المنبرالحر

إنزل ،شارك بالمظاهرات حتى تسترد حقوقك المسروقة / د. علي الخالدي

لقد أكد المتظاهرون بأن تصميمهم وسلوكهم الحضاري في التظاهرات ، ما هو إلا تعبيرعن عدم رضاءهم بالشقاء وشظف العيش ليكون رفيقا لهم في حياتهم ، وعن رغبتهم تحقيق مسيرة تضحيات وعطاء من سبقوهم في نصرة الجماهير الفقيرة ، لا بكونهم ظل هذا الوقت فحسب ، وإنما النور الذي سيضيء طريق التغيير الحقيقي . ويضع حدا ﻹنتهاك حرمة الشهداء وعذابات المناضلين ، بحرمان الشعب من أبسط شروط الحياة الحرة الكريمة ، من قبل فاسدين وفاشلين ، نصبوا في مواقع صنع القرار بعد إسقاط الصنم . تشير المعطيات الى أن ذلك لم يتم ، لنصرة الجماهير التي عانت من الدكتاتورية في الداخل والخارج ، وإنما لمن لم يشارك في التصدي للصنم في الداخل ممن جيء بهم من الخارج ، إﻻ ما ندر . فما من شك أن بقاء هؤلاء مع رجالات النظام المقبور ممن إختارتهم الدول القريبة والبعيدة الذين يواصلون إحتلال مواقع هامة في السلطة ، هو لمواصلة نهج سوم الجماهير الفقيرة معاناة مستديمة ، وكأنما يُراد بذلك تنفيس روح اﻹنتقام من الوطنيين والعلمانيين ، الذين قارعوا اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية ، متبدئين بتشريع قوانين تعضد من قبضتهم ، وتحافظ على ما سلبوه من المال العام ، وما إستملكوه من ممتلكات الشعب ، في وقت داسوا فيه على مواد الدستور التي تنصف مكونات الشعب ، والتي سُنت بأيدهم لتعبر عن جزء بسيط حلمت به الجماهير من وراء التغيير . يُطبقون ما يشتهون ويُحَرمون ما يريدون ، بالضد من ما وعدوا به اثناء مقاومة النظام المقبور . لقد تناسوا كل ذلك ،في أجواء صمتهم أمام تدخل العامل الخارجي ودول الجوار في شؤوننا الداخلية . إستطاع هؤلاء أن يضموا الى صمتهم جمهرة من أنا شعلية ، دون اﻹفصاح عن رأي ينسجم مع ما يريده الشعب من إصلاح حقيقي ، فانطبقت على هؤلاء الصامتين مقولة الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ويعول الشعب على أنضمامهم للمنتظين في سوح التظاهر كي يزداد زخم إجبار المعنيين ، تطهير مواقع صنع القرار من الحيتان الكبار ،وردعهم عن التمادي في عدم إعادة ما سرقوه من المال العام ، وما تراكم من السحت الحرام بقانون من أين لك هذا.
إن اﻷغلبية العظمى من الصامتين هم من ضَمنَ دخله الشهري عبر عضويته في الميليشيات التي تجول في الشوارع وهي تحمل السلاح دون رادع ، ومن مئات الآلاف من حماية المتربعين على موقع القرار ، كون ارتزاقهم ثابت طالما بقيت اﻷوضاع على حالها ، وهذا من يقف وراء معاداتهم للمطالبين بالتغيير ، وهم لا يدركوا إن صمتهم وسلبيتهم ستكتسحها الجماهير ، كما إكتسحت اﻷنتهازيين وسارقي قوت الشعب في العهود السابقة وبالتالي سيطبق عليهم المثل العراقي لا حظت برجيله ولا خذت سيد علي . إن الطريق أمامهم مفتوحا للوقوف مع الجماهير المنتفضة ،والنزول الى الشارع وممارسة حقهم الذي كفله الدستور إسوة بالمتظاهرين الذين سيدخلون الجمعة الحادية عشر بزخم أعلى وبتواصل أشد دون ملل حتى يحق الحق وتكنس الحيتان الكبار والصغار من أجهزة الدولة ويتوقف التدخل الخارجي بشؤوننا الداخلية من القريب والبعيد.
كما أن تعرية المتظاهرين لما يجري من إعداد خطط خلف الكواليس لسيادة القطاع الخاص ، بإعتباره سيوصل للتنمية ولحرية السوق ، لكون هذا النهج قد تخلت عنه حتى بعض الدول الرأسمالية وأوقفت مسيرته ، وبصورة خاصة دول أوروبا الشرقية التي تعمل حكوماتها الى العودة لتنمية القطاع العام ، بإعادة شراء بعض الشركات التي بيعت للفطاع الخاص بعد تجربة فشله في تحريك تنميتها ، كما أن هناك مسألة يجب أن لا يتخلى عنها المتظاهرون هو المطالبة بإصلاح برامج التعليم ،الذي تدهور مؤساستيا وعلميا وإبتعد عن تبني أساليب البحث العلمي الحديثة.
إن الذين يفزعون من اﻹصلاح ومحاربة الفساد لم يهدأ لهم بال إلا بحرف المظاهرات عن سكتها التي سارت عليها ، منذ إنطلاقها في الخامس والعشرين من شباط عام 2011 . فهم يفتشون عن طرق تصنع اﻹحتكاك مع القوات اﻷمنية ، أو تشويه مآرب المتظاهرين ، برفع شعارات خارج سياقاتهم الوطنية ،وعلم غير العلم العراقي في الوقت الذي صاغوا مهمتهم اﻷساسية بالسعي لتحقيق حقوق الشعب المسروقة ، وتعزيز اﻹنتماء الوطني للعراق فحسب ، وهم يستشعرون أن وراء ذلك مخطط قد رسم مسبقا لهذا الغرض ، لذا فهم يستهجنون الحيد عن مسار التظاهرات ، إلا ما يتعلق بتعزيز اﻹنتماء للعراق فحسب.
فالدعوة الى النزول والمساهمة في التظاهرات لا يفتح الطريق أمام الوصول الى تحقيق إنجازات أقتصادية وسياسية هامة ، لصالح اﻷكثرية فحسب ، وإنما ستكثف إندفاع الجماهير ، وتَلفَهم نحو دعم القوات المسلحة التي تخوض معركة تحرير اﻷرض من دنس داعش ، وإسقاط اﻷفكار المتماهية معها، والقريبة من مضمونها جذريا ، وهذا ما تتطلبه مساهمة جماعية لكافة مكونات شعبنا ، مع كل الحريصين على مصالح الوطن والمدافعين عن القيم الحقيقية للرسالات السماوية عبر التظاهر و اﻹعتصام السلمي ، بأعتبارهما حقيين طبيعيين كفلهما الدستور.