المنبرالحر

الحقيقة لا تُحجب بغربال / د. علي الخالدي

لم تعد خلافات اﻷحزاب المتمسكة بنهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، مخفية في دهاليز مآربهم الذاتية والحزبية ، فقد خرجت عن دائرة اللياقة السياسية ، وبانت خلفياتها عبر المسموع والمقروء والمرئي ، ولم تعد مخفية خلف الكواليس ، وفيما بينهم ، لا بل أرتفعت نبرتها عاليا ، لا تأييدا وتبريكا للمظاهرات التي فجرت المدفون في نفوسهم ، وإنما تباكيا على ما سيفقدوه من إمتيازات ومناصب ، تمتعوا بها طيلة 13 عاما ، حارمين الشعب من أبسط شروط الحياة البسيطة ، فبدأوا يتوددون اليه ، ﻷمتصاص غضبه ، بإشهار تأييدهم لمطاليب المتظاهرين ، لعل وعسى ، أن يتواصل إستحواذهم على نصيب من الكعكعة العراقية ، ويبقون يمارسون نمط عيشتهم خارج النسق العام ، في اﻷماكن التي أبعدتهم عن سماع صراخ الثكلى المفجوعات بفقدان معيلهم ، والمهجرين بما إنتهكت كرامتهم ، وتحول ما كانوا يملكوه من ثروات منقولة وغير منقولة ، غنائم لقوى الظلام الداخلية والخارجية .
طيلة 13 عاما لم يستجيبوا لنداءات المرجعية الدينية ، ويقتنعوا بتحذيرات القوى الوطنية ، من أنتشار فايروس قلة المناعة الوطنية وضعف اﻷنتماء الوطني ، بين بعض المتحكمين بمسار العملية السياسية ، من منتهجي نهج المحاصصة الطائفية وأﻹثنية المقيت ، الذي بدأت أعراضه واضحة للقاصي والداني عبر فشلهم وفسادهم الذي أستشرى في اﻷجهزة اﻷمنية واﻹدارية.
لقد غير نمط العيش المرتفع والمرفه عن معيشة عامة الناس ،الذين أوصلوهم الى موقع القرار ، فغفوا على نشوة ما جيروه لمصالحهم الذاتية والحزبية من مردودات أسقاط الصنم وتناسوا مقومات معيشتهم السابقة ، سواء في الخارج ، أو الداخل .
لقد استخدموا براعتهم وتفننهم بالضرب على وتر الطائفية ، وخبرة ازدواجية اﻷفعال واﻷقوال واﻷنتماء الوطني ( الجنسية الثانية )، وإستطاعوا خلق تناقضات مختلفة الشكل والحجم بين مكونات شعبنا وخاصة العرقية منها ، دون أدنى إحساس بعذاب الضمير ، عند تنصلهم عن القضاء على موروثات النظام الدكتاتوري ، وتأمين حياة حرة كريمة للمواطنين . ومما زاد الطين بلة ، قيامهم بتعميق المآسي والويلات الموروثة ، وتوسيع دائرة محظورات التمدن و التحضر لمكونات شعبنا ، بتضييق مصادر الثقافة الجمعية للمجتمع ، وربطوها بمراسيم طائفية ومذهبية ، وبنكثت الوعود وبعدم أﻹيفاء بتعهداتهم .
منذ أن وضعت مقدرات البلد بأيديهم ، سدوا طريق وصول ذوي اﻷيادي البيضاء من وطني الداخل ، الى موقع القرار ، بالرغم من كونهم قد خاضوا المعركة الوطنية ضد اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية في جبال وسهول وأهوار العراق بروح وطنية عالية .
لقد إنكشفت أقنعة تدينهم الهامشي والفطري ، الذي سرعان ما سمح لهم بسرقة المال العام ، وحصر المواقع المسؤولة في الدولة ، بعناصر غير كفوءة ، وبالمقربين منهم ، الذين لا يملكون تاريخا نضاليا غير التصفيق وتشجيع ذوي المعتقدات الخرافية ، وتكذيب كل شيء . معتبرين فشلهم ، أحد نواميس ظواهر الحياة ، (وجل من لا يخطيء) ، لكن الجماهير لم تلمس سوى نتائج ما يسرقون .
إن هذه الظاهرة ليست بالجديدة ، فقد مثلت في العهود السابقة ظواهر مشابهة إستوعبت المقولة الفلسفية بين السبب والنتيجة ، لكن هذه المرة أعتبروا علاقة تطورها تاريخية ، ليس في تبني نهج المحاصصة المقيت فحسب ، وإنما اﻹبتعاد عن تبادل الآراء مع الآخرين ، المختلفين وإياهم في تصويب نتائج تلك الظواهر ، عبر مؤتمر وطني يضم من قارع الدكتاتورية ، وليس إلصاق التهم ، وإقناع الجماهير بتعليمات وقوانين ملزمة التقبل ، كما عكسته القوة المفرطة لفض أول مظاهرة شعبية بعد سقوط الصنم في 25 شباط عام 2011 ،(سقط فيها شهداء وجرحى)، وما تلا بعد ذلك من إعلان حزمة إجراءات تسويفية لينة مبنية على التوافق فيما بينهم أيضا ، لم يتحقق منها أي شيء ، فبقى نفس الطاس ونفس الحمام.
لقد حظيت إنتفاضة الجماهير الحالية ، بمباركة المرجعة الدينية ، وقوى شعبنا الوطنية ، رغم محاولات البعض ممن لا يروق لهم اﻹصلاح الحقيقي ، ليبقوه مراوحا في إعماق فراغ معرفتهم بمتطلبات المسألة الوطنية التائهة بين متاهات مآربهم الذاتية والحزبية ، فاضحين هشاشة حماية ماضيهم الشريف والنزيه الذي تخلوا عنه ، بدليل ريائهم كفاسدين ، مما يتطلب كنسهم من مراكز المسؤولية ، كون بقائهم فيها سيواصل تكاثر الحيتان والمافيات المستقوية بأحزاب وبميليشيات خارجة عن القانون ، حتى أنهم حولوا ملفات الفساد والفشل الى صفقات مساومة وتسقيط سياسي ، وشراء ذمم و إبتزاز ، وهم خارج المسؤولية ، متناسين أنه كان بوسعهم ، بحكم مسؤوليتهم الوطنية ، كشفها للشعب ، وبالقانون كان بإمكانهم إسترجاع ما نُهب من المال العام. .