المنبرالحر

الشعب يصرخ وحكم التاريخ لا يرحم / فلاح أمين الرهيمي

إن أية ظاهرة لا تظهر إلى الوجود إلا وتكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل. وهذه الأسباب والعوامل التي خلقت الظاهرة يجب أن تؤدي إلى نتائج، وظاهرة الحراك الجماهيري الواسع التي مضت عليها عدة أشهر وما زالت مستمرة وبعنفوان حتى تحقيق وتلبية النتائج التي أفرزتها أسباب وعوامل سلبية وتعمقت وتراكمت نتيجة الإهمال وعدم المبالاة بحقوق الشعب مدة ثلاثة عشر عاماً حسب القاعدة (إن التأخر في إنجاز الإيجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات).
إن من أركان الديمقراطية الأساسية التي كفلها الدستور العراقي، حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي والانتخابات الحرة النزيهة. وبما أن السلطة التنفيذية جاءت وفق قاعدة الأكثرية البرلمانية، وكما أن البرلمان جاء عن طريق الانتخابات والذي يعد المعبر والمدافع عن حقوق الشعب ومصالحه لأن الشعب هو الذي جاء بهم إلى قبة البرلمان، فهذا يعني أن الحكومة يجب أن تترجم مصالح الشعب بإخلاص وأمانة ونكران ذات.
إن التظاهر هو عملية احتجاج سلمي يقوم بها الشعب ضد أعمال وتصرفات تتنافى مع مصالحه وأمانيه وقد كفلها له الدستور العراقي للتعبير عن عدم رضاه ويأسه وإحباطه من أداء السلطة التنفيذية.
إن هذا الحراك الجماهيري الواسع الذي استمر منذ عدة أشهر تقف السلطة التنفيذية أمامه موقف الصمت واللامبالاة وفي بعض الأحيان استعملت وسائل عنيفة ضده بينما المفروض والمعول عليها حسب مفهوم الديمقراطية الذي أوصلها إلى هذا المركز في السلطة الحوار والاستماع إلى المتظاهرين المحتجين على الفساد الإداري وعلى السراق والمتجاوزين على المال العام والإهمال في الخدمات والعدالة الاجتماعية وغيرها من المطالب المشروعة والذي سبق للسلطة التنفيذية الممثلة بالسيد رئيس الوزراء أن وعدت بتنفيذها جميعاً ولعدم تنفيذ السلطة بوعودها استعملت جماهير الشعب حقها التي ضمنه لها الدستور واضطرت إلى الاحتجاج عن طريق التظاهرات السلمية التي عمت العراق قاطبة. بالرغم من دعم ومساندة وتأييد المرجعية الدينية في العراق وجماهير الشعب العراقي لتصريحات ووعود السيد رئيس الوزراء.
إن العراق ومستقبل أجياله القادمة ضاعت منه فرصة ذهبية نادرة بسبب الفساد الإداري عندما أصبح برميل النفط بسعر (150 دولار). كان المؤمل والمفروض من السلطة التنفيذية استغلال هذه الفرصة وإنشاء وبناء المصانع والمشاريع الإنتاجية واستصلاح الأراضي الزراعية وتنمية وتشجيع الاقتصاد الوطني العراقي والتنمية البشرية والصناعية، وإعمار ما هدمه الأمريكان في البنية التحتية ومشاريع الخدمات بعد احتلالهم العراق عام 2003 (فسرحوا الجيش العراقي وقوى الأمن الداخلي فسبيت وعمت الفوضى الهدامة وليست البناءة كما يدعي الأمريكان مدن العراق بالنهب والسلب والخطف للبيوت ومؤسسات الدولة ومتاحفها وأصبح الإنسان العراقي يدافع عن ماله وعرضه بنفسه ضد اللصوص والمافيات المنظمة وكان رجال المارينز من على دباباتهم يتفرجون ولا يحركون ساكنا ..!! كما أصبحت الحدود منفلتة من دون رقيب وحسيب لمن هب ودب، فدخل العراق مئات الإرهابيين وكأنهم على موعد مع الأحداث ..!!. إضافة إلى دخول الآلاف من السلع والبضائع المختلفة من السيارات المستهلكة (من مقبرة الأموات) إلى الثلاجات والطباخات والمكيفات والملابس والمواد الغذائية وغيرها التالفة والرديئة الصناعة من قبل مافيات منظمة وكأنهم أيضاً على موعد مع الأحداث ..!! فذهبت وهدرت عشرات المليارات من الدولارات لهذه البضائع والسلع الرديئة. ولما كانت الصناعة الوطنية لا تستطيع منافسة تلك السلع والبضائع المستوردة على الرغم من رداءتها مما أدى إلى كساد الصناعة الوطنية وإفلاس أصحابها أو تهريبهم رأس المال إلى خارج العراق مما أدى إلى أن تصبح الأسواق العراقية مغرقة ومحتكرة من قبل السلع والبضائع الأجنبية وأصبح العراق دولة ريعية يعتمد على عائدات النفط والضرائب التي تجبى من المواطنين، كما أصبح الشعب العراقي استهلاكياً وليس منتجاً يعتمد في غذائه وحاجياته على ما يستورد من خارج العراق).
إن الفترة التي امتدت من سقوط النظام السابق والاحتلال الأمريكي للعراق عام / 2003 حتى يومنا هذا عام / 2016 أفرزت سلبيات كثيرة لم تجد حلولاً لها فأصبحت متراكمة ومزمنة، تلك التي كان سببها المحاصصة الطائفية والفئوية مما أدى إلى أن تستغل داعش التي استبدلت منظمة القاعدة هذه السلبيات التي خلقت التذمر واليأس والإحباط فاحتلت مدن وأراضي واسعة من العراق مما جعل الساحة العراقية مسرحاً للصراع بين دول الجوار وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلهم في الشؤون الداخلية العراقية !!
فأصبح أكثرية الشعب العراقي لا حول لهم ولا قوة يعيشون تحت كابوس الفقر والبطالة والخوف والقلق والإرهاب والتهجير القسري فاضطر ملايين العراقيين إلى مغادرة وطنهم والبحث عن الأمن والاستقرار والاطمئنان ولقمة العيش في أرض الله الواسعة وقد أدت هذه المغامرة إلى ابتلاع البحر الأبيض المتوسط المئات منهم غرقاً وتبرعت الدول التي عثرت على جثث الأموات بدفنهم في أراضيها ..!!
إن الحراك الجماهيري الواسع للشعب العراقي له أسبابه ومبرراته حينما انفجر في تظاهرات واسعة منذ شهر تموز/ 2015 حتى الآن احتجاجاً ومتسائلاً عن المليارات من الدولارات التي حصل عليها العراق من عائدات النفط والتي لم تصرف على المشاريع والخدمات وإشباع بطون الجياع واستحوذت عليها المافيات في الدولة من دون رادع من ضمير.
إن الدستور يعتبر عقدا رضائيا بين الشعب والدولة التي نشأت وتكونت منذ وجود الإنسان في هذا الكون فأصبحت الدولة حلقة وصل بين الإنسان والطبيعة، فالدولة كانت تستغل الطبيعة لتوفير الغذاء والأمن والعمل والخدمات وغيرها إلى للإنسان وبالمقابل كان الإنسان يقدم التزامات وفرائض إلى الدولة فأصبحت للإنسان حقوق وعليه واجبات للدولة وكذلك أصبح للدولة حقوق على الشعب وعليها واجبات وأصبح أي خلل أو شحة أو تقصير في حياة الشعب تتحمل مسؤوليته الدولة إلى أن تطورت القوانين والدساتير فأصبحت بالشكل الذي نحن عليه الآن من حقوق وواجبات لكلا الطرفين (الدولة والشعب) ولما كانت العلاقة بينهما تقوم على الثقة والمصداقية والاحترام وإذا حدث خلل وتقصير من الدولة تجاه الشعب، يقوم الشعب بالاحتجاج وفق الحقوق التي منحه إياها الدستور بالتظاهر والتعبير والاحتجاج بالوسائل الإعلامية من أجل توصيل ما أصاب الشعب من خلل وتقصير من قبل الدولة الذي يجب عليها الاستماع واحترام رأي الشعب وتنفيذ مطالبه. من خلال هذه النبذة المختصرة عن واجبات والتزامات وحقوق الدولة وكذلك الشعب، يظهر بجلاء أن الحراك الجماهيري الذي استمر حوالي ستة أشهر على حق ويطالب بحقوقه المشروعة في ملكيته للأرض التي يعيش عليها وما تنتجه من زرع ومعادن، وغيرها وعدم التفريط والتغاضي عن حقوقه ومطالبه لأن حكم التاريخ لا يرحم حينما تستعرض الأجيال القادمة أمام منصته فيشاهد ما حدث من اغتصاب وابتزاز وعدم احترام وتفريط بحقوق الشعب فيذم هذا ويمدح ذاك. والشاعر يقول:
كل الأمور تزول عنك وتنتفى     إلا الثناء فإنه لك بـــــــــــــــاقٍ