المنبرالحر

المحامون الشباب وفرص العمل في العراق / أحمد فاضل المعموري

إن معاناة المحامين الشباب وعدم استقرار أوضاعهم المالية تحتاج الى اصلاح اداري وتنظيمي من قبل نقابة المحامين وليس فقط اطلاق الوعود الانتخابية من قبل النقابة وهي مسؤولة عن هذا الخلل والاهمال في الادارة ويجب تشخيص هذه المشاكل وايجاد الحلول السريعة للقضاء على المصاعب المهنية ومنها البطالة ، لان بقاءها بشكلها المشخص وغير المسيطر عليه من قبل النقابة سوف يؤدي الى فوضى اجتماعية، وهذه الشريحة المهمة من المحامين تنبع ضرورتها من استمراريتها وادامتها لعجلة الحياة القانونية في مسيرة (صوت المحامي) ،وهي تسعى جاهدة الى تقديم نموذج خلاق واثبات الذات الخاص بها في الحياة العملية من خلال الكفاح والطموح الذي يمثل حلم الشباب والتحدي الكبير .إن المحامين الشباب يصدمون بالواقع العملي المرير والمعاناة اليومية في ظل وجود جملة من المشاكل والازمات المستحكمة نتيجة سياسات واليات الادارة والتنظيم المهني والنقابي والتي تتحكم بمصير المحامين الشباب من دون تقديم المعالجات الحقيقية والبناءة .
عندما يرى المحامي أن هناك أخطاءً وأوضاعا تقوض حقوقه وأعماله وسوء الادارة في ظل وجود المحاباة وفي ظل وجود التبعية بالقرار النقابي وهو غير مناسب أو في غير صالح حركة واستمرارية عمل المحامي ويشعره بالإحباط والانكسار فانه حتما يشخص ويرفض وينتقد هذه القرارات وينتظر الحلول والمعالجات المناسبة من قبل القائمين على هذه المهنة والمتصدين للعمل النقابي المعارض لهذه السياسات، ان بقاء هذه المشاكل والعقد من دون حل أو معالجات وابعاد المسؤولية عن مجلس النقابة باعتبار المسؤولية من الاعلى الى الادنى وهي حتما مسؤولية مشتركة بالدرجة الاساس وليست مسؤولية فردية تقع على عاتق شخص واحد، بمعنى الكل شركاء في الرؤية والتصحيح والمعالجات من دون تمييز شخص عن شخص .
إن الحلول تحتاج الى تشخيص دقيق وصائب من دون الخوف من البوح او الجهر بها واعلام الجهة التي ترتكب الاخطاء وتحميلها المسؤولية عن كل خطأ يمارس من اجل الاستحواذ على مقدرات طاقات وإمكانات هذا الصرح، والغرض هو الوصول الى النتائج المرجوة وتحسين الواقع المعاشي وظروف العمل الذي يعاني منه المحامون الشباب، وجزء كبير من هذه المعاناة تتحملها الهيأة العامة نتيجة عدم تحمل المسؤولية وتراكم الاخطاء والابتعاد عن النقد البناء والمجاملة على حساب المصالح العامة، كلها ولدت نوعاً من انواع التراكمات في توليد حواجز من عدم الشعور بالمسؤولية الجماعية والاهتمام بالحقوق الخاصة وحقوق المهنة وحقوق المنتسبين نتيجة الفعاليات الشكلية والحلول الترقيعية والبرامج البعيدة عن الاهداف والتي لا تلبي طموح المحامين الشباب الثورية
اليوم وبعد مرور ثلاثة وثمانين عاما على تشكيل أول نقابة لمحامي العراق ومنذَ سنة 1933 في بغداد وتشريع أول قانون محاماة برقم (61) سنة 1933وكان عدد المحامين لا يتعدى مائة محامٍ واستمرت مهنة الأحرار بالحياة والتطور والازدهار على الرغم من الأوضاع الاجتماعية السائدة، ولكنها لم تصل الى هذه المرحلة من مراحل البطالة والكساد في ظل التوسع بالتعليم العالي بشكل عمودي والتوسع في الدراسات القانونية الصباحية والمسائية والجامعات الاهلية وبالتالي فإن زيادة اعداد المحامين الشباب ولدت جملة من المشاكل الإدارية والتنظيمية وهي تحتاج الى معالجات آنية وسريعة للمحافظة على المهنة من انظمة وتعليمات لاستيعاب القدرات الشبابية لكي تلعب دورها الرائد والضروري في حياة المجتمع العراقي .
عندما نأخذ حلقات الإدارة بين نقابة المحامين وغرف الانتداب في المحاكم العراقية تبرز هيئات الانتداب كدور مهم في مسيرة الوسيط النقابي والاداري، وتسيير شؤون المحاكم والمحامين باعتبارها حلقات وصل بين القضاء والمحامين لإتمام اعمال الانتداب في محاكم التحقيق ومحاكم الجنايات أو الخبراء القضائيين، أو تقديم خبراء للقسامات الشرعية أو القسامات النظامية وهي اعمال يومية مهمة لاستمرارية الاداء القضائي في المحاكم والذي لا يجري بشكل عادل ومتساوٍ مع كل المحامين في غرف الانتداب .أن اهمية استقرار اجور الخبرة والانتداب في الدعاوى التي تؤمن الموارد المالية للمحامين الشباب من خلال الاعمال اليومية المستمرة ضرورية لهذه الموارد .
وتنبع أهمية دور المحامي من أهميته كأحد أهم الإجراءات القضائية، ولا بد من وجود محامٍ منتدب في محاكم الجنح أو محامٍ منتدب في محاكم الجنايات لإتمام الاجراءات القضائية العادلة وتسيير شؤون هذه المحاكم اليومية، ولكن المحامي يقدم الواجب الوظيفي من دون المطالبة بالحقوق بسب عدم صرف ومتابعة اجور الانتداب في هذه المحاكم والاجراءات المعقدة، ونخلص بالنتيجة الى تركها لعدم جدية الادارة في حسم هذه الاجراءات المطولة والمعقدة ،وهناك مشكلة اخرى في عدم وجود العدالة والمساواة في هذه الاعمال حيث يتحكم في هذه الاعمال عشرة في المئة فقط من مجموع المحامين، والتسعون في المئة من المحامين هم عاطلون عن العمل بحكم الواقع، ولجملة اسباب منها تنظيمية تحتكر من قبل منتدبي هيئات غرف الانتداب أو اعضاء الانتداب في المحاكم وهم يسيرون اعمال المحاكم ويحتكرون اغلب هذه الاعمال بحكم الامر الواقع ويتم تعيين هؤلاء من قبل نقابة المحامين العراقيين مباشرة من دون انتخابات او أخذ رأي الاغلبية من المحامين في غرف الانتداب، وهذا ينعكس سلباً على حقوق باقي المحامين المنتمين والذين يريدون الاستمرار والتطور بالمهنة والعيش بكرامة ويمارسون اعمالهم بالحق والمساواة وتطبيق العدالة على الجميع .
أن مهنة المحاماة اصبحت مهنة صعبة تمارس من قبل السماسرة والمعقبين والدلالين والخبراء من غير المحامين والموظفين والضباط والمنتسبين وبعض النواب من خلال وكلائهم اصبحوا يمارسون مهنة المحاماة ويؤثرون على حقوق وارزاق وامتيازات المحامي الاصلية من دون رادع أو تنظيم، والسبب هو عدم وجود معالجات تحجم من الهوة بين المحامي والمعقب أو الدلال أو السمسار ،فضلاً ان بعض (العرضحالجية) من الذين يسطرون على الشارع ويمارسون أعمال السمسرة والترويج لبعض المحامين بالذات دون الاخرين ممن يحتكرون العمل للبعض دون الاخرين، ووجود محامين من اقارب القضاة يتم اللجوء اليهم أو أقارب ضباط شرطة وهذه الافعال تضر بسمعة وكرامة المهنة وتمس بحقوق المحامين الشباب، ونحن نتكلم عن نسبة عددية لا تتجاوز العشرة في المئة من المحامين من الذين يمارسون هذه الاعمال ويستغلون هذه الاوضاع. في حين يبقى التسعون في المئة عاطلين عن العمل في ظل ظروف واعباء اقتصادية صعبة تعيق المهنة.
أن احد اهم الاسباب وجود مشاكل آنية تعود الى تعيين منتدبين يمارسون اعمالهم في محاكم العراق بمصالح وولاءات شخصية لا تهمهم مصالح المحامين الآخرين ماعدا اعضاء الانتداب، وتكون علاقاتهم جيدة مع بعضهم ويتحاشون المجاهرة والانتقاد أو تصحيح الاخطاء عندما تكون هناك اخطاء ترتكب من قبل قضاة المحاكم بحق المحامين الشباب وهي بالضد من مصالح المحامين، وهم لا يملكون من مواصفات الادارة أو القيادة سوى علاقاتهم مع (مجلس النقابة /المقر العام) حيث يتم تنسيبهم بقرار منهم من دون ممارسة دورهم في المساواة والعدالة مع بقية المحامين ،وهنا تعارض في المصالح بين الحقوق والواجبات وبين المسؤولية والادارة وتمثيل الاخر وشمولهم بالامتيازات والحقوق الخاصة من (منح وسفرات ومعونات اجتماعية وتجديد اشتراك وتكريم) وهذه الظاهرة المشخصة والتي تحتاج الى حلول آنية وسريعة وإحداث نمط اداري جديد في التمثيل والإدارة بإجراء انتخابات سنوية لكل غرف الانتداب والغاء نظام التعيين الذي يخالف القواعد الدستورية التي حدثت بعد التغيير الديمقراطي وسارت عليه الدولة العراقية في نظام الحكم بتمكين انظمة الادارة في النقابات والاتحادات بممارسة اعمالها وفق التمثيل النيابي العام واعطاء دور اكثر فاعلية لغرف الانتداب في المحافظات بممارسة اعمالها باستقلالية والتمثيل الجماعي وليس فرض التعيين من المركز المقر العام الذي يحجم دور وفعالية التمثيل الحر، أننا نعتقد ان اصلاح العمل النقابي ينبع من الحلقات الواصلة بين كل محكمة وغرفة انتداب من خلال انتخاب رئيس هيئة انتداب واعضاء انتداب فاعلين لتمثيل الاخرين في كل سنة مالية وتجديد الدماء الشابة وعدم احتكار الادوار والاعمال من قبل مجموعة من المحامين على حساب الهيأة العامة ،حيث كان في السابق المنتدب هو اكثر شخصية يحافظ على مكانة وكرامة وآدمية المحامي من خلال حرصه الشديد على المساواة والعدل بين زملائه المحامين من دون تفرقة او محاباة لاحد وهناك التكافل الذاتي بين جميع المحامين الرواد والمحامين الشباب واخلاقيات المهنة متوفرة بشكل كبير .
وهناك سبب أخر مهم من اسباب البطالة يمارسه بعض اعضاء البرلمان العراقي بعلم وموافقة نقابة المحامين العراقيين بالاستحواذ على حقوق وامتيازات وفرص المحامين الشباب باستخراج هوية المحامين العراقيين وهم اعضاء مجلس نواب، وهذه مخالفة لنص المادة (الرابعة /ثالثاً) من قانون المحاماة رقم (173)لسنة 1965 النافذ وهذا الخرق القانوني والمخالف للقانون من قبل نقابة المحامين يستوجب التوقف عنده وعدم منح هويات محامٍ وارسال تعاميم الى رئاسة مجلس النواب والوزارات والهيئات المستقلة وتزويد نقابة المحامين بقوائم اسماء المنسبين واصدار سجل بأسماء كل المحامين المسجلين لمنع هؤلاء من اخذ صفة محام يمارس أو يزاول أو يفتح له مكاتب خاصة أو يروج لأعمال السمسرة والابتزاز من دون رقابة من قبل نقابة المحامين أو رئاسة مجلس النواب، وهم ويمارسون ويزاولون المهنة بالذات اوعن طريق محامين بأجور وطرق احتيالية وهو نوع من انواع الفساد الاداري المخفي عن اعين الهيأة العامة وتسخير العلاقات الرسمية والعلاقات الشخصية التي يتمتعون بها من اجل الاستحواذ على نسب وعمولات مالية ودعاية على حساب مهنة المحامين الشريفة.
أن دعوات الاصلاح و افساح المجال للشباب بانهم عماد المستقبل هي دعوات إعلامية يراد بها العبور الى مرحلة قادمة والاستفادة منهم في دعوات وبرامج هامشية قصيرة النظر في مدلولها وهي تمثل شكلاً رمزياً دعائياً غرضه الانتخابات، وقد جاءت هذه الدعوات متأخرة ومتزامنة مع مرحلة انتخابية جديدة يراد لها ركوب الموجة واستيعاب اعداد المحامين الشباب من دون خطط وبرامج لإصلاح الخلل، ونحن نعتقد أن دور واهمية نقابة المحامين مهم لتغير اوضاع كثيرة في مجال الحياة العامة لو سلمت نوايا النخبة المتصدية للعمل النقابي .
ان مهنة الفرسان تحتاج الى عملية انقاذ حتمية والاستفادة من كل نقد وتوجيه بناء والاخذ بالرؤية التنظيمية والقانونية والرقابية للوصول الى قدسية المهنة واعطاء المحامين حقوقهم المغتصبة التي يتم الاستحواذ عليها من قبل جهات عديدة وهم اكثر الناس تمسكاً بها وحرصاً عليها.