المنبرالحر

وهم النمو في الاقتصاد العراقي / إبراهيم المشهداني

لسنين طوال وضعنا نحن المتابعين للشأن الاقتصادي في دائرة مغلقة من عملية تضليل إعلامي مخططة تروج إلى أن الاقتصاد العراقي معافى ولا يمكن لأية مخاطر أن تهدد بنيانه ما دامت نظرية اقتصاد السوق هي المهيمنة على دائرة الفكر الاقتصادي الحكومي، وهذا التيه الإعلامي المخادع كان القصد منه غض النظر عن حقيقة توجه الاقتصاد العراقي وسيره الحثيث نحو المجهول ما دام الأمل معقوداً على المنهج اللبرالي الاستهلاكي السائد من دون النظر إلى نتائجه الوخيمة .
فبعض الدراسات توقعت على إن معدل النمو في الاقتصاد العراقي للسنوات 2014 و 2015 سيصل إلى 10 في المئة من دون الإشارة إلى إن هذا المعدل مقتصر على قطاع النفط في الأغلب الأعم وما تنشره الصحافة الغربية والأمريكية لمثل هذه التقديرات وكان الهدف منه دفع البلدان المنتجة والمصدرة للنفط إلى المزيد من اجل تعظيم المخزون النفطي العالمي كي تصل النتائج إلى ما وصلت إليه أسعار النفط حاليا وأصبح العراق احد ضحايا هذا التهويل الإعلامي مرغماً، والدليل إن دراسة لوزارة التخطيط قد كشفت عن ان معدل النمو انخفض في عام 2015 من 9 في المئة إلى 4 في المئة بعد أن كان متوقعا إلى إن يصل إلى 10 في المئة معللة هذا الانخفاض في تقلص واردات النفط وتزايد الإنفاق العسكري .
إن السياسة الاقتصادية للدولة بعد التغيير في عام 2003 اعتمدت على نصائح صندوق النقد الدولي القائمة على منهجية اللبرالية الجديدة باعتبار إن السوق الحر مفتاح الحل لمعالجة الخلل في البنية الاقتصادية وأي انحراف في الاقتصاد فان عتلات الاقتصاد الحر كفيلة بإعادة التوازن، وهذا ما جعل الخرائط اللاحقة تركز على نظرية الخصخصة وهيكلة القطاع الحكومي وهذا بالضبط ما قاد إلى الاعتماد على الإبقاء على ريع النفط وإهمال القطاعات الاقتصادية الأخرى التي كان دورها هامشيا في الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يزيد عن 1,9 في المئة . ولا يزال بعض المسؤولين في الحكومة العراقية يمنون النفس بالاحتياطي البترولي الذي يصل إلى 140 مليارا وربما أكثر من ذلك حسب بعض التقديرات ، من اجل كف النظر عن المؤشرات الحقيقية في الاقتصاد العراقي والتي تبين اختلال الميزان التجاري وعجز كبير في الميزانية الاتحادية الذي يزيد على 25 تريليون دينار عراقي وارتفاع نسبة البطالة إلى 50 في المئة حسب تقديرات البنك الدولي من خلال تدهور سوق العمل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر حتى وصل إلى 70 في المئة عند مستوى الكفاف والى 30 في المئة تحت خط الفقر وارتفاع أسعار السلع والتضخم نتيجة لخفض الدعم الحكومي وانخفاض سعر صرف الدينار العراقي بالنسبة إلى الدولار .
وبناء على هذه المؤشرات فان الحكومة مطالبة ، أكثر من إي وقت مضى بمراجعة سياساتها الاقتصادية آخذةً في الاعتبار أن كل ما قيل من نظريات السوق وفق الليبرالية الجديدة لا تمتلك ناصية التقديس، وان الحلول ينبغي أن تكون عراقية ولدينا من الاقتصاديين والكفاءات ,ما يكفي لرسم سياسات عقلانية منطلقة من واقع الاقتصاد من خلال تحريك القطاعات الاقتصادية الإنتاجية كافة، العام والخاص والتعاوني والمختلط، وتفعيل التشريعات الحمائية وتحريك الطاقات البشرية والمادية وتوظيفها في إستراتيجية تنموية في أطار سياسة مالية ونقدية منسقة في ظل إدارة اقتصادية كفوءة ، ولكن ذلك يبقى مجرد هذيان ما لم تشن حملة حازمة لمكافحة الفساد والفاسدين تحت شعار( من أين لك هذا؟ ) وبعكسه فان أية عملية استثمار لا معنى لها في ظل استمرار هذا المرض الخبيث بل وستولد فسادا بأشكال مطورة !.