المنبرالحر

ما يراد للعراق أن يكون / د. علي الخالدي

يعمل المتشددون اﻹسلاميون في المناطق التي يتواجدون فيها ، على نسف كل ما يمس تراث وثقافات الشعوب ، ولاسيما اﻹرث الثقافي والحضاري للمكونات العرقية غير المسلمة ،( سكانها اﻷصليين ) فهم باﻹضافة الى عدم أعارتهم أي إهتمام وعناية ، يستخدمون معاولهم لتدمير صروحها اﻷثرية و الحضارية ، حارمين اﻷجيال من متعة اﻹبتهار واﻷعتزاز بها ، ويقومون بإستنباط كل ما من شأنه عرقلة تطوير وتنمية ثقافة المكونات غير المسلمة ، بما فيه إيقاف الدعم المادي واللوجستي لحمايتها ، مما يعرض هذه الكنوز الثمينة ( اﻷرث الثقافي والحضاري ) للإهمال والضياع ، لتبقى الثقافة اﻹسلامية هي السائدة في الساحة . ولولا تمسك المراكز الدينية لتلك المكونات، وحرص وإعتزاز الوطنيين والعلمانيين بكنوز إرث شعوبهم التاريخية ، و المعاني الحضارية لثقافة تلك الكنوز لطواها النسيان ، بفعل القوانين والتعليمات المجحفة بخق المكونات العرقية ، التي يهدفون من ورائها الى التضييق على حركتها بين صفوف إتباعها على المستويين الوطني والشعبي ، والى الحد من إبراز مواقعها بين اﻷمم . و لكي لا يكون ذلك اﻷرث الثقافي والحضاري دلالة حضارية وطنية ،تنافس الثقافة اﻹسلامية ، يعمدون الى نسخ مناهج التعليم في أطار حدودها ، كما تفعل داعش حاليا في الموصل بتغيير مناهج التعليم ، بما ينسجم ومقولاتها الغير متماهية مع روح العصر ، وتكون هي السائدة في الساحة . توجه فكر وثقافة اﻷجيال الأحقة ، بما لا مناص من أسلمة جمعية للمجتمع ، بما يُغدق على ذلك من اموال الجزية التي تفرض على سكان المناطق التي تسيطر عليها من المال العام والسحت الحرام ، لبرهجة شعائرها الدينية والمذهبية ، وتصوير الحال بوحدانية أﻹسلام ، وفرضه باساليب ملتوية وبقوانين مجحفة تمنع إنتشار ديانات المكونات العرقية للشعوب ، وتُهضم حقوق مواطنتهم ، بممارسة شعائرهم وحقوقهم اﻹنسانية ، إلا في إﻷطر التي تفرضها القوانين التي يسنوها والتعليمات التي تصدرها القوى الظلامية من المتشددين اﻹسلاميين ، وإذا ما أضيف لذلك ما تقوم به أدواتهم من حجب وصول وسائل التواصل اﻷجتماعي الحديثة للناس عموما ، تصبح المسألة ذات ابعاد كارثية تمس التحضر والتقدم ومعايشة ما يجري في العالم ، كي يبقى الشعب و الوطن آخر الصف.
هناك بلدان إسلامية في منطقة الشرق اﻷوسط حدثت في قيادتها ما سمي بالقائد الطفرة ( الطفرة هو الحصول على غير المألوف ) مثل كمال أتاتورك في تركيا والحبيب بورقيبة في تونس وجمال عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في العراق ، لما وضعوه من مفاهيم إجتماعية تطورية ، وما تركوه من بصمات تحضرية بقيت تمارس من قبل شعوبهم ، حتى بعد وصول اﻹسلاميين لدفة الحكم . ولم يتم هذا بمعزل عن تملق وتزلف اﻷنظمة الشمولية والدكتاتوريات للثقافة اﻹسلامية ، بما أطلقوه من عنان ليمارس اﻹسلام السياسي ثقافته على المستوى الشعبي ، كما جرى ذلك في مصر وليبيا وسوريا ( في العراق الحملة اﻷيمانية ) ،عبر مساعدته في بناء الكثرة من المدارس والمراكز اﻹسلامية في بلدانهم ، التي تحولت الى منابر دينية سياسية ذات قوة متميزة في المجتمع . صاحبها شن حملة شعواء لمحاربة للأفكار اليسارية والعلمانية من قبل اﻷنظمة الدكتاتورية والشمولية ، والمراكز اﻹسلامية عل حد سواء ، ومع هذا بقت أفكار القادة الطفرة ، تؤكد حقيقة تماهي إنجازاتهم في الحياة اﻹجتماعية لشعوبهم ، بما راح اليه ونستون تشرشل عندما وصلت بريطانيا على حافة الهاوية أثناء الحرب العالمية الثانية مخاطبا شعبه … بعدأعوام سيلتفت شعبنا للوراء ، ويقول كان أجدادنا وراء ما وصلت اليه بريطانيا اليوم ،
تؤكد تلك الحقيقة اﻷنظمة المدنية في العالم ، فهي لا تجرد شعوبها من التغني واﻹفتخار بما تركه قادتها من تأريخ وإرث ثقافي حضاري فحسب ، بل تصبغها بطابع وطني عام ، و تدأب على تطويره وتنميته بما يتماهى والتطور الحضاري للبشرية جمعاء ، معطية له رسميا وشعبيا أهمية كبرى تفوق ما يعطى ﻷية مسالة أخرى ، فهناك شعوب في منطقة الشرق اﻷوسط تحتفل بأعيادها القومية رسميا وشعبيا ، بعطل تفوق المناسبات الدينية والمذهبية ، وهي لا تقوم ببهرجة المناسبات الدينية ، حتى لا تثير حفيظة الشركاء في الوطن من المكونات العرقية والمذهبية ، ولكي يتواصل إستذكارها من قبل اﻷجيال ، بإعتبارها كنوزاً تراثية وطنية عامة ، تستحق إفتخارهم وإعتزازهم بما خلفه أجدادهم من كنوز ثقافية حضارية ، تتسابق حكومات اﻷنظمة المدنية والمتحضرة للوصول اليها ، واﻹستحواذ عليها لتشاهدها شعوبها في متاحفها الشهيرة لزيادة معلوماتهم عن حضارة الشعوب . بينما تدمع عيون من يزورها من سكان شعوب تلك البلدان عند مشاهدتها ، ولسان حالهم يقول رب ضارة نافعة ، ومن ذلك اﻷرث الحضاري آثار أرض ما بين النهرين (العراق) ، الذي لا زالت آثاره وتراثه ، يهرب للخارج ، ومنه ما يباع الى هواة جمع التحف ، كما حصل قبل فترة من وقوع لوحات طينية إنجيلية عليها كتابات مسمارية سومرية ، بيد منظمة هوبي لوبي اﻷمريكي ،
فالدولة المدنية تنشر ثقافة اﻷعتزاز بالتراث ، وتحمل مسؤولية صيانته حتى بين صفوف اﻷطفال رابطة إياها بمفاهيم وطنية عامة ، وغارسة في نفوسهم اﻷحترام والتقدير ﻷجدادهم التي قاموا بصناعتها ، بينما تعمل التنظيمات اﻹسلامية المتطرفة ، على أقحام مفاهيم الثقافة والتعاليم اﻷسلامية في أفكارهم ( اﻷطفال )، بعيدا عن غرس الواجبات القومية والوطنية في فكرهم ، إلا في أطر طائفية وشرعية ، وتجنح القوى اﻹسلامية والسلفية ، الى الغرور والتعالي على مكونات الشعوب العرقية ، بكونهم خير أمة أخرجت للناس ،علاوة على تدمير ونسف أضخم التماثيل المحفورة في الجبال في أفغانستان ، ودفن ما يشير الى هذه الكنوز اﻷثرية التي تعطي صورة عن حياة الشعوب قبل آلاف السنين ، من قبل معاول داعش والنصرة في العراق وسوريا وليبيا ، باعتبارها رموزا بالية يجب أن تزال كما يدعون ، كون تواجدها يحد من إنتشار قيم التحضر والمدنية بين الناس ، وهذا ما لا يريدوه للأوطان التي يتحكموا بمصائرها.