المنبرالحر

المتشائم والمتشائل* والمتفائل باﻹصلاح / د. علي الخالدي

لقد كشفت المظاهرات المطالبة باﻹصلاح ، عن حقيقة موقف بعض المسؤولين منه ، فمنهم من تشاءم لمجرد ذكره ، لدرايته بأنه سيضرب مصالحه و مصالح حزبه وكتلته ، خصوصا من جيء به من ذي الجنسية المزدوجة . الذي تتقاطع أجنداته مع اﻷهداف الوطنية لجماهير شعبنا ، حاملا معه نمط معيشة، تسوده الغطرسة والتعالي على تقاليدنا وعاداتنا العراقية ، محصنا ، في المنطقة الخضراء ، ومعزولا عن معايشة الحياة اليومية للجماهير التي مُنعت أن تدوس أقدامها تلك المنطقة ، والمحرومة من توفير أبسط شروط الحياة اليومية ، كالكهرباء والماء الصالح للشرب والطبابة ، وغيرها من الخدمات ، ليتراجع مستوى معيشتها الى مستوى افقر الدول .
وبحكم تنصيب هؤلاء في مواقع المسؤولية ، وخاصة الخدمية منها واﻷمنية ، أتيحت لهم فرصة نهب المال العام وإستغلال السحت الحرام ، فإغرقوا مؤسسات الدولة بالفساد والمحسوبية . بفذلكة نصرة هذه الطائفة وتلك ، وقاموا بتحشيد البسطاء من الناس حول شعارات طائفية ، بهرجوا بها المناسبات المذهبية والقومية ، خالقين أجواء لممارسة أجنداتهم المتماهية مع أجندات دول قريبة وبعيدة طامعة بثروات بلادنا . هاملين مس موروثات الدكتاتورية ، التي وعدوا بكنسها في مرحلة النضال ﻷسقاطها ، وبدلا من ذلك ، واصلوا تحويل ما نهبوه من المال العام ،الى بنوك أوطانهم الثانية ، دون إستثماره في الوطن ، وعملوا على كل ما من شأنه عرقلة أي إصلاح يصب في صالح الشعب ، تحقيقا لنياتهم التي كانت تهدف حرف العملية السياسية عن مسارها الصحيح ، وبالتالي سهل عليهم ذبحها وهي في المهد
أما المتشائلون* فقد كثر تواجدهم بعد إسقاط الصنم بين صفوف اﻷحزاب القائمة على موقع القرار وميليشياتها الوقحة . حيث شكلوا وسطا رخوا ،تَقَبل أجندات القادة االمتشائمين من مَن لبس عباءة المذهب والطائفية ، فبدأوا بحقن المتشائلين بمباديء وأطيعوا أولي اﻷمر ، وأنصر أخاك ظالما أو مظلوما ، محولينهم الى جماعات هامشية سلبية غير مبالية بما يجري ، ولسان حالهم يقول ، أنا شعليه مرتبي يأتيني ، وأنفذ أوامر لست مسؤولا عن إصدارها .
ان حذاقة المتشائمين في التلون ، وكيل الوعود البراقة ، أقنعت أعدادا غفيرة من المتشائلين فمنحوهم أﻷصوات التي أوصلتهم لقبة البرلمان ، لهذا الطرفان يعتبران اﻹصلاحات التي نادى بها رئيس الوزراء ، إجراءات ترقيعية ، لمعالجة تقشف الحكومة في المسائل المنظورة ، وترك غير المنظور منها سائبا دون معالجة ، ليبقى بحوزة ، المتنفذين من رؤساء الكتل واﻷحزاب.
أما فئة المتفائلين بالحياة الحرة الكريمة ، الذين قارعوا الدكتاتورية ، وأختلطت دماء الآلاف منهم ، في أهوار ومدن وجبال وسهول العراق ، من أجل الحياة الحرة الكريمة .( شهدت على ذلك المقابر الجماعية ). هؤلاء يشكلون اﻷغلبية العظى من المجتمع العراقي ، جذورهم مغروسة عميقا في تربته . ولكونهم كذلك ، إستمروا بمواصلة المساعي وبنفس الروح والحيوية التي قارعوا بها الدكتاتورية ، بالتظاهر من أجل جعل محاربة الفساد ، قضية وطنية تهم الجميع حتى يتحقق اﻹصلاح المنشود ، وبناء دولة القانون ، التي كان شعبنا يهدف لتحقيقها من وراء إسقاط الصنم ، لكن ذلك لم يرق للمتشائمين من اﻹصلاح ، فأوعزوا الى أدواتهم ، التصدي للتظاهرات على غرار ما حدث لمظاهرات 2011 ، فقاموا بأعمال فردية في إختطاف بعض الناشطين في مظاهرات 2015 و جرى تعذيبهم ، ظننا منهم أن تلك اﻷساليب ستكسر عزيمة المتظاهرين ،
إن نداء تأجيل التظاهر لما بعد أنقضاء أيام العيد جاء تلبية لنداء الضمير ومعبرا عن حكمة عقول لجان التنسيق ، لتستطيع جماهير شعبنا اﻹحتفال بالعيد ، ولولا إختطاف قوات عسكرية بلباس مدني أحد منسقي التظاهرات المناضل جلال الشحماني ، الذي عكر أجواء اﻷحتفال بالعيد ، وهيج المشاعر، فإستمر البعض في تظاهرهم حتى معرفة مصيره الذي لا زال مجهولا ، ومع هذا فالجماهير الشعبية مصممة على مواصلة التظاهر وطرح مطاليبهم المشروعة بزخم أعلى ، حتى يتحقق اﻹصلاح الحقيقي ويلمس على أرض الواقع
*
المتشائل (لا هو متفائل ولا متشائم أول) وصف أول من إستعمله الكاتب الفلسطيني أميل حبيبي ، ووجدته تعبيرا حيا عن مواقف البعض من اﻹصلاح.