المنبرالحر

سالفة شهريار / منور ناهض الخياط

( الى السيد رئيس الوزراء المحترم ..ألف عجب وعجب )
كان شهريار يتابع حديث شهرزاد بكل دهشة واستغراب. ما أن تصمت قليلا لالتقاط أنفاسها ، حتى يقول لها متلهفا : وبعد يا شهرزاد , وبعد .. هيا أكملي .. أكملي .
وسرعان ما تكمل شهرزاد حكايتها. وفي هذه المرة بدا صوتها حزينا وعلى نبراته بدا الأسى واضحا :
ــ عند ساعات الفجر الأولى يا مولاي تمكنوا من الوصول الى مستشفى يقال عنها (مستشفى الحلة الجراحي التعليمي).. ما أن دخلوا الى قسم الطوارئ حتى هيمن عليهم الذهول ، لم يصدقوا ما كانوا يشاهدون .. حيث كانت هناك قطة او قطتان تجولان في ردهة الطوارئ .. قال أحدهم :
ـــ ربما وزارة الصحة قد سمحت بمعالجة الحيوانات ايضا .. كل شيء جائز .. كل شيء جائز .
إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد يا مولاي فقد كان المرضى يحقنون بالإبر من دون تعقيم الموضع .. والأوساخ والنفايات قد ملأت المكان .. أسرة المرضى كان بعضها يحمل بقايا دماء.. والمرافق الصحية يا مولاي كانت بمنتهى القذارة. أما المجاري فقد كانت تلفظ محتوياتها.
عند ذاك قال الآخر : ربما وزارة الصحة أو رئاسة صحة بابل أرادت تطبيق نظام إخدم نفسك بنفسك .. أي على المرضى ومرافقيهم يقع عاتق تنظيف المستشفى .
كل تلك الأمور كانت كافية أن تزرع في نفوسهم الخوف على صحة مريضهم ، خاصة أنهم تذكروا حكاية الشاب الذي أصيب بجرح بسيط في قدمه ، الا أنه فارق الحياة على إثر حقنه بعبوة منتهية الصلاحية. بالطبع انها حكاية سمعوها ولا يستطيعون إثباتها ولا نفيها .. غير إن هنالك حالة أخرى هم متأكدون منها تماما , وهي أن الكثير من زارعي الكلية قد استلموا من مستشفى مرجان أدوية لم يبق على انتهاء صلاحيتها غير أيام قليلة .. هذه الأدوية يامولاي من المفترض أن تسد حاجتهم لشهر كامل .. كما أن أثمانها مرتفعة جدا في السوق ، والكثير من المرضى عاج?ين عن شرائها ، وهي بالنسبة لهم تعني حياة او موت .
عندها قال شهريار غاضبا : ــ العجب كيف يمكن للمرء ان يخوض الى هذا الحد في وحل القذارة والفساد؟
قالت شهرزاد متحسرة :
ـــ بالرغم من أن بعضهم يا مولاي يدعون دوما أنهم ملتزمون بما تُقرّه السماء .. ألا أنهم تناسوا الحديث الشريف ((النظافة من الإيمان )) .. ربما يا مولاي وعلى مبدأ الحداثة حولوا الحديث الى ((الفساد من الإيمان )).
وما أن صاح الديك حتى اعتقد شهريار بان شهرزاد ستسكت عن الكلام المباح .. غير ان شهرزاد كانت لديها رغبة عارمة في الاستمرار بالكلام .. عند ذاك قال شهريار :
ـــ عجبا يا شهرزاد أراك على غير عادتك .. فها هو الديك بصياحه يعلن قدوم الصباح ، إلا أنك مازلت تتحدثين ، فما الذي حدث يا شهرزاد ؟.
ردت شهرزاد بنبرة مليئة عزماً:
ـــ لقد أخذت عهدا على نفسي يا شهريار بأن لا اسكت بعد اليوم..