المنبرالحر

الفراغات وراء الكوارث على كل اﻷصعدة/ د. علي الخالدي

المعروف ان الفراغات اذا تكونت بين الاشياء سواء في الطبيعة او في المجتمع ، حتى في السياسة تُحدث كوارث لا تُحمد عقباها ، شُوهدت في الماضي والحاضر وستحصل في المستقبل . وقد اشرت في مقالة سابقة الى خطورة هذه الفراغات على صعيد الطبيعة والمجتمعات والسياسة ،
فالفراغات أبتدأ تكوينها بين القائمين على الحكم ، والجماهير الشعبية منذ تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، كنظام تٌسَيَر به شؤون البلاد . وأخذت دائرتها بالإتساع ، عندما بدأت أطراف النظام المحاصصاتي تُجير ، وبشكل لا عودة فيه ، مكتسبات التغيير لصالح كتلها ، وأحزابها ، والمحسوبين عليها ، غير ملتفتين الى تحذيرات المراجع الدينية ، ونداءات حاملي الهم العراقي من القوى الوطنية و العلمانية ، من مغبة اﻷعتزاز بالنفس ، والإمعان في التمادي بنشوة نتائج اﻷنتخابات وتهميش قوى وطنية تصدت للدكتاتورية ، بكل الوسائل التي اتاحها غرور ما أسمته باﻷستحقاق اﻷنتخابي ،الذي جاء نتيجة دعم المرجعيات الدينية لحملاتهم اﻹنتخابية ، ظنا منها أن هذه اﻷحزاب التي إنتحلت مسميات إسلامية ستحقق مردودات التغيير ، وتصفي موروثات الدكتاتورية ، وتستجيب لمطاليب الشعب المشروعة في النهوض باﻹصلاح ورفع المعاناة الثقيلة الموروثة من اﻷنظمة السابقة ، وإنها لن تتمرد وتتطاول على المرجعيات الدينية ، وخاصة بعد إشتداد عودها بما ملكته من سلطة المال والسلاح ، وأحكمت سيطرتها على مراكز القرار ، نسيت أفضال المرجعية بقبول تشكيل حكومة طائفية ، واصلت خلق الفراغات ليس بينها وبين الشعب فحسب وإنما بين مكوناتها من اﻷحزاب الطائفية ، إنعكس ذلك بالتنابز والمنكافات ، بين أطرافها ، ومبتعدة عن كل ما من شأنه أن يؤدي الى الجلوس حول طاولة مستديرة تجمع كل القوى الوطنية لتدارس تدارك المنحدر الذي وضعت البلاد على سكته .
لقد بحت أصوات المنادين ، وأهملت دعوات المرجعيات الدينية العليا ، بضرورة سد ، كل ما يحدث من فراغات و هوة بين النظام والجماهير ، وحذرت مع القوى الوطنية وحاملي الهم العراقي من إضافة أزمات ، ومنغصات جديدة ، جوبهت باﻹستنكار في مظاهرات الشباب في الخامس والعشرين من شباط عام 2011 ، وبالمطالبة باﻹصلاح ، وإيقاف التدهور المأساوي على كافة اﻷصعدة ، وخاصة بعدما أحست ، بعدم إكتراث القائمين على النهج المحاصصاتي بتصفية موروثات الدكتاتورية ، وعجزهم عن التصدي للفساد المالي واﻷداري الذي تفشى في مفاصل الحكومة ، وتزايد إتساعه يوما عن يوم عموديا وأفقيا ، في أجواء تصاعد اﻹنفلات اﻷمني ، وعدم قدرة القائمين على الحكم حتى حماية المؤسسات الإصلاحية ، ومقراتها في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا ، باجهزة تفتقر للكفاءة والخبرة ، كما صرح القائمون على الحكم بذلك عند هجوم القاعدة على سجني ابو غريب والتاجي ، ملقين تبعية فشلهم في ايقاف نزيف الدم المتواصل على كاهل الشعب المغلوب على أمره ، حيث قوافل شهدائه وجرحاه في تصاعد مستمر على أيدي أعدائه ( في شهر رمضان أكثر من الف شهيد ، وأكثر من الفين وثلاثمائة جريح ) رغم اﻷموال الطائلة التي خصصت لقطاع اﻷمن ،
وعندما ينوب أبناؤه الشعب من الشباب ، ليرفعوا أصواتهم الجهورية ، بعد أن تيبست الكلمات في حناجر أبائهم ، تحزم أدوات النظام القمعية أحزمتها وتظهر شطرتها ، باﻹنتشار بكثافة في المداخل المؤدية لساحات تجمع المتظاهرين الشباب ، مهددين بتطبيق ، تعليمات وأوامر باستعمال القوة المفرطة بما فيها إطلاق النار لتفريق وأعتقال المتظاهرين بغية إفشال عزمهم ، والتصدي ﻷحياء نضالهم المطلبي مرة ثانية ،
. لقد دلت الوقائع على أن الشعارات التي رفعها الشباب تحوي في طياتها الشعور العالي بالمسؤولية تجاه مصالح الشعب المهضومة ، والتمسك بالمسار الوطني لتطوير العملية السياسية ، كما دلت على نضجهم وتنامي حسهم الوطني . فكل ما نادت به حناجرهم هو الحاجة الى نظام اجتماعي بعيد عن أس البلاء (نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ) ، يحميهم من عواقب الامور ، ينقذهم من وباء البطالة والحرمان ويقوم باﻹصلاح ، ويحسن من مستوى معيشة الجماهير ، باﻷستفادة من ميزانية البلاد التي وصلت الى أكثر من مئة مليار دولار ( نحسد عليها ) وباشاعة أجواء الديمقراطية اﻹجتماعية والديمقراطية السياسية لا قضمهما ، وكأنهما قشرة يمكن فصلها عن جسم الوطن ليبقى عاريا من أي مردود نشده الشعب من وراء التغيير ، في جو ساده صمت مطبق من قبل المسؤولين تجاه هذا الخرق الصارخ لمواد دستورنا .
فالنضال المطلبي الذي يقوم به الشباب ، أكدت الوقائع على سلميته واللافتات المرفوعة على مشروعيته ، وحياديته ، بإبتعاده عن ما يقربه من الحزبية ، والمحاصصة الطائفية . هدفه التخفيف عن معاناة الناس ، وتحقيق مطاليبهم المشروعة في الكهرباء والماء الصالح للشرب وبحصة تموينية تتماهى مفرداتها مع متطلبات الحياة اليومية لعامة الناس وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب ،
لقد أظهرت فعاليات التصدي للنضال المطلبي السلمي من قبل قوات اﻷمن ،بأن الديمقراطية تطبق بإنتقائية ،فتسمح لمتظاهرين برفع صور قادة دول جوار، وبحمايتها ، وتمنع الشباب من التنادي بشعارات وطنية ومطلبية عامة ، أجمع حتى المسؤولين على غيابها ، ستقود بالضرورة الى توسيع الهوة النظام والشعب ، وبالتالي تكوين فراغات ، تستغلها القوى اﻷرهابية والظلامية لتصعيد نشاطاتها اﻷجرامية ، وإرباك الوضع اﻷمني والسياسي ، وبالتالي إحداث كوارث وإحتقانات مأساوية تعرقل المساعي الرامية لتنفيذ مستحقات التغيير ، تنتهي بالموت السريري للعملية السياسية.