المنبرالحر

شجرة عيد ميلاد حزينة / د. علي الخالدي

للسنة الثانية يحتفل مسيحيو العراق وسوريا بعيد الميلاد المجيد ، والحزن يعصر قلوبهم ، والرعب يجتاح نفوسهم خشية هجوم من لا يروق تواجدهم له ، وبقية معتنقدي الديانة غير اﻹسلامية على أرض أجدادهم ، فبعد تعرضهم الى التهميش واﻹضطهاد ومصادرة حقوقهم القومية والوطنية ، على مدى عصور ، متخذة طابع السبي والخيار بين ترك دياناتهم أو حد السيف ، (تتواصل ليومنا هذا )، خاصة بعد تلاقح اﻷفكار المتشددة إسلاميا مع الفكر السلفي الذي أعد إنتشاره بصمت وهدوء في منطقة الشرق اﻷوسط ، وبتساهل اﻷنظمة الشمولية في المنطقة ، عبر ماسُمح ببناء مراكز دينية تنشر الفكر السلفي ، الذي يوعد المهووسون بالحور العين في الجنة ، بعد التكبير (الهتاف الله وأكبر) عند قتلهم اﻷبرياء من لا يدين بدينهم ، وخاصة بعد تهديم داعش للحدود بين سوريا والعراق ، وإعلان دولة الخلافة اﻹسلامية على اﻷراضي التي إحتلتها .
لقد تواصل مسلسل اضطهاد المسيحيين والصابئة المندائيين في الوسط والجنوب ، ليجبر ما تبقى منهم على الهجرة القسرية ، بينما جرى سبيهم واﻷيزيدين في كردستان العراق وسهل نينوى على يد داعش ، فهاموا على وجهوهم، يفترشون اﻷرض ويلتحفون السماء ، بعدخلو الكنائس من محط رجل للعديد منهم . دون تلقي بعضهم مساعدة حكومية ، تعينهم على تحمل مصاعب المعيشة اليومية ، وكوارث الطبيعة . في وقت ينشغل الكثير من المسؤولين بأمور لا تغني من جوع ، بإصدار قوانين وتعليمات تعرقل ممارسة من لا يدين باﻹسلام لشعائره الدينية وتهضم حقوقه الوطنية واﻹنسانية .
ففي سابقة يُراد بها التأكيد على أن دار السيد مأمونة ، أقدم مجلس النواب ، على نصب شجرة الميلاد في باحة المجلس وهو في عطلته الموسمية ، بينما امانة بغداد في حديقة الزوراء التي لا تُزار في الشتاء ، وأكْسيتا بحلتها المعتادة ، ومع هذا بقيتا وحيدتين بلفهما الحزن ، ويتسائلان عن غياب رفيقة العمر المغارة ، التي فيها شهد العالم ولادة سيدنا المسيح له كل المجد ، حيت بدون المغارة تفقد شجرة الميلاد هويتها ، إذ يعدا كالمعتاد سويتا . لكن المعنيين تناسوا المغارة التي توصف المكان الذي ولد سيدنا المسيح له كل المجد ، ﻷمر في نفس يعقوب (ﻷول مرة شجرة الميلاد بدون مغارة) ، علاوة على نصبهما في أماكن لا يتواجد بها من تثير إهتمامه ، و ىبصورة خاصة اﻷطفال ،
ومما صعد من إكتئآبهما ، وعمق من حزنهما ، هو تواصل تجاهل مطالبة من يحتفل في ظلهما ( المسيحيين )ومرجعياتهم الدينية ، والمدافعين عن حقوق اﻹنسان بإلغاء المادة 26/2 ، بعدم إلغاءها ، كونها تشكل إعتداءاً صارخاً على حقوق الطفولة ، حيث تقضي بأعتبار القاصر مسلما إذا اتخذ أحد الوالدين الديانة اﻷسلامية ديننا له ، ومما زاد الطين بلة . أن من أمر بنصب شجرة الميلاد ، و قام بقطع الشريط ، كان من ضمن الذين صوت عليها ، بعد الحصول على الضوء اﻷخضر من رؤساء الكتل ،كما أن خروج النواب المسيحيون من الجلسة إحتجاجا عليها لم يؤخذ بنظر اﻹعتبار . وكأن نصب الشجرة سيرضي ويفرح المعنين باﻷمر ، و سيدفع الظلم واﻷذى الذي لحق بهم جراء هذه المادة الجائرة ،والمنافية الكل القيم المدنية وللتحضر . وتعيد اﻹعتبار للمسيحيين ، وتخفف من ما يجري من إستيلاء على ممتلكاتهم ، وبصورة خاصة بيوتهم ، ليضطروا الى الهجرة حفاظا على حياتهم وأفراد عوائلهم ،في وقت الحكومة وجهازها اﻷمني ، لا تحرك ساكن ، وتيتخذ إجراءات تنصرهم وتضع حد للإستيلاء على مساكنهم من قبل ميليشيات تابعة ﻷحزاب إسلامية ، وكأن هذه الميليشيات مفوضة بإفراغ مناطق بغداد من المسيحيين .
لقد توجت هذه اﻷجراءات غير اﻹنسانية مؤخرا بمطالبة المسيحيات بالتحجب ، حيث علقت المطالبة بذلك مع صورة للسيدة العذراء على ابواب الكنائس وبعض الدوائر الرسمية (لا نعرف طبيعة اﻷجراء التالي في المستقبل ) تحث المسيحيات اﻷقتداء بالسيدة العذراء ، وكأن العذراء كانت محجبة . لم يدرك أصحاب هذه الدعوة القسرية بأن هذا وشاح كانت النساء يَرْتَديَنَهُ قبل ولادة سيدنا المسيح له كل المجد ، شأنهم شأن الرجال ، إذ لازالت بعض الشعوب من كلا الجنسين كالطوارق في شمال أفريقيا ، لا زالو يغطون رؤؤسهم أتقاءا من حرارة الشمس ،و ما تثيره العواصف من أتربة ، فهل هذا هو الحجاب الذي يفرض على النساء . أو يراد به أن يكون مؤشر على لدعوة على إجبار الناس بتطبيق الشريعة اﻹسلامية ، والفرض التدريجي ﻹشاعة مفهوم اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو أحد اركان المذهب السلفي
إن ما يطمح اليه المسيحيون والصابئة المندايون واﻷيزيديون ، هو أن يحصلوا على حقوقهم الوطنية التي نص عليها الدستور ، وأن لا يعاملوا كمواطنين من الدرجة الثانية ، في أرض حباها الله بنهرين يقسماها من الشمال الى الجنوب ، جعلا منها أرض خصبة ، وفي باطنها تكمن ، ثروات طبيعية كانت مطمح للغزاة والمحتلين . حاليا تتحول اغلب مناطقها ، الى صحراء جرداء ، بفعل ما تحجبه تركيا من حصة العراق المائية . وإذا ما أضيف دخولها العسكري في شمال العراق دون علم حكومتنا ، وما تقدمه من دعم لوجستي ومادي لداعش التي دنست أرضنا ، و عدم مبالات بعض القادة في النظام ، الذين لم يكتفوا بسرقة المال العام وإخلاء خزينة الدولة . تتوضح مبررات مد الحكومة العراقية يدها الى البنك الدولي والقبول بشروطه المجحفة . فإذرفوا ايها المسيحيون الدموع ، وأنتم تحتفلون بمولد سيدنا المسيح له كل المجد ، على الذين لا يدركوا ما يفعلون ، و ليبقى حلم العودة لدياركم في أذهانكم ، وساحة التحرير تنتظركم ، وإياها الغيارى على اﻹنتماء الوطني للمطالبة بإصلاح حقيقي يضمن حقوقكم وبقية مكونات شعبنا العراقي .
عيدكم مبارك ، يا من تلتزموا بتعاليم سيدنا المسيح له كل المجد ، في نشر المحبة والعدل والسلام بين الناس ، الرب معكم