المنبرالحر

اﻷنظمة الشمولية وراء نشر الفكر السلفي / د. علي الخالدي

لقد أثبتت اﻷحداث في كل من تونس ومصر والعراق وليبيا ، واليمن ، أن هَمَ اﻹسلاميين الجدد السيطرة على مواقع القرار في حكومات ما بعد أسقاط اﻷنظمة الشمولية في تلك البلدان . و لا يقبلوا بأي تحالف مع اية قوة سياسية وطنية وعلمانية تشاطرهم في الحكم. لكونهم يدركون ان هذه القوى ستشكل حجر عثرة ، أمام تجيير ما توفره السلطة من قوة ومال وسلاح تُجير لخدمة مصالحهم الذاتية والحزبية ، واﻷطراف الخارجية التي مهدت لسبل إنفرادهم بالحكم . فتضيع عليهم فرص تحقيق أحلامهم ، بين دعوة اﻹلتزام بتنفيذ اﻷصلاحات وتقديم الخدمات للجماهير الفقيرة ، وبين المنطلقات والمشاريع الوطنية العامة التي تسعى لتحقيقها اﻷحزاب الوطنية.
لقد تعمدوا عدم اﻹصغاء لنداء العقل والحكمة والدراية ، فلم يستجيبوا الى الدعوات المخلصة التي تنادت بها القوى الوطنية من أجل دراسة مشتركة لمعالجة الخلل الذي أصاب العملية السياسية ، ووضع خطوات عملية ﻹيقاف البلد من الوقوع في الهاوية ، وتفادي الوصول الى ما هو عليه الآن ، نتيجة القصور والفشل الذي صاحب إنفرادهم بالحكم ، و مما زاد الطين بلة تقاسمهم كعكته (الحكم) ، بما يخدم نهب المال العام ، كل لصالح طائفته وحزبه ، فأضاعوا الوطن وهضموا حقوق الشعب . مما دفع القوى الوطنية وبصورة خاصة في تونس ومصر أن تواصل حفرها في صخرة منﻻ يريد أن يعطيها ، وإستطاع الشعبان التونسي والمصري ، بعد أن دقا الحديد وهو حار أن يسحبوا البساط من تحت أقدام القوى اﻷسلامية ، فحالوا دون تنفيذ مخططات اﻹنفراد بالحكم ، مستجيبين وهم صاغرون إلى الدعوة ﻹجراء إنتخابات ديمقراطية ، أنتجت مشاطرة كافة القوى الوطنية في تونس ، وتشكلت حكومة ، ضد التسلط والفساد ، تنهض بالخدمات للعموم الشعب ، بخبرة وكفاءة وطنية عامة ، بينما خذل تحرك الجيش مع الجماهير المنتفضة ، مطامح اﻷخوان في مصر ، بما كانوا يضمروه بحق حقوق اﻷنسان المصري.
أما في العراق فلازال الشعب العراقي يسعى بالخروج من مآسي وويلات النهج الطائفي للحكم ، بإتخاذ أجراءات فعلية لتغييرحقيقي يُصحح به مسار العملية السياسية ، نادت به جماهيره الشعب منذ 25 شباط 2010 ، بعد أن بانت عورة اﻷنفراد بالحكم الذي قادته طبقة برجوازية هجينة ، سرقت المال العام في أجواء الفشل والفساد ، الذي ساد كافة أجهزة الدولة.
لقد إستطاعت هذه الطبقة الهجينة ، بلف بسطاء الناس عندما لبست لباسا دينيا وزركشته بشعارات مذهبية و طائفية ، من أن نهج المحاصصة الطائفية وأﻹثنية الذي تبنوه ، لا يقود لنصرة هذه الطائفة وتلك فحسب ، وإنما سيُحدث طفرة نوعية في إسلوب حياة فقراء الشعب المزرية ،الموروثة من الدكتاتورية . بينما كشف الحقيقة عورة هذا النهج المقيت ، إذ سرعان ما تعمق الفقر وإتسعت مساحته ، وتحول نهج المحاصصة لدرع يحمي ظهور سراق المال العام والفاشلين في تقديم الخدمات المرجوة ، ناقلين الوطن الى تصدرالمواقع اﻷمامية في قائمة الدول الفاشلة في العالم ، ولسان حال جماهيره يصيح في الشوارع والساحات " بإسم الدين باكونا الحرامية "، لقد مارسوا موروثا سلوكيا سار عليه قادة اﻷنظمة الشمولية والدكتاتورية . باﻹلتصاق بكرسي الحكم ، وعدم تركه ، أو تصحيح مساره ليصب في خدمة المواطن ، وضمان حقوق اﻷجيال القادمة.
إن اﻹسلاميين الجدد لم يأتوا بأمر جديد ، غير تطبيق موروثات اﻷنظمة الشمولية والدكتاتورية ، في السلوك والممارسة ، و بذل كل ما في وسعهم الإنفراد بالسلطة ، متميزين عن قادة اﻷنظمة الشمولية ، ببهرجة الشعائر المذهبية والطائفية ، تزلفا وتملقا للدين، ولكن هذه الحذاقة بالتقرب من الدين أتخذت منحى آخر ، ألا هو سماح اﻷنظمة الشمولية بناء المدارس والمراكز الدينية اﻹسلامية ، ففي كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا ، أنشأوا آلاف المراكز ، وجدها اﻷخوان المسلمون والسلفيون ، فرصة سانحة لنشر تعاليم أفكارهم اﻹرهابية ، القائمة على نشرالحقد والكراهية لمكونات مجتمعاتهم العرقية وبصورة خاصة بين اﻷطفال ، بغية أسلمتها ، والحيلولة دون تحقيق ما نضج من شروط بناء مجتمعات مدنية ، تحقق العدالة اﻹجتماعية بين أوساط واسعة من جماهيرها ، فيقال في سوريا خلال عهد اﻷسد اﻷبن أنشأت آلاف المدارس والمراكز الدينية لتنهض بذات المهمة التي يدعون لتحقيقها السلفيون ، و جرى نفس اﻷمر في عهد مبارك وبن علي، والقذافي بينما قام دكتاتور العراق ، بشرعنة صحوته اﻹيمانية ، فتصاعد مد المتشددين اﻹسلاميين في تلك البلدان ، وبعد سقوط الدكتاتوريات إستفحل الفكر السلفي ، فيها ، وإستطاع الفكر اﻷسلامي المذهبي في مدن العراق ، أن يكتسب حرية الحركة بما خلقه من ميليشيات وقحة تحارب المكونات العرقية وتستولي على ممتلكاتها في مدن الوسط والجنوب ، وبصورة خاصة في الموصل نتيجة غض الطرف واللاأبالية التي سادت أوساط المسؤولين في تسهيل حركة داعش فيها ، مما سهل إحتلال داعش لها ، بالتزامن مع دعم وتشجيع ملوك النفط بواجهة أصبحت مرئية ، وفرت سهولة إستقطاب صياع شوارع الدول اﻷجنبية ، وإغرائهم بإمكانية تعاطي المخدرات والنكاح الجهادي ، وهم يحلمون بتحقق حلم إحياء دولة الخلافة في العراق وليبيا وسوريا ، وهذا ماكانت تستقرأه أمريكا ، وتسهر على تحقيقة بإعتباره سيوفر شروط تقسيم البلدان بسايس بيكو جديد.