المنبرالحر

الثقافة العراقية في أجواء ديمقراطية الطبقة البرجوازية الهجينة/ د. علي الخالدي

يعاني مثقفو الوطن من معوقات تُضيق مجال حركة مطالبتهم بالتغيير الحقيقي ، و تحد من حرية نشر ما يكتبوه في اﻹعلام الرسمي ، مما دفعهم إلى اﻹجادة في إستعمال لغة التورية المبطنة بمفردات كلمات قابلة للتفسير بإتجاهات مختلفة ، تفاديا للجهر بها صراحة، خشية أن يُطالها مقص اﻷعلام الرسمي ، وعلى هذا المنوال حذا حذوهم مثقفو الخارج ، فبدلا من أن يقتربوا أكثر من نصرة مظلومية زملائهم في الداخل ، وعدم تركهم يصارعون منفردين سطوة المعادين للكلمة الحرة ، من ممثلي البرجوازية الهجينة ، لجأ البعض مشاطرتهم (وأنا من ضمنهم ) إستعمال نفس اﻷسلوب في الكتابة عن أوضاع الوطن ، على الرغم من بعد مواقعهم عن محظورات ما يكتبون . ليأكدوا بأن أقلامهم تتماهي مع أقلام أشقائهم في الداخل، وبذلك إستطاعوا تفادي معوقات نشر ما يكتبوه إسوة بأخوتهم في الداخل
لقد أجمع الطرفان كما يبدو أن ﻻ تتعدى كتاباتهم اﻷطر، التي تدور ضمنها مسلمات الثقافة الرسمية ، وأن لا تبتعد عن مشروطية ما يحتاجه توطيد وتواصل فكر نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، الذي رعى ولادة الطبقة البرجوازية الهجينة وأشاع ديمقراطيتها الهشة التي ضمنت مصالحه العصية على التجاوز وخاصة بعد أن حصد هذه الديمقراطية العديد من رؤوس كتاب الثقافة الواقعية العراقية ، بما فيهم الصحفيون ، لمجرد تجاوزهم مقاسات فتح أبواب الفساد ، واﻹشارة إلى ما ظهر خلفها ، من تعرجات سبل حماية ممارسة حيتانه، مطالبين في الوقت نفسه ، بمحاسبتهم بشكل يمنع تواصل فسادهم ، وإسترداد ما نهبوه بقانون من أين لك هذا الذي يتردد القائمون على تشريعه ليومنا هذا والوطن يسير على سكة توصله للإفلاس ويكبل بالديون ، بينما تتراكم أموال سراق المال العام في الداخل والخارج ، وهم مستظلون بديمقراطيتهم الهشة ، التي نوعت أشكال الفساد والفشل بتنوع مهام الوزارات واﻹدارات ، بما كفل تناسبهما مع تناوب نفس الوجوه هنا وهناك ، تطبيقاً لمبدأ المشاركة في النهب ، على قاعدة مفاهيمهم للديمقراطية المبنية على التوافق بعيدا عن أحكام الدستور ، مما جعل مثقفي الوطن والخارج ، يبحثون في إلغاء معطيات الفراغ الذي تركه حجب مساهمة ذوي الحرص الوطني و اﻷيادي البيضاء الكفوءة المالكة لقدرة سد أبواب الفساد بوجه الطبقة البرجوازية الهجينة سداً محكما ، والتفرغ نحو تصعيد أساليب طرح المطالبات والدعوة للتغيير التي يقبلها الظرف الحالي ، مؤكدين على مسألة البحث عن وسائل أخرى ، تشخص وباء الفساد وثقافته ، وتعبئ الجماهير من كافة مكونات شعبنا ،لعلاجه ، حتى لا تتيه الجهود البناءة لبعض القوى الوطنية وتضيع في هوس الدعوة والمطالبة بتحقيق الوعود التي لم تعد مقبولة في هذا الزمان ، الذي يتطلب الولوج في جوهر جذور الفساد ، وفضح القائمين عليه من حملة الجنسية المزدوجة ، والذين قادوا الى تشكيل برجوازية هجينة من رحم اﻷحزاب اﻹسلامية ، وﻻ زالوا يحمون ديمومتها بمعية دول الجوار ، وكأن هناك إصرارا متواصلا من قبلهم لحجب نسائم الوطنية ، التي تهب في ساحات التظاهر وهي تهيئ الجماهير لعبور حدود معطيات مسؤولي الفساد ، التي تحرسها حماياتهم ، و ميليشياتهم السائبة ، ومن أوكلت لهم مهمة تطبيق نهج المحاصصة ، بشكل يطابق تنوع وجوه ومسميات تطبيقاته ، تواصلا مع تطبيق ديمقراطية طبقتهم الهجينة ، الموجهة لمعادات مصالح الجماهير ، وحماية رؤوس حيتان الفساد . مستغلين ما يتبجح به القائمون على مواقع القرار ، بعدم توفر اﻷمكانيات المادية لمد حياة المواطن بالزاد اليومي و الفكر الحضاري ، وهم الهاملون لإمكانيات لوجستية على الصعيدين الداخلي والخارجي، يستطيعون بها إسترجاع ما نهب وهرب الى الخارج كما تفعل بقية الدول . أن ذلك بالتأكيد سيقود الى قمع مخاطر التيئيس الذي يستهدف تحديدا منع تحقيق التغيير الحقيقي ، وسيحفز الجماهير ،ويلفها خلف المترددين لعبور المعوقات، ويعبئهم لمعركة التحرير والتغيير.
لقد أضحت المطالبات و إﻹنتقادات اللاذعة ، التي يتفوه بها المتظاهرون وما تنشره اﻷقلام الحرة في الوطن والخارج ، الى ما يشبه الضرب في طبل مخروم ، بالرغم من بعضها شكل إهانة واضحة ﻷصحاب القرار، لا يتقبلها اي مخلوق على وجه البسيطة. لو وجهت ﻷي سياسي في العالم ﻷعتزل السياسة أو أنتحر ، كما يحصل في العالم . بينما تُرْجع أوساط الطبقة البرجوازية الهجينة الحاكمة تلك اﻹهانات والشتائم ، الى ممارسة الجماهير لديمقراطيتها ، وليس ﻷنخفاض منسوب الكرامة الوطنية والشخصية ، التي فضلوا عليهما وفرة المغانم وشرعنة السرقات ، فأكسبتهم مناعة مستدامة ضد تأثير هجاء الجماهير وإنتقاداتهم اللاذعة.