المنبرالحر

لمحات من الصحافة الأنصارية / محمد الكحط أبو صمود

تجربتي في الإعلام الأنصاري

لقد كانت حياة الأنصار مليئة بالنشاطات المختلفة، منها الثقافية والفنية والاجتماعية، وبما أن أحد مهام الأنصار الأساسية هو العمل الإعلامي، والذي كان منصبا لدعم النشاط السياسي والعسكريالانصاري ، فلم تخلو أي وحدة عسكرية من هذا النشاط وبشكل مختلف وحسب الظروف والإمكانيات المتوفرة هنا وهناك، وخصوصا كان معظم الرفاق الأنصار القادمين من الخارج هم من المثقفين والإعلاميين والمبدعين، ممن تحسس سعة الظلم والجور الذي يتعرض له شعبنا من ممارسات النظام الدكتاتوري المجرم، فجاءوا للنضال جنبه، وقدموا التضحيات والعطاء المثمر والرائع. ولي الشرف أن أكون أحد الذين ساهموا في هذا النضال، وخصوصا في الجانب الإعلامي، بل لقد تدرجت من العمل في إعلام السرية الخامسة التابعة للفوج الثالث للفترة من آب 1983 حتى نهاية سنة 1984، ومن ثم في إعلام الفوج الثالث التابع لقاطع بهدينان للفترة من نهاية سنة 1984 حتى منتصف سنة 1986، ومن ثم مع إعلام القاطع لسنوات 1986 و1987، بعدها انتقلت إلى الإعلام المركزي سنوات 1987 و1988 حتى اضطرارنا للانسحاب إلى إيران بعد عمليات الأنفال المجرمة التي قام بها النظام الدكتاتوري، وكل محطة من تلك المحطات كان لها نكهتها الخاصة، فقد عملت مع رفاق رائعين بما تعنيه الكلمة واستفدت من تجاربهم وخبراتهم كثيرا.

ففي السرية الخامسة: وبعد عودة السرية من بشتآشان تم تشكيلها من جديد بقيادة الرفاق الشهيد البطل أبو رؤوف كمستشار سياسي والرفيق توفيق آمر السرية والشهيد الإداري الرائع سليم، توجهنا إلى مكان عمل السرية في مناطق العمادية وكاره وبري كاره، كان العديد من رفاق السرية هم من أبناء العمادية مما كان يسهل عملنا كثيرا، فتم تشكيل ما يشبه لجنة إعلامية مني ومن الرفيق بسام والشهيد محمد ويعاوننا الرفاق أبو حيدر وشيركو، وكان عملنا هو تهيئة النشرة الإخبارية كل يوم من

خلال سماع الأخبار من الراديو الذي معنا ونسجل أم الأخبار لنقرأها للرفاق بالإضافة إلى سماعنا كل يوم بث إذاعتنا من كردستان ، "اذاعة صوت الشعب العراقي "، رغم التشويش المستمر عليها، لنعرف أخبار رفاقنا ونشاطاتهم العسكرية وموقف الحزب لعل هنالك مستجدات ما.
بعد فترة قصيرة قررنا أن نصدر مجلة دفترية ووفرنا مستلزماتها من دفاتر وأقلام ملونة وما إلى ذلك، أسميناها "فجر الأنصار" وشجعنا الرفاق جميعا على الكتابة فيها، وكان الشهيد محمد هو من يصممها كونه رسام وخطاط وكتاباته جميلة، وكنا نحرر فيها أنا وهو والرفيق بسام، وقد أصدرنا منها عدة أعداد وأرسلنا نسخة منها إلى الرفاق في الفوج والقاطع، حوت مواد الأعداد على كتابات سياسية وثقافية وغيرها، كانت محط إعجاب وتشجيع الرفاق جميعا.
كما كنا نعمل العديد من البوسترات التي كنا نوزعها على الأماكن القريبة من المدن والقرى الملاصقة التي كنا نصل لها ليلا، وجميع البوسترات كانت من تصميم الشهيد محمد.
كما كنا نحرر التقارير العسكرية والسياسية الخاصة بنشاط السرية ونرسلها للإعلام المركزي، وغيرها من النشاطات، كالتنسيق مع المستشار السياسي للسرية وللفصائل لعمل ندوات سياسية في القرى التي نزورها كل يوم.

في إعلام الفوج الثالث: حيث المقر "كلي هصبة" أي وادي الخيول، وبعد عودتي للمقر طلب مني الرفيق إداري الفوج د سليم، العمل في الإعلام مع الرفيق الفقيد أبو شاكر، حيث كانت هنالك "شكفته" صغيرة لا تكفي لأكثر من رفيقين للمنام، فتم ترتيبها لتكون لنا، وبدأنا العمل بشكل بسيط، منها تهيئة النشرة الإخبارية اليومية والتي نعدها كل يوم وتقدم مع وجبة الغداء، حيث نختار رفيق لقراءتها للجميع بصوت جهوري.
بعد فترة جرت عدة تغييرات إدارية في الفوج، وتم تشكيل المكتب الإعلامي للفوج من جديد من عدة رفاق، منهم مسؤول المكتب الرفيق أبو حامد وهو خريج من الاتحاد السوفيتي متخصص بالأدب الروسي، والرفيق حليم وأنا، وقام المكتب بنشاط جميل خلال فترة عمله، فكان الرفيق حليم ضليعا باللغة العربية رغم كونه كسولاً جدا، ولا يستطع العيش دون التدخين، والذي لا يتوفر أحيانا بسهولة هنا في مقر الفوج الثالث في "كلي هصبة"، فتم الاستمرار بالنشرة الإخبارية اليومية، وصياغة التقارير العسكرية والسياسية، وعقد الندوات الثقافية والفكرية وحتى الفنية والإعداد للاحتفالات بأعياد الحزب أو إحياء المناسبات السياسية المختلفة كيوم الشهيد وعيد المرأة وثورة أكتوبر وعيد نوروز وغيرها بالتعاون مع الرفاق الآخرين، وكان هنالك نشاط فكري وثقافي وفني رائع، حتى تم تقديم أعمال مسرحية، منها مسرحية "تعالوا نقدم مسرحية" التي كنت أحد المشاركين فيها بدور الراوي وهي من تـليف واخراج الرفيق يوسف ابو الفوز وشارك فيها ثمانية من الانصار والنصيرات ، ولكن كان من أهم نشاطات المكتب الإعلامي هو إصدار مجلة "الخابور"، والتي أوكلت مهمة أعدادها لي فكنت مسؤولا عنها من الغلاف إلى الغلاف، لكن كانت مساهمة الجميع فيها، وهذا ما جعلها متميزة بين المجلات الدفترية الأنصارية، ولي مع هذه المجلة ذكريات كثيرة، فكان الأسم مشكلة فقد تم طرح عشرات الأسماء وتم مناقشتها مع العديد من الرفاق لحين أستقر الرأي على أسمها "الخابور"، كانت تمتاز بجمالية الإخراج والخط والتصميم وجدية المواضيع.

وسبب جمالية الإخراج والتصميم يعود لرفاق رائعين وهم الشهيد الفنان أبو آيار والذي كنت أستغل تواجده لزيارتنا بين فترة وأخرى ليقوم بعمل تخطيطاته الرائعة، والرفيق الفقيد الخطاط يوسف برواري، وهو خطاط محترف، كان لتخطيطاته للغلاف وللمانشيتات يجعل المجلة بمصاف أروع المجلات، أما الغلاف الأول للمجلة والذي بقيّ ثابتا لكل الأعداد فقد صممه الفنان الرائع أبو حنان، وأتذكر جيدا لوحة نصير تقف خلفه الشمس مع تخطيطات رائعة، وكان يساهم هو كذلك في التخطيطات الداخلية مع الفنان الرفيق أبو الحق والفنان الرفيق أبو فائز، والذين كنت أقف جنبهم لحين استكمال كل شيء، وكان العديد من الرفاق يساهم في الكتابة فيها، بالإضافة للرفيق أبو حامد وحليم وأنا، أتذكر منهم أبو نادية، والشاعر مازن والرفيق أبو الفوز والرفيق أبو واثق والرفيق أبو طريق والعديد من رفاق في المفارز، والرفيق آشتي الذي كان يكتب كعادته بأسلوب ساخر أحرجني مرة مع قيادة الفوج، حيث نشرت له قصة قصيرة، كانت فيها سخرية وكلمات خارجة عن المألوف، وطلبوا مني إزالة هذه القصة من العدد بعد أن تم إصداره، فرفضت وقلت لهم أذا أردتم أنتم مزقوه ولن أقوم أنا بذلك، وهناك رفاق آخرون كتبوا في المجلة، وقد أصدرنا ملحقا بالكردية وآخر باللغة السريانية يكتب فيها رفاق من أبناء الطائفة. كما كانت هنالك مادة طبية يحررها الرفيق الطبيب أبو تضامن.
وكنت أكتب المواد بخط يدي ويساعدني بعض الرفاق منهم مازن وربما رفاق آخرون لا أتذكرهم الآن، وكنا نعمل عدة نسخ من كل عدد يتم قراءتها من قبل الجميع.
وبعد فترة وصلت الرفيقة شهله إلى الفوج وهي تحمل شهادة الدكتوراه في الإعلام من جيكوسلوفاكيا، فانضمت إلى المكتب وكانت لها مساهمات جادة، واستفدنا من خبرتها كثيرا، خصوصا بما هو حرفي، وساهمت في إعداد المجلة وغيرها من النشاطات الإعلامية، ولا أنسى مساهمة الرفيق الشهيد أبو كريم في رفد الإعلام بالدفاتر والأقلام والأصباغ وكذلك شراء الأفلام وتوفير كاميرا حيث قمنا بتصوير العديد من النشاطات التي نقوم بها وتوثيقها، وكانت أحدى مهامنا هو توثيق العمل الأنصاري وحياة الأنصار، وصورنا مئات الصور الفوتوغرافية التي أرسلناها عبر مكتب الفوج إلى القاطع والى الحزب في الخارج ولا أعرف مصيرها حتى الآن؟!! حتى الصور الشخصية كانت أحيانا تحتكر من قبل قيادة الفوج.
كما كانت عندنا مكتبة فيها كتب منوعة ومهمة، في السياسة والأدب والثقافة العامة، وكتب فكرية، وكنت مسؤولا عنها كذلك، بل قمت بتجليد جميع الكتب، بالورق والنايلون، ويتم استعارة الكتب من قبل الرفاق من خلال سجل خاص بالمكتبة حفاظا على الكتب من الضياع، فقد كانت بالنسبة لنا ثروة لا تقدر بثمن. كما ساهمنا بكتابة بعض المواد الإذاعية وتم بثها من إذاعتنا من الإعلام المركزي.

في مقر قاطع بهدينان: بعد انتقالي لمقر القاطع، كان هنالك مكتب إعلامي فيه رفاق عديدون، ويسكنون في غرفة خاصة، منهم الرفيق أبو سعد وأبو هشام وآخرين، وكنت أتعاون معهم، أنا ورفاق آخرون منهم أبو سوزان وأبو نسرين والرفيقة سمر، فكانت من مهامي هناك المساهمة في إعداد النشرة اليومية من خلال الإنصات، وكذلك كتابة مواد ثقافية للمجلة التي كانت تطبع وتوزع وهي "نهج الأنصار". وكانت هنالك نشاطات ثقافية متنوعة وأمسيات فنية راقية كانت تدار من قبل مكتب الإعلام، منها أمسيات ثقافية وسياسية وحتى علمية واجتماعية، ولا أنسى أمسية الرفيق أبو الطيب حول أحدى قصصه القصيرة والتي أثارت النقاشات الأدبية، وتم تقديم بعض المسرحيات منها من إخراج الرفيق أبو عجو.

مقر الإعلام المركزي في لولان: بعد عودتي من العلاج في مدينة "أرومية" الإيرانية من آثار الضربة بالأسلحة الكيمياوية، تم تكليفي بالذهاب إلى الإعلام المركزي لمساعدة الرفاق هناك، وكان الإعلام المركزي عبارة عن خلية نحل نشطة تعمل ليلاً ونهاراً، كان يقود الإعلام حينها الرفيق أبو نادية "رضا الظاهر" ويعمل فيه أبرز الرفاق الإعلاميين، وكان الرفيق أبو نهران موجودا قبلي حيث نقل إلى الإعلام المركزي، وكان الرفاق أبو نيسان "مفيد الجزائري، أستيرا، قيس، بهار، وشاخوان ، أبو سامان، نوروز، زهير، الفقيد د أبو تانيا، أبو هادي، ليلى، جاسم المذيع، حسن بلبل، أبو محمد يماني، شلير وزوجها، والفقيدة رجاء الزنبوري وعبد الرزاق الصافي وعباس وأبو سهيل وعماد وأبو واثق المسرحي وشمال وكاروان وأبو قيس ورعد وأبو شهاب وأبو دجلة ومراد، ورفاق آخرون رائعون، لا أتذكر كل أسمائهم. وقد قام العديد من الرفاق القياديين بزيارة الإعلام المركزي، أتذكر منهم الرفيق كاظم حبيب، الرفيق أبو نبيل فخري كريم، الرفيق أبو عادل، وقدموا العديد من المحاضرات الفكرية والثقافية والسياسية.
كانت مهمات الإعلام المركزي كثيرة، منها الإذاعة وبرنامجها، إصدار جريدة طريق الشعب، ونشرات حزبية وإعلامية وكراريس، بالإضافة إلى النشرة الإخبارية.

كان الجميع يعمل كفريق واحد، كان هنالك القسم الكردي، حيث يتم البث باللغتين العربية والكردية، وساهمت بأعداد الأخبار، وغيرها من الأعمال كالتنضيد وترتيب الجريدة، أو الكراريس وأعمال أخرى ناهيك عن الحراسات الليلية والطبخ، فالجميع يساهم بذلك وهذا في جميع المواقع، فالرفاق الإعلاميون يناضلون بالسلاح والكلمة الحرة. أستمر عملنا لحين بدأ الهجوم الهمجي المسمى بالأنفال وكذلك بالأسلحة الكيمياوية في آب 1988م، حيث تقرر إغلاق الإذاعة ودفنها والانسحاب من الموقع. وفعلا قمنا بفتح الأجهزة ونقلها إلى كلي غير معروف وتم عمل حفرة كبيرة ووضعنا الأجهزة فيها، من طابعات وأجهزة الإذاعة وغيرها. وتم انسحاب معظم الرفاق إلى الحدود الإيرانية، وبقيت مفارز خاصة تجوب جبال وسهوب كردستان، لتقوم بالاتصال والنشاط الإعلامي المباشر مع الجماهير.
من خلال هذه الصفحات البسيطة حاولت جاهدا استعراض سجل كبير من عملنا الإعلامي الذي لا يمكن عكسه بشكله الكامل ببساطة، في ظل ظروف وصعوبات غير طبيعية، وعدم توفر المستلزمات المطلوبة، بل كان التحدي وكان هنالك رفاق رائعون أتسموا بالبسالة والإبداع والعطاء الثر الذي لا ينضب.