- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 15 تشرين2/نوفمبر 2015 16:46
اثر ما حققته المظاهرات المطالبة بالإصلاح، برفعها وعي عشرات الآلاف من المواطنين و بالخصوص الشباب رجالاً و نساءً، و كسرها هالة القداسة لرموز سياسية و قوى متنفذة، و اشاعتها مفاهيم الدولة المدنية . . فإنها وضعت محاربة الفساد و فضح الفاسدين و الإصلاح و التغييرعلى جدول النشاط السياسي اليومي، بعد ان هزّت اسس البناء السياسي الطائفي التحاصصي، و اثبتت مجدداً اهمية دور الجماهير في التغيير السياسي و في الإنتصار على داعش الإجرامية، من خلال نشاطاتها التي تزيد الدعم للقوات المشتركة و تقود بالتالي الى نجاحاتها في معاركها العادلة.
كما انها صعّدت روح المواجهة و الدفاع عن حقوق الشعب و خاصة فئاته المسحوقة، الشعب الذي من جانبه احتضنها و اثبت بذلك بأن جوهر مواقفه لم يتغيّر، رغم محاولات الحكّام الظالمين لكسر شوكته بكل الطرق، اضافة الى انها كشفت الكثير من الحقائق المخفية، بالروح التي شحنت بها البلاد . رغم الإعتداءات المتواصلة على المتظاهرين من قوات نظامية و غيرها ممن لم يعرف انتماؤها الرسمي رغم وضوح من وراءها ؟؟
من ناحية اخرى، فإنها و بسبب نجاحها في فرض ازاحة نائب رئيس الوزراء و عدد من المحافظين و مسؤولين كبار في عدد من المحافظات و غيرهم، فإنها فعّلت و نشّطت الدور الرقابي لمجلس النواب الذي استأنف استجواب الوزراء بعد توقفه، و نشّطت النواب في ابداء آرائهم الصريحة بما يجري و بما يتكلفون به من الاعمال النيابية . .
حيث كشف نوّاب من كتل مختلفة في صحف و مقابلات و مواقع الكترونية و مواقع تواصل اجتماعي، كشفوا حقائق كثيرة عن الفساد المالي و الإداري و كيفية مواظبة احزاب حاكمة طائفية على تمويل ذاتها عبر ممثليها في الحكومة، الأمر الذي فتح ابواباً لاحدّ لها من بيع و شراء المناصب في المستويات المتنوعة، و كيف صار الإنتماء لهذه الأحزاب وسيلة لتحقيق ارباح انانية ضيّقة و ليس العمل لأجل الصالح العام، و كيف تثير تلك الأحزاب انواع الصراعات من اجل تلك الأرباح . . و كشفوا عن حقيقة رواتب رئيس الجمهورية و الوزراء و عن التبذير الهائل للكبار تحت انواع العناوين، و كشفوا عن عجز القضاء بماهيته و تركيبه و شخوصه.
وفي حين عبّرت الجماهير عن مطالباتها و انتظارها الحار لإجراءات سريعة لرئيس الوزراء العبادي بمعاقبة كبار المفسدين و اتخاذ اجراءات عملية بحقهم باحتجازهم و احالتهم الى الجهات المختصة و تنفيذ اقصى العقوبات بحقهم، تبيّن لها ان السيد العبادي يتحرك للإصلاح دون خطة و لا برنامج عمل و دون فريق عمل للقيام بالإصلاح، الأمر الذي تسبب بمراوحة خطوات الإصلاح في مكانها، رغم الدعم الكبير الذي تلقّاه السيد العبادي من المرجعية و الشعب و غالبية القوى العراقية ، اضافة الى الدعم الدولي . . و تسبب بإعطاء الفرصة لكبار الفاسدين في اعادة تنظيم صفوفهم لإفراغ الإصلاحات القليلة التي أُعلن عنها، و تقييدها.
و اثر المطالبات الشعبية بالإصلاح و تزايد المطالبات و التوضيحات عن الفساد المستشري، اعلنت هيئة النزاهة في تصريح لرئيسها السيد الياسري تناقلته وكالات الأنباء العراقية بعنوان " هيئة النزاهة تقر بعدم قدرتها على مواجهة آفة الفساد " (1) حيث اكّد ان الهيئة بوصفها مؤسسة من مؤسسات الدولة ( شابها ما شابها من النقص والقصور الذي شاب كثير من مؤسسات الدولة وعند مجيئنا الى الهيئة وجدنا صعوبات كثيرة في طريق الاصلاح اهمها هو الاستخفاف بانفاق المال العام وبطرق شتى) .
من جانب آخر نشرت مواقع عراقية (2) تصريحات قاضي محكمة الجرائم الإقتصادية في بغداد، بيّن فيها اضطرار محكمته الى اخلاء سبيل المتلاعبين بالإقتصاد الوطني مهما كانت خطورتهم !! لعدم وجود عقوبات رادعة في قانون حماية المستهلك، بل ان العقوبات التي توجد بحق المذنبين، تتراوح بين اطلاق سراح بكفالات او غرامات و عقوبات مخففة او لأغراض اعلامية (!)، و ينصح الجهات التنفيذية بالتركيز على العصابات النوعية سريعاً و عدم الإنشغال بالقضايا الثانوية، لأنه يفضي الى افلات كبار المجرمين من العقاب !
فيما اعلنت السلطة القضائية الأسبوع الماضي ، عن اصدارها العديد من مذكرات القبض بحق مسؤولين كبار في الدولة، الا ان القوات الامنية لم تنفذها، و بيّن المتحدّث الرسمي للقضاء السيد البيرقدار، بان ( القضاء العراقي اصدر العديد من الاحكام ومذكرات القبض بحق مسؤولين كبار في الدولة بغض النظر عن عناوينهم، الاّ ان القوات الامنية لم تنفذها، و ذلك يُعدّ خرقا للعدالة ولسيادة القانون) . .
مما تقدّم يرى خبراء ان الحقوق الشرعية (القانونية) و الملكية الفردية (3) كما عرّفها الدستور . . غير مصانة و لاتحميها قوانين في الواقع العملي، الأمر الذي ترك الأمور تجري على عواهنها و فاز بها صاحب القوة لااكثر، كما هو الحال في شرائع الغاب . . و يذهب آخرون الى ان (النزاهة) اصلا ابتدأت كمفوضية من الهيئات المستقلة و شكلت على عجل في زمن السفير بريمر و تحولت الى هيئة تسري فيها المحاصصة التي نخرتها و افقدتها قوتها في دورات حكم المالكي. وفي وضع شبه مشابه تشكّل القضاء على عجل من شخصيات غلب عليها كونهم عموماً من العهد السابق ثم جرى تعيينهم دون تدقيق كاف اعتمادا على سياسة (اوراق الكوتشينة)، التي اعتمدتها قوات الإحتلال في تحديد مجرمي النظام السابق.
و على ذلك و في الظروف الحرجة التي تمرّ بها البلاد من قتال داعش و انخفاض سعر النفط و خواء ميزانية الدولة تزداد المطالبات بمعاقبة كبار الفاسدين و الضرب على نشاطاتهم بيد من حديد على حد تعبير المرجعية العليا للسيد السيستاني، لإرجاع المبالغ الفلكية المسروقة بالنهب و الفساد، و المباشرة سريعاً بسنّ مجموعة تشريعات قانونية تتلاءم مع التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العراق و خاصة على صعيد المستهلك العراقي، و اعادة النظر في تركيب القضاء و النزاهة و توظيف المجرّبين و المؤهلين المعروفين بنزاهتهم و القادرين بالتالي على انجاز تلك المهام ومواجهة المذنبين مهما كانت صفاتهم.
و ايلاء الإهتمام الكبير بالحراك الشعبي و مظاهرات الإصلاح و السعي لإدامتها و حمايتها و معاقبة المذنبين، و العمل على تنفيذ مطالباتها التي تشكّل الأساس في بناء تعاون المواطنين مع الدولة في ضبط الفاسدين متلبسين . . من اجل تحقيق المزيد من الإنتصارات على داعش و لتحقيق مصالحة وطنية على اسس رصينة تقود البلاد نحو السلم و الإستقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نشر في 27 تشرين اول 2015
(2) بعنوان (نضطر لإخلاء سبيل أخطر المتلاعبين بالاقتصاد الوطني) 26 تشرين1/أكتوير 2015
(3) دع عنك حقوق الدولة و المشاريع و الشركات و الاستثمارات .