المنبرالحر

إشكالية الريع النفطي وأوهامه النفعية / ابراهيم المشهداني

يتميز الريع النفطي ،من دون شك ، بكثير من المواصفات التي تغري الحكومات والقوى السياسية القريبة منها لأنه ثروة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية تميزه عن بقية القطاعات الاقتصادية بسعة السوق ومرونة الطلب هذا من جهة ، وانه مصدر للتقدم والثراء فيما لو أحسن استغلاله بإدارة حصيفة تتميز برشاد العقل ورجاحة التدبير من جهة اخرى، لكنه بدل ذلك، يصبح مصدرا للبؤس والشقاء عند اساءة استخدامه .
والريع النفطي فوق هذا وذاك مصدر مالي سهل الكسب يمكن ان يتحقق على حساب المواطنين وضد مصلحتهم في الحاضر والمستقبل ويتحول في حال ضيق الافق الى معول لهدم أي تحول ديمقراطي وإيقاف مساراته حيث يمنح الحكومة قوة استثنائية ويكرس سلطتها ويدفعها من اجل مصالحها الذاتية الى التعتيم على ابواب وآلية الانفاق العام، وتغييب مؤشرات الشفافية كافة، فتشير الدراسات، الى ان مؤشر الشفافية يكون بحدود 18,9 في المئة إذا اخذنا بعين الاعتبار ان شفافية الموازنات المالية تنحصر بين( 0—100 ) وهذه النسبة تعبر عادة عن ممارسات ديكتاتورية في بعض الدول النفطية التي تتبع الأساليب القمعية لتعطيل حريات التعبير وكل اشكال الاحتجاج السلمي . ومن مظاهرها ان تلجأ السلطة الى اتباع سياسات خاطئة وعقيمة تتمثل في زيادة الرواتب والأجور بعيدا عن حسابات انتاجية العمل بهدف خلق كتلة بشرية مستهلكة وغير منتجة لتكون قوة انتخابية بطريقة انتهازية، وانتهاج سياسة دعم اقتصادي ينتج في نهاية الامر الى تشوهات في البنية الاقتصادية في مسعى خبيث الى صناعة تبعية اجتماعية للسلطة .
ومن بين مساوئ السياسية الريعية غير الرشيدة بناء قطاع خاص ضعيف الاداء وذي إسهامة منخفضة في الانتاج المحلي الاجمالي ويصبح بالتالي هامشيا ويتركز في الغالب في المجالات التجارية والخدمية ومحدودا في قطاع الصناعة رغم اهميتها في بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة ايجاد سوق عمل نشيطة وفعالة .
ان التدفقات النقدية الهائلة المتأتية من الريع النفطي، حيث وصل سعر البرميل من النفط الى 120 دولارا عام 2013 ،تؤدي في ظل حكومة متسلطة باحثة عن شراء الناس عن طريق التعيين في القطاعات غير المنتجة، الى تشكل طبقة طفيلية نهابة خارج دائرة الانتاج وعناصره ، وابرز ملامح هذه السياسة التعبوية ظهور الفساد بنطاق واسع ومتغول عبر عملية سرقة بوضح النهار وهدر للمال العام وتحوله الى نظام مؤسسي بما يؤدي في التحليل النهائي الى تحطيم الدولة التي لم يكتمل تشكيلها اصلا .
ان فلسفة الحكومات المتتابعة ، قائمة بشكل عام على ان تكون نسبة إسهام النفط 50 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وان تكون نسبة إسهامته في تمويل الموازنات السنوية 92 في المئة وان تكون نسبة إسهام القطاع الحكومي في الناتج المحلي الاجمالي 70 في المئة زادت هذه النسب او قلت فأنها تدور حول هذا المستوى . ومن اجل ان لا يتحول الريع النفطي الى مصدر للبؤس والشقاء يتعين ان تتبع الحكومة منهجا جديدا مغايرا لما كان يجري من خلال :
• قيامها بإشباع الحاجات الاساسية للمواطن عبر تقديمها الافضل من الخدمات الصحية ولتعليمية والسكن والبيئة النقية والتشغيل عبر تفعيل سوق العمالة بوجهة تقليص البطالة الى اقل نسبة ينتجها اقتصاد متوازن .
• وضع القوانين والتشريعات التي تؤمن توزيع الثروة المتأتية من الريع النفطي بشكل عادل وإنشاء صندوق يمول من ايرادات النفط لضمان حياة مطمئنة للأجيال الحالية والقادمة .
• تحقيق الامن والأمان للمواطن وحمايته من الارهاب والجريمة المنظمة وحصر السلاح في يد الدولة فقط واعتقد جازما ان هذا غير ممكن من دون المنع الكلي والمطلق للجماعات المسلحة ايا كانت عناوينها وولاءاتها السياسية .
• توزيع الموارد المالية النفطية في القطاعات السلعية وتنميتها لايجاد مصادر تمويل جديدة ومواجهة المخاطر الناجمة عن هبوط اسعار النفط كنهج ثابت .