المنبرالحر

الاقتراض حاجة.. ولكن! / ابراهيم المشهداني

يمر العراق بأزمة مالية خانقة ، ناشئة عن سياسات اقتصادية خاطئة بسبب الاعتماد على النفط في تمويل الموازنات العامة بنسبة لا تقل عن 90في المئة مصحوبة بعملية فساد وهدر متطفل للمال العام يزيد بحسب مصادر حكومية وأجنبية ، عن ثلاث مائة مليار دولار ، نفذها مع سبق الاصرار والترصد عتاة الفاسدين ،مما اضطر بلدنا الى الاقتراض من المؤسسات الدولية لسد العجز في الميزانية العامة البالغ 25 مليار دولار اي ما يعادل 30 تريليون دينار عراقي.
وحسبما اشارت اليه جريدة العرب اللندنية فان العراق ، وحسب تأكيد صندوق النقد الدولي أبدى موافقته على قرض تحت الطلب لمدة 3 سنوات يتم ابرامه في تموز من العام الجاري وحسب هذا الاتفاق فان العراق سيحصل على 16 مليار دولار ثلثه من الصندوق والباقي من البنك الدولي ودول مانحة اخرى بينها الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول الخليج ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبار .
ونحن لسنا في معرض النقد لمبدأ الاقتراض الذي غالبا ما تضطر اليه الحكومات لتفعيل المشاريع التنموية المتوقفة او الجديدة خاصة اذا كانت ضمن القطاعات الانتاجية السلعية ولكن في العراق تتجه الحكومة إلى سد عجز مالي تسببت به حكومات سابقة فاشلة في ادارتها الاقتصاد ، فتحت الابواب لانتشار الفساد وغادرت الحكم بخزينة شبه فارغة حسب تصريح رئيس الحكومة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الاقتراض يتم من مؤسسات مالية دولية ، عرفت بالتجربة بأنها لا تعطي القروض لوجه الله ، وإنما تكون هذه القروض مصحوبة بحزمة من الشروط التي تكبل القرار الوطني وتخفف التكاليف من خلال تقنين الدعم الحكومي ، وتسريح العاملين ، بما يخالف الرسالة الاولى لهاتين المؤسستين اللتين تأسستا لأهداف نبيلة من قبل الاقتصاديين البارزين جون ماينارد كينز البريطاني وهاري ديكستر وايت الامريكي وهذا الاخير وجد منتحرا عندما كان وزيرا للخزانة الامريكية بعد اتهامه بالشيوعية من قبل مكارثي وزير الداخلية الامريكية مهندس سياسة القمع التي اشتهر بها. ومثل هذه القروض كما اثبتت التجربة انها بالإضافة الى شروطها السياسية وتحديد وجهة الاقتصاد حسب رغبتها ،فأنها تزيد من العجز وتراكم الدين من خلال الفوائد وتكريس الوصايا والتدخلات في شؤون الدول الاخرى .
وهناك الشكل الاخر من القروض التي اخذ العراق ينتهجها ، وتتمثل بالاتفاق مع الشركات الاجنبية على تنفيذ المشاريع التي لا تتوفر لدى الحكومة الاموال اللازمة لها ، أي الدفع بالأجل ولكن بمدة اقصر من القروض المالية من المؤسسات الدولية ، ولكنها باهظة ايضا اذا اخذنا بالاعتبار ارتفاع قيمتها وهي في النهاية شكل من اشكال القروض مما ستتحول ، اذا استمر الامر على هذا الحال ، الى اعباء حقيقية ومرهقة اذا لم تتخذ الدولة استراتيجية اقتصادية تنموية قائمة على اساس تفعيل القطاعات الانتاجية السلعية وزيادة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي وسد الطلب المحلي وتحقيق مصادر مالية اخرى بالإضافة الى قطاع البترول من خلال تنظيم عملية توطيد التعرفة الكمركية والسياسات الضريبية التصاعدية ، والاهم من كل ذلك الترشيق الانفاقي بالابتداء من اعلى الهرم الحكومي والتركيز على الاحتياجات الملحة وتقليص ارتال الحمايات التي لا تشبهها دولة في العالم من حيث عدد افرادها وعدد السيارات المستخدمة بما فيها المضادة للرصاص ، وحملة حقيقية للقضاء على الفاسدين الذين قد يلتفون على هذه القروض حسب العادة ، وتفعيل الاجهزة الرقابية على ان يكون الجميع تحت مساءلة القانون .