المنبرالحر

ما الهدف من الدراسة المتأخرة للحسابات الختامية ؟ / ابراهيم المشهداني

في خطوة متأخرة جدا يناقش البرلمان العراقي في هذه الايام الحسابات الختامية لعام 2007 بعد مضي ثماني سنوات ، كاشفا عن خلل فاضح في كيفية الاستفادة من بياناتها المالية والاقتصادية بعد هذه الفترة الطويلة ،حيث كان من المفروض ان تكون دراسة الحسابات الختامية «وهي واحدة من ادوات دراسة وتحليل الموازنات في نفس السنة التي تعد فيها الموازنة العامة» ، وبيان وعلى نحو دقيق وشفاف ابواب الانفاق ومجالات الصرف طبقا لقانون الادارة المالية والدين العام انطلاقا من كونها اداة لمراجعة اداء السلطة التنفيذية وما تعهدت به السلطة التشريعية اي كونه اداة للرقابة وتقييم الأداء ودرجة الكفاءة والإنتاجية في القطاع الحكومي خاصة ما يتعلق بالمال العام وكل ذلك من اجل بناء مصدات فاعلة لعمليات الفساد وهدر المال العام من قبل قوى متربصة بالتدفقات المالية المتنامية المتأتية من تصدير النفط التي تعتمد عليها الموازنات السنوية وهو ما لم تتمكن السلطة التشريعية بعد هذا الوقت الطويل من كشف الفساد واتخاذ الاجراءات القانونية بحق مرتكبيه .
ان مناقشات الحسابات الختامية قد اظهرت خطورة ما سبق ان حذر منه الاقتصاديون من مغبة التمهل في انجاز الحسابات الختامية واعتبارها جزءا من ادوات تحليل الموازنات السنوية ، وهل صحيح ما قيل ان البرلمان كان ناجحا في كشف تفاصيل هذه الحسابات بعد ثماني سنوات من بينها ضياع 75 تريليون دينار لا يعرف مصيرها فضلا عن اكثر من خمسة تريليونات من السلف النقدية من دون وجود تخصيصات بقرارات خاصة من مجلس الوزراء وقتذاك ، كما لم تكشف تلك الحسابات عن مصير الفوائض النقدية المتراكمة من بين 2003—2007 والبالغة 52 تريليون واوجه التصرفات النقدية بشأنها وهل حقا ان النظام المحاسبي في العراق وتقاليد عمل ديوان الرقابة المالية بما فيه من كوادر حسابية مرموقة كانا عاجزين عن كشف هذه المبالغ الهائلة من الموارد المالية الوطنية .
وإذا كان مفهوما حصول الكثير من الخروق والمخالفات المالية التي سجلت على الكثير من الوزارات والجهات الحكومية غير المرتبطة بوزارة قد يكون بعضها ناتجا عن ضعف في الاداء المحاسبي وضعف في اداء الرقابة الداخلية للدوائر الحكومية يرافقها ضعف في الكفاءة الادارية وهذا امر طبيعي لما صاحب الجهاز الحكومي في ذلك الوقت من تسرب الكوادر الحسابية لأسباب سياسية وامنية والإتيان بعناصر تفتقر الى الخبرة والمؤهلات العلمية نتيجة معايير طارئة في التعيينات المتأتية من نظام المحاصصة سيئة الصيت. اذا كان كل ذلك مفهوما فمن غير المفهوم ضياع 75 تريليون او ما يعادل 70 مليار دولار في تلك الحقبة الزمنية التي كانت الموارد المالية قليلة قياس بالتدفقات الكبيرة بعد ارتفاع اسعار النفط وإذا اخذنا من هذه النتائج التي توصل اليها البرلمان كمقياس لحجم الهدر المالي في السنوات اللاحقة في ظل غياب الحسابات الختامية وعدم توقف البرلمان على ما قدم من هذه الحسابات في السنوات اللاحقة لتوضحت امامنا الصورة المروعة لحجم الفساد والهدر المالي التي تقدرها بعض مراكز الابحاث بما يزيد عن 300 مليار دولار . والسؤال الملح في هذا المجال يدور عن المسؤول عن هذا الفساد ؟؟ وما هو الموقف من الفاسدين التابعين للقوى السياسية المهيمنة التي يتحصن داخلها الفاسدون ؟ وقبل هذا وبعده الموقف من النظام الذي انتج مؤسسة الفساد ؟
لقد وضعت الحكومة الحالية في برنامجها الحكومي محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وإعادة الاموال المسروقة ولكن تحقيق هذا الهدف سيظل مرتبطا بالمنهج الاقتصادي العقلاني الذي يتعين ان تسير عليه والقدرة على توجيه مساراته على الارض وتفعيل منظومة الاجهزة الرقابية في ضبط حركته .ان الامر في نهاية المطاف كما نعتقد ، مرتبط عضويا بالحركة الاصلاحية الاقتصادية الاجتماعية الصاعدة وقواها الفاعلة .