- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 07 كانون1/ديسمبر 2015 11:39
في الأيام القليلة الماضية وصلت قافلة من قوات الجيش التركي إلى أطراف الموصل التي عدها العراقيون حكومة وشعبا بالأمر الخطير وانتهاكا صارخا لسيادة العراقية وحرمة أجوائه وأراضيه وكأن الأمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ العراق ، ومن هناك لابد من القول بأنه إذا كان هذا الاختراق هو الأكثر إثارة بسبب حساسية الوضع في المنطقة وطبيعة الصراع وتضارب المصالح ، فإن تركيا لم تتوقف عن انتهاك سيادة العراق منذ عقود طويلة ، وذلك بموافقة الحكومات العراقية المتعاقبة ، ففي عهد نظام صدام حسين تفاهم مع النظام التركي على بنود اتفاقية تسمح بدخول القوات التركية إلى الأجواء والأراضي العراقية لمسافة 20 كيلومترا ، وكانت تركيا تستغل هذه الاتفاقية لكي تذهب إلى أبعد من ذلك لملاحقة المسلحين "المتمردين الكورد" ، والمؤسف إن الفترة التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين وفرت إمكانيات أفضل للجيش التركي لاختراق الأجواء العراقية ودخول أراضيه وفق اتفاقيات جديدة غير معلنة بين النظام التركي وسلطات الإقليم أو الاستفادة من الاتفاقيات السابقة المذكورة في أعلاه ، حتى أسس النظام التركي عدة قواعد عسكرية لقواته في مناطق متفرقة من كوردستان .
وفي ظل الاعتداءات التركية تعرضت القرى الكوردية الحدودية وحتى تلك التي تقع في عمق كوردستان العراق لعمليات قصف متكررة أو اجتياح لأراضيها خلال هذه العقود الطويلة تحت ذريعة مطاردة مقاتلي PKK راح ضحيتها العديد من أبناء الشعب الكوردي وألحقت ببنية هذه المناطق الكثير من الأضرار دون أن تعترض على ذلك أية سلطة عراقية سواء في المركز أو في الإقليم ، والقوة الوحيدة التي تصدت للقوات المعتدية على الأجواء والأراضي العراقية هي قوات الأنصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي التي كانت تحتمي في المناطق الوعرة قرب الحدود التركية ، "راح ضحية أحدى المعارك مع الجندرمة التركية النصير الشيوعي أبو فكرت" .
فانتهاك السيادة العراقية وارد في كل وقت في ظل الظروف الحالية التي تتشرذم فيها القوى السياسية ويتوزع ولاءاتها إلى المحيط الإقليمي حسب انتماءاتها الطائفية ، ومما يؤسف له إن كل طرف من هذه الأطراف يحاول فرض إرادته في ظل عدم وجود إرادة عراقية مشتركة ، ولهذا يشعر المرء بالاشمئزاز إزاء التصريحات التي تدلي بها الأطراف المتنفذة في النظام العراقي الحالي بخصوص دخول القوات التركية إلى عمق الأراضي العراقية ، فالكل على علم بذلك والكل ليس لديه علم بذلك ، الكل يوقع الاتفاقات مع محيط الشر للتدخل في شؤون العراق ويقبض الثمن والكل يرفض انتهاك السيادة العراقية لأيهام الشعب العراقي .. إنها لعبة مقززة وقذرة ومكلفة .
وصول قوات تركية جديدة أو تعزيز قوات قديمة لها موجودة في الواقع بالقرب من مدينة الموصل تثير الكثير من المخاوف ومنها.
1- الأخبار التي تتسرب من هنا وهناك تؤكد احتمال بدء معركة تحرير الموصل بالتزامن مع التحركات الدولية والإقليمية والمحلية بشأن احتمال وجود تفاهمات حول مصير المنطقة وإعادة ترسيم حدودها بما فيها العراق كأن تكون هناك محاولة تحويل العراق إلى دولة لا مركزية تتمتع فيها الأقاليم بصلاحيات واسعة وهذا جيد ولكن المشكلة إنها ستكون قائمة على الأساس الطائفي والعرقي ، أو قيام دولة كوردية من قسميها الجنوبي والغربي ، وتحقيق أحدى هاتين النتيجتين أو الاثنتين معا تنهيان أية حاجة إلى وجود تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض وهذا أيضا جيد فإنه يأتي لصالح استقرار المنطقة، ولكن في هذه الحالة ستكون هناك حاجة بالنسبة إلى دول الشر لإنقاذ قادة التنظيم لاستخدامهم في أزمة أخرى وفي مكان آخر ، والقوات التركية يمكنها أن تلعب هذا الدور بحكم علاقة النظام التركي المتميزة مع داعش ودعمه لهذه المنظمة الإرهابية كما تؤكد ذلك الكثير من الحقائق التي تظهر هنا وهناك وخصوصا ما ظهر بفعل التدخل الروسي .
2- وجود قوات YPG وPKK في منطقة سنجار والتي لعبت الدور الأساسي في إنقاذ أهلها من ملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية أثناء غزوتها والمشاركة الفعالة في تحريرها ، تثير مخاوف أطراف عديدة منها كوردية ومنها تركية ، ولذلك ليس مستبعدا أن تلعب هذه القوات الواصلة إلى أطراف مدينة الموصل وتعزيزها بأعداد اكبر ، دورا أساسيا في محاولة طرد المقاتلين الكورد ، وإن حدث هذا فإنه إلى جانب العواقب الناجمة عن ذلك سيشكل الأمر خطرا جديا على المكون الأيزيدي الذي سيحارب في الخندقين المتقابلين المتحاربين بسبب ما لحق به من انقسام بعد 3 آب 2014 .
3- لا زالت تركيا طامعة بمدينة الموصل وتهتم جديا من أجل استعادتها ، لأنها تعتقد إنها أرض مستقطعة من إمبراطورتيها ولابد أن تكون في حضنها ، ففي ظل الحديث عن احتمال حدوث تغييرات على خارطة المنطقة تحلم تركيا أن يتحقق لها هذا الطموح الذي تنتظره منذ أمد طويل .
4- الأزمة الناشئة بين تركيا وروسيا بسبب الدور الروسي في سوريا الذي يتقاطع مع طموحات أردوغان ، هذه الأزمة التي وصلت إلى ذروتها بعد إسقاط الطائرة الروسية تدفع تركيا للبحث عن ما يسهل لها الحصول على دعم أصدقائها من حلف الناتو ، وفي هذه المسعى ربما تعتقد الإدارة التركية إن تدخلها الجديد في القضية العراقية سيثير الآخرين أي روسيا وإيران وسيشتد ويتعقد الصراع الذي سينجم عنه في النهاية أسبابا لوقوف دول حلف الناتو إلى جانبها ، للحفاظ على مكتسباتها من القضية السورية وتحقيق غيرها من القضية العراقية .