المنبرالحر

في ذكرى «عروس الثورات»! / مرتضى عبد الحميد

كان العديد من الاحزاب والقوى القومية، وخصوصاً البعث، قد اعلنت عداءها مبكراً لـ «ثورة 14 تموز»، ولمن ساندها ودعمها بكل طاقته وجماهيره. فصبت جام غضبها على الشيوعيين وسائر الوطنيين، ليس بسبب رغبتها او هدفها المعلن في إلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة، كما زعمت في حينها، وانما لانها تضررت من سياسات الثورة وانجازاتها الاقتصادية – الاجتماعية، لا سيما بعد استقطابهم للاقطاعيين وغلاة الرجعيين، بسبب ضآلة حجمهم الجماهيري، وضعف تأثيرهم السياسي في الشارع العراقي (حسب رأي المؤرخ الكبير والمفكر حنا بطاطو)، وهم الذين كانوا يطمحون ان يكونوا بديلا عن الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي، كما ورد في مؤلفات عفلق وخاصة في كتابه (نقطة البداية).
ونظراً لهزالة فكرهم والتلفيق الواضح فيه، اعتمدوا العنف والتآمر وسيلتين رئيستين في إستراتيجيتهم لايجاد موطئ قدم شعبي لهم، وللوثوب الى السلطة بأية طريقة كانت. الامر الذي يفسر مجيئهم في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 بقطار امريكي كما صرح امينهم القطري (علي صالح السعدي). ومن لحظتها ادمنوا الركوب في القطارات الامريكية والبريطانية وعادوا الى السلطة من جديد في 17 تموز 1968.
وبفضلهم دخل العراق في نفق الانقلابات العسكرية والقسوة المفرطة والعنف الدموي، وصولاً الى جمهورية الخوف في زمن صدام حسين ووليدها المسخ داعش.
لقد اغتال هؤلاء البرابرة آلاف الشيوعيين والديمقراطيين، من خيرة بنات وابناء شعبنا العراقي، ومعهم قادة الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم، واعتقلوا وعذبوا ببشاعة تخجل منها حتى الضواري، عشرات الآلاف غيرهم، وحطموا اقتصاد البلد، وقيم شعبه الاجتماعية والاخلاقية، وعزلوا العراق عن العالم كله، ونسفوا كل منجزات ثورة تموز المجيدة، رداً لجميل من جاء بهم الى السلطة وتنفيذاً للاتفاق المبرم بينهم.
كان الهدف النهائي لما سمي بـ (عروس الثورات) هو تحطيم ارادة العراقيين وترويضهم، ليقبلوا بكل شيء حتى وإن كان وطناً تشيده الجماجم والدم على حدّ تعبير شويعرهم صالح مهدي عماش، فاسحين المجال للخرافة والجهل والفساد والطائفية أن تسود في المجتمع العراقي، وفي عملية تراكمية مخطط لها، ومبرمجة ضمن توقيتات زمنية، تدار عقارب ساعتها من وراء البحار والمحيطات.
وكان الأجدى والاجدر بالطبقة السياسية الحاكمة اليوم في العراق ان تدرس هذه التجربة المرّة بعمق وتستخلص منها الدروس والعبر والاستنتاجات الصائبة. وان توظفها في عملية اعادة بناء العراق على اسس ديمقراطية سليمة، وتشيد صرحاً تفخر به الاجيال، وتبرر به الادعاء بالوطنية والنزاهة والأعلمية التي انكشف زيفها في اول اختبار لها، بعد ان سلمها بريمر شؤون العراق لتحكم بذات الطريقة الشباطية، وإن اختلف الاسلوب وآليات العمل. بل واضافت من ابداعها الطائفية السياسية وما يتبعها من محاصصة قاتلة، جعلت من بلدنا عنواناً للفشل وسوء الادارة، ومن غالبية شعبنا مجرد نازحين ولاجئين وملايين تحت مستوى خط الفقر!
كفى ثرثرة ولغواً فارغاً، وكفى تعويلا على البراعة في الكذب والتزييف والخداع. والعيب كل العيب في ان يجعل المرء من نفسه، امتدادا لتراث «عروس الثورات».