المنبرالحر

الجماهير بين الوعي والتخدير / د. علي الخالدي

يتولد وعي اﻹنسان من الممارسة الحياتية لحركة القوانين الطبيعية . وتتطور ثقافته عبر القراءة والبحث وما يطلع علية من الفكر اﻹنساني ، بينما تصقل شخصيته و توسع مداركه التجارب ، وما يدور حوله من أحداث ، فتفرض نفسها على كيفية إتخاذه موقفا مناسبا منها إيجابا أو سلبا ، بحسب تماهيها مع إرادته وتطلعاته في خدمة وطنه وشعبه بصورة عامة ، دون تفريط بأي مكون من مكوناته ، لدوافع ذاتية أو مصلحية . معطيات هذا اﻹستنتاج تعطيها صورة اﻷحداث التي جاءت بعد إسقاط الصنم ، والفوضى الخلاقة التي تركها العامل الخارجي بعد إنسحابه من العراق ، دون النهوض بإلتزاماته كمحتل ، تلك الفوضى التي كانت وراء خلق ظروف جعلت أﻷغلبية العظمى من الشعب العراقي تعيش في تيه وقلق دائم، خاصة بعد تبني اﻷحزاب اﻹسلامية نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية ، وتوزيعها كعكة الحكم على أساسه ، فيما بينها ، فأنفردت بالسلطة ليومنا هذا ، وهي تجيش لنصرة هذه الطائفة وتلك . وبحرية مطلقة بهرجت المناسبات المذهبية والقومية ، ودغدغت عواطف الناس ، ، لتخفي خطط تحقيق مصالحها الذاتية ، وتغيب مهمة النهوض باﻹصلاح المنشود من وراء إسقاط الصنم . ومما زاد الطين بلة ما اصدروه من قوانين وتعليمات غير متزنة ، عرقلت إنعاش العملية العملية السياسية ، وإعاقت مساهمة الشعب وقواه الوطنية ، في تصحيح مسارها ، ليضمنوا شرعنة إمتيازاتهم المستدامة مدى الحياة ، وكأن التغيير جاء لتحقيق مصالحهم فحسب، وليس لكي يضع الوطن على سكة اﻹنطلاق نحو آفاق التحضر والتطور .
بحكم إزدواجية جنسية أغلبية القائمين على قيادة العملية السياسية ، ومعيشتهم في دول اللجوء ، لم تتح لهم فرصة التعرف على ثقل مآسي ومعاناة الجماهير التي سببتها اﻷزمة الشاملة ، التي رافقت حياة الجماهير اليومية . ولا إلى واقعية الحقد الذي تولد لديها نتيجة هضم الدكتاتورية لحقوقها ، مما دفعها ﻹبتكار أساليب سلمية مصانة من قبل دستور فصل لصالح مبدأ ما نعطيها ، لمحاسبة كل من تسول له نفسه خيانة اﻷمانة التي القيت على عاتقه ، و كل من يُغيب معايير الروح الوطنية ، ويستغل موقعه في تحقيق مصالحه الذاتية و أجندات من جاء به ، بوضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب ، بالضد من الديمقراطية المزعومة وهيبة القانون ، مسببا إنتشار الفساد والفشل في الدوائر اﻹدارية واﻷمنية للدولة ، فإستغله من يملك خبرة من أين تؤكل الكتف لتراكم ثرواته المنقولة والمتحركة من سرقة المال العام والسحت الحرام ، دون مساءلة من أين لك هذا !؟
فخلال العقدين المنصرمين بانت عورة ومنغصات تطبيقات النهج المحاصصاتي المقيت على كل المستويات اﻷدارية واﻷمنية للدولة ، بإضاعة فرص تطوير الحياة اﻹقتصادية واﻹجتماعية والثقافية ناهيك عن التنمية البشرية ، التي وفرتها عائدات النفط ، وعدم النهوض باﻹصلاح والقضاء على موروثات الدكتاتورية ، في وقت زرع نهج المحاصصة وهماً بين صفوف متبنيه ، مفاده أن فرحة الجماهير بقبر الدكتاتورية ، سيغنيها عن المطالبة باﻹصلاح وبحقوقها التي هُدرت ، ولم يدركوا خطورة تململ وسخط الجماهير جراء ما صنعه النهج المقيت من تردي إسلوب معيشتهم اليومي ، فتوصلت الى أنه لا مناص من تغيير حقيقي في هيكلية الدولة بعيدا عن المحاصصة ، فتحركت بالتظاهر في 25 شباط عام 2011، مطالبة باﻹصلاح ، الذي زرع الخوف بمتشبثي الكرسي والنهج المقيت ، فردوا عليه بإستعمال القوة المفرطة ﻷيقافه بدل اﻹستجابة لمطاليبهم ، ومع هذا تواصل الحراك الشعبي ، وأدرك مؤخرا أن أي حراك غير قائم على تضامن جمعي بين كل من لم يلمس ما كان يحلم به بعد إسقاط الصنم، وتحت خيمة الوطن ، لن يكون عامل ضغط لتحقيق أغراضه في دحر نهج المحاصصة السياسية الطائفية، الذي شكل سدا منيعا لمحاسبة الفاسدين ، وعطل رفع الوصاية عن سارق المال العام ، وعن حماة حيتان الفساد . وأعاق عملية إرجاع ما سرق من ثروات البلاد ، باﻹضافة الى حذاقة متبنيه ، بإتباع أساليب ملتوية تخديرية ﻹستدامتة ، وبالتالي خلق فرص زوغ من سلم ثلث أرض الوطن لداعش ، ومسؤولية سبايكر من المحاسبة القانونية
لقد شخصت الجماهير إن إزاحة متبني النهج المحاصصاتي ، وإحلال محلهم ذوي اﻷيادي البيضاء ومن يملك الكفاءة والقدرة ، وبمعرفة الجماهير وقواها الوطنية ، و عدم الخنوع و اﻹلتفات إلى آخر الحلول الترقيعية التي يراد بها تخدير المتظاهرين بتشكيل حكومة تكنوقراط ، ظاهرها تغيير في اﻷوجه وباطنها إستدامة نهج المحاصصة المقيت (عضويتها تتطلب موافقة نفس اﻷحزاب والكتل) ، كي يواصلوا التمسك بقرار مانعطيها ، ويضيعوا مسار التغيير الحقيقي ، الذي لن تجد الجماهير طريقا لتحقيقه ، غير تصعيد زخم تظاهراتهم ومواصلتها حتى تحقيق الدولة المدنية التي تضمن الحياة الحرة الكريمة والعدالة اﻹجتماعية . هذا ما كانت تصبو لتحقيقه الجماهير من وراء إسقاط الصنم.