المنبرالحر

التغيير ومخاطر تحيط بالحراك الجماهيري الشعبي / مصطفى محمد غريب

منذ أن انطلقت تظاهرات الجماهير للاحتجاج على الأوضاع المتردية وفي مقدمتها الفساد والاضطراب الأمني برزت بأشكال مختلفة توجهات على الصعيدين الحكومي والحزبي لطمس الحقيقة وتفريغ المحتوي الديمقراطي المدني من هذه المظاهرات والاحتجاجات السلمية لا بل أن التوجه لإفشالها قام على مخططات عديدة في مقدمتها التجاوز والاعتداء الجسدي والنفسي بما فيها الاغتيال وخير شاهد اغتيال الناشط المدني هادي المهدي الذي اغتيل عام 2011 في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومن حينها أصبحت قضية هذه الاحتجاجات والمظاهرات التي عمت أكثرية محافظات الجنوب والوسط والعاصمة شغل شاغل البعض من القوى المتنفذة داخل السلطة أو خارجها وبخاصة الكتل والقوى والميليشيات الطائفية التي وضعت نصب أعينها إفشال المظاهرات والحراك الجماهيري المدني الذي يهدد مشاريعهم وتوجهاتهم السياسية ومصالحهم التي توسعت من خلال المحاصصة الطائفية والانفلات الأمني، أن خروج الالاف من المواطنين المدنيين الذين لا تحكمهم هذه القوى ولا تستطيع التأثير عليهم ومنعهم من الاحتجاج والتظاهر السلمي قلب الطاولة على مفهوم " الشارع ملك التطرف الديني أو مفهوم هيمنة أحزاب الإسلام السياسي المطلقة عليه" هذا الظهور الملموس جعل البعض من هذه القوى تعود للفكرة الرجعية المعادية للديمقراطية والحريات العامة والشخصية التي زرعها الاستعمار والقوى الرجعية والقوى المتطرفة قومياً ودينياً لمعاداة الشيوعية وبالذات الحزب الشيوعي العراقي، ومن هذا المنطلق بدأت تضرب على وترٍ جديد لكنه القديم أصلاً بعدما أفلست من ما روجوه أسلافها من تهم " الإلحاد والتكفير وزواج الأخ من أمه وأخته وهلم جرا "
فبدءوا بتجديد المقولة البائسة بان الشيوعيين هم من يسيرون الاحتجاجات والمظاهرات لهدف حزبي وبهذا يلغوا إمكانية القوى الجماهيرية التي أخذت بالتنامي يوماً بعد آخر وتتوسع متخطية الحصار الفكري وتشويهات القوى الضلالية التي حاولت منذ البداية الهيمنة على هذه التحركات الجماهيرية السلمية والتدخل بطرق مختلفة لفضها والاستحواذ عليها أو تجييرها لصالحها وعندما فشلت أكثرية هذه التوجهات تحركت هذه القوى المعادية لمصالح الجماهير والحامية للفساد والفاسدين في اتجاهات عديدة في مقدمتها تشويه الاحتجاجات الجماهيرية فيما يخص المشاركين فيها حيث صنفتها بعيدة عن الواقع واتهمتها بأنها تقاد من قبل القوى الديمقراطية المدنية والحزب الشيوعي العراقي يهدف إضعاف هيمنة أحزاب الإسلام السياسي وفشلهم في الانتخابات للاستيلاء على أصوات الجماهير، وتهم وصلت حد التكفير وحرف مسار التاريخ بتهم كانت تعد في مختبرات القوى الاستعمارية والرجعية وما أعقبها من حكومات دكتاتورية في مقدمتها سلطة حزب البعث العراقي، أما القوى الأخرى مجموعات أو أفراد فقد ساهمت في العداء المتأصل في الفكر المنغلق العنفي فقد دقت على طبول التهم الجوفاء ومنها العمالة للأجنبي والاحتلال فضلاً عن تهم دينية وأخلاقية لكي يتسنى لها الإساءة للقوى الوطنية والديمقراطية المدنية وبالتالي عكسها على طابع المظاهرات والاحتجاجات المضادة للفساد والمحاصصة والإرهاب والميليشيات الطائفية، وعندما وصلت الأمور إلى طريق مسدود أمام هذه القوى المعدية والرجعية التي أجمعت على هدف واحد إفشال الحراك الجماهيري أعلنتها حرباً شعواء بحجج متطفلة مغلفة بالأكاذيب الرخيصة لكن ذلك لم يفد وبقى هذا الحراك يتطور أكثر فأكثر حيث يخرج المئات من المتظاهرين في المحافظات ليتظاهروا بعفوية شعبية وهم يتوافدون كذلك في كل يوم جمعة على ساحة التحرير ليهتفوا وينشدوا ويطالبوا بالإصلاح الكلي لكن الذي حدث وبعد أن فشلت جميعا المحاولات لتحجيم وإنهاء هذه المظاهرات ظهور دعوات من قبل البعض من الأحزاب والميليشيات الطائفية لاختراقها والهيمنة عليها ولهذا استمرت المحاولات وبذلت الجهود من اجل ذلك كما أن الحكومة ورئيس الوزراء حيدر العبادي ظلت تتعامل مع مطاليب الجماهير بشكل رتيب وغريب ولم تحرك ساكناً إلا اللهم من خلال التصريحات والإعلان عن تشكيل حكومة التكنوقراط أما الإصلاح فقد ظل كلمة تردد على اللسان فقط دون أية تشريعات قانونية تحاسب الفاسدين والفساد ومن خلفهم، وقد اتهم كاظم الشمري من ائتلاف الوطنية الحكومة بالقول إن "الحكومة تتعامل بمستوى رتيب ولا يتلاءم مع حجم الأزمة وما يمر به البلد من تحديات، ناهيك عن عدم وضوح منهجها وبطء تعاملها مع هذا الملف المهم والخطير" وبهذا نجد أن هذه الرتابة خلقت نوعاً من عدم الثقافة برئيس الوزراء ودعوته للإصلاح لأنها لم تمس الجوهر الحقيقي للقوى صاحبة القرار التي مازالت متمسكة بالمحاصصة ولم تلتفت إلى تحقيق نوعاً من الثقة في مقدمتها تحقيق المصالحة الوطنية بينما مازال حيدر العبادي يطرح قضية التغيير وكأنها فقط في تغيير الوزراء واعتبرت بكل صراحة عبارة عن الهاء بهدف إطالة أو إضاعة الوقت لكي يتسنى خلق حالة من اليأس والقنوط لدى الجماهير التي تطالب بالتغيير والإصلاح وقد أشار التحالف الكردستاني على لسان عادل نوري لـ(عين العراق نيوز) أن "حيدر العبادي أوضح خلال الجلسة انه لم يلمس أي تقصير بعمل الوزراء لذا نرى أن الإجراءات عبارة عن الهاء وإضاعة للوقت" وهذه الآراء مطروحة من قبل القوى الشعبية وملايين المواطنين العراقيين وأكثرية القوى السياسية التي يهمها مصلحة البلاد وخلاصها مما هو عليه من مشاكل تحيط بالعملية السياسية وقد تؤدي إلى مزيداً من المهالك والتداعيات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومن هذا المنطلق أشار الحزب الشيوعي العراقي " تبرز الحاجة الملحة إلى المزيد من الحوار والتعاون الايجابي بين القوى السياسية المعنية " لان الحوار هو الطريق الوحيد الذي يضمن الموصول إلى حل الكثير من خلافات وتقريب جهات النظر المختلفة بما فيها التغيير الوزاري والإصلاح الشامل ومحاصرة الفساد وتقديم الفاسدين للقضاء ثم التوجه للخلاص من داعش والإرهاب وحصر السلاح في يد الدولة ومنعه عن الميليشيات الطائفية، ويبقى الحراك الجماهيري السلمي سلاح فعال للإصلاح والتغيير إذا كان بالنسبة للوزارات أو قضايا متعلقة بالفساد والمحاصصة وان أي ضغط أو توجهات عدوانية لإيقافها أو إفشالها فذلك يعني قطعاً التراجع والضحك على ذقون الجماهير بالوعود الفضفاضة التي " لا تغني من الفقر ولا تشبع من جوع " أما محاولة اختراق المظاهرات والاحتجاجات والهيمنة الإعلامية عليها فدليل آخر على مدى خطورتها وهو ما يُعمل من اجله في الوقت الحاضر، وقد ظهر إلينا باليقين نشاط الطابع الإعلامي المغرض الذي تميز في طمس فعاليات الحراك المدني الديمقراطي وحاول تغطيته بالحراك الذي دعا إليه السيد مقتدى الصدر وكأنه الوحيد الموجود على الساحة، ونقل كأنه المكون الوحيد القادر على ردع الذين يحاولون الالتفاف على المطالب الجماهيرية ثم الدعوة للاعتصام وثم الانسحاب وإلغاء الاعتصامات بشكل مسرحي والإبقاء على الاحتجاجات والمظاهرات بشكل عائم وهو خاضع لقرارات وأوامر السيد مقتدى الصدر مع احترامنا، وهذا دليل على أن المخاطر المحدقة لإفشال الحراك الجماهيري الديمقراطي المدني تقترب من الاحتواء والتجاوز والإنهاء والتجيير، ولهذا من الضروري الانتباه لهذه المخاطر والعمل على التعاون المثمر المميز مع القوى التي لا تهادن ولا تتراجع عن مطالب الجماهير الذي يجعل الأمور واضحة بدون لبس أو تدليس، من الضروري دعم الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية وعدم الرضوخ للضغوط والممارسات اللاديمقراطية ومحاولات طمس المطالبات التي تهدف إلى إصلاح جذري وتغيير مهم بعيداً عن مصالح الكتل والأحزاب المتمسكة بالمحاصصة دون الاعتبار بالمخاطر المحدقة بالعملية السياسية ووفق الدستور وفي هذه المناسبة حذر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم أثناء اللقاء بالكتل الكردستانية على "ضرورة الالتزام بالدستور في إجراء الإصلاحات وتنشيط اللقاءات وتشجيع الحوار البناء لمعالجة كل الإشكاليات"، ثم دعي بيان رئاسة الجمهورية يوم الاثنين 4 / 4 م 2016 إلى "إنقاذ العملية السياسية من الأزمات التي تحدق بها"، إلى جانب ذلك أشار الحزب الشيوعي العراقي من خلال تحليلاته ومواقفه المعلنة بوضوح بتأكيده المباشر على أن " الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، باعتباره منبع الأزمات، لن يتحقق إلا عبر تغيير موازين القوى السياسية في البلاد والمجتمع، وأن الإصلاح الحقيقي، وهو المدخل لإجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن يتم من دون ممارسة ضغط شعبي متصاعد"وهذا ما زكته الحياة طوال الفترة المنصرمة واعتبر طريقاً سالكاً لحماية حقوق الجماهير والدفاع عن مصالحها الحقيقية التي جرى التجاوز عليها.
أن الخطر الحقيقي المحيط بالحراك الشعبي والتظاهرات الاحتجاجية يكمن في التخطيط المستمر للهيمنة عليها وتوجيهها نحو طريق خاطيء لكي يتم التخلص منها وبالتالي الالتفاف على المطالب الجماهيرية المشروعة، وللوقوف ضد هذه المخاطر ضرورة تكاتف الجماهير والالتزام بالمعايير الوطنية وتفويت الفرصة على كل من تسول نفسه في إيقاف هذه النشاطات الجماهيرية وتقديم حلول وسطية وتغييرات طفيفة لا تمس جوهر المطالب الجماهيرية العادلة، الإصلاح الكامل والتغيير الجوهري هو المطلب المهم وليس تقديم أنصاف الحلول التوفيقية