء والتحضر ، مكرسين المفهوم اﻷجتماعي للوطنية ، الذي كان وراء ترسيخ مفهوم الهوية العراقية بين الناس والذود عنها في الحق بالبقاء والسمو ، كحق العراقيين في التمتع بالثروة الوطنية ، وبإشاعة العدالة اﻷجتماعية ، مغيبين المفهوم القومي والطائفي الذي سعت القوى الدينية والرجعية أثارته بين صفوفهم ، وبذلك أستطاعوا إبعاد المخاوف من سيطرة البعض على قطاعات المال والسلاح ، وساووا في الحقوق والواجبات بين المواطنين ، وقاموا بإصلاحات لمست الجماهير منجزاتها التي شملت كافة اﻷصعدة السياسية واﻷقتصادية واﻷجتماعية ،كبناء المجمعات السكنية لفقراء الناس مثل مدينة الثورة ( الصدرحاليا) ، وتشريع قانون اﻷصلاح الزراعي ، ومكافحتها البطالة واﻷمية ، وأصدار قانون اﻷحوال الشخصية الذي الى حد ما أنصف المراءة العراقية مع الرجل في الحقوق والواجبات ، وغيرها من القوانين التي أغاضت القوى التي لا تريد الخير لشعبنا ، وبعض الدول الدول القريبة والبعيدة ، والتي ضربت الثورة مصالحها ، وتطمح الى إعادتها ، وبذلك أكتسبت الثورة صفة الوطنية ، ومن هذا المنطلق يُخلد الشعب وقواه الوطنية يوم أندلاع ثورة الجيش وي الشعب في الرابع عشر من تموز ، ويحتفل به كل عام بطرق مختلفة وحسب الظروف المتاحة ، بما في ذلك في العهد الدكتاتوري
لقد كانت أدوات الثورة وطنية داخلية محظة ، لم تعتمد على العامل الخارجي في تفجيرها ، ولهذا كانت منجزاتها تصب قطعا ، في صالح فقراء الشعب من الفلاحين والكادحين ، معادية للرجعية واﻷقطاع ، وضعت نصب عينها إسترجاع حقوق الشعب بثرواته الوطنية التي نهبتها الشركات النفطية اﻷحتكارية كاملة غير منقوصة ، والتخلص من كل أمر يمس إستقلال العراق السياسي واﻷقتصادي ، وبرفع الغبن الذي لحق بالوطن نتيجة تساهل الحكام آنذاك في ثروات البلاد ، وربطه بأحلاف وعلاقات دولية معادية لمصالح شعوب المنطقة ، فأخرجت العراق من حلف بغداد ، وبادر قادة الثورة بدعوة شركات النفط اﻹحتكارية بتفهم حق الشعب العراقي بالتمتع بثرواته النفطية ، لكن الشركات اﻷحتكارية كانت تماطل ، لمعرفتها المسبقة بان ، هناك دول وبالتنسيق مع الطابور الخامس ، تحيك مؤامراتها ، و بالتحالف مع الرجعية العربية والدينية ، وحزب البعث الفاشي ، خاصة بعد شعور هذه القوى أن مصالحها دخلت مرحلة التهديد ، الذي لا عودة فيه ، فجيشت أدواتها التي بقيت معشعشة في أجهزة الدولة والقوى اﻷمنية ، مستغلة التسامح الذي أتصفت به قيادة الثورة وزعيمها بمقولته عفى الله عما سلف ، فركبت القطار اﻷمريكي ، كما قال أحد قادة اﻷنقلاب البعثي اﻷمريكي الفاشي ، لوضع حد لمواصلة العراق نهج التقدم والتحرر الذي إختطه لمستقبله ، الذي أتصف بصورة حية ، ضد تهميش حاملي همه ، وضد من يريد تمزيق وحدته وقتل الكلمة الحرة ، و إنبرى للتصدي لثقافة خصوصيات فرعية كالمذهبية والطائفية ، وحصن الشعب ضد فايروس عدم المبالاة و مرض نقص المناعة الوطنية ، بترسيخ اﻷنتماء الى العراق بالقول أنا عراقي وافتخر . فلا غرابة أن توصف الثورة وقادتها بالوطنية . ولكون قادتها قد نالوا دعم كادحي الشعب وفقراءه ، بما تم من إجراءات ، تنقل الفقير الى مستوى الغني ، مما أثار حفيظة من ينبذ المساواة بين الناس ، فأجمعوا على إغتيال ثورة الفقراء ، وأصيب الشعب والوطن بخيبة أمل عميقة ، طيلة عقود ، وهي تتواصل حاليا بعد إسقاط الصنم وقيادة البلد على أساس مذهبي طائفي ، وقف وراء تعظيم الخلافات بين المذاهب ، واضعا معوقات أمام نشر ثقافة اﻷنتماء للعراق وتغييب الثقافة العراقية عموما وربطها بخطاب طائفي يقود الى اﻹستقطاب ، بعيدا عن إشاعة الروح الوطنية العراقية بين المواطنين