المنبرالحر

أزمة البرلمان تمثل صراع ارادات والتفاف على اهداف الحراك الجماهيري / فلاح علي

ما حصل في مجلس النواب في الايام 12 و13و14 نيسان 2016 من احتجاج الى اعتصام الى التصويت على اقالة هيئة الرئاسة شكلت هذه الممارسة المفاجئة تعقيداً جديداً للازمة السياسية في البلد ، وأضافت أزمة الى أزمات البلد المعقدة المستعصية على الحل . صورت بعض وسائل الاعلام هذا الحدث بأنه يمثل انتفاضة النواب وانه ثورة بيضاء للنواب . ولكن واقع ما يجري خلف الكواليس لا يؤكد ذلك . حيث ما يتلمسه المواطن هو الصراع على المصالح الفئوية وعلى تقاسم المنافع والاستحواذ على المواقع هو السمة المشتركة لكل الكتل السياسية المهيمنة على البرلمان . ولكن ما اصبح أكثر وضوحاًهو بروز ظاهرة صراع الارادات بين قادة الكتل السياسية ، و حتى بين اطراف اقطاب التحالف الواحد وتلمس الناس صراع الارادات هذا بشكل واضح ومعلن للملئ .
ما هو معروف ان موقف البرلمان كان سلبيا من الحراك الجماهيري :
الكتل البرلمانية تدرك تماماً ان تطور الحراك الجماهيري ليس في صالحهم ، وكانت وجهة هذه الكتل في الغالب هو اجهاض الحراك الجماهيري ، وكان لقوى اقليمية ودولية مثل ايران والسعودية وامريكا لها ايضاً دور كبير في اجهاض وانهاء الحراك الجماهيري . ورغم التراجع في زخم المشتركين في الحركة الاحتجاجية الا ان مقومات استمرارها وديمومتها لا تزال قائمة وان الشيوعيين وحلفاءهم في التيار المدني الديمقراطي والنشطاء في الحراك الجماهيري ومنظمات المجتمع المدني كان موقفهم واضح وصريح هو الاستمرار بالتظاهرات السلمية وتهيئة مستلزمات اتساعها لتشمل قطاعات اوسع من المجتمع والعمل على امتداها الى الاقضية والنواحي . كان ولا يزال الحراك الجماهيري يؤرق الكتل السياسية المتحاصصة .
التطور الذي حصل في الحراك الحماهيري :
التطور الاول : هو اضرابات الطلبة في عدد من جامعات وكليات العراق ان انضمام فئات واسعة من الطلبة الى الحراك الجماهيري أعطى له زخم كبير كما اعطى له الفاعلية والحيوية والاندفاع وقوة التأثير والتفاف فئات اوسع من قبل قطاعات الشعب حول الحراك الجماهيري ، وهذا ما أربك الكتل البرلمانية .
التطور الثاني : هو دخول التيار الصدري بقوة الى الحراك الجماهيري رغم ان التيار اعطى زخما جديدا وفاعلا للحراك والتزم التيار بالشعارات الوطنية وبوجهة الحراك ، اضافة الى انه هنالك حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي ان قواعد التيار الصدري هم من الفقراء والكادحين والموظفين الصغار ان مصالحهم تلتقي مع اهداف الحراك الجماهيري ، والخلاصة ان اشتراك التيار في الحراك هو جانب قوة للحراك وزاده زخماً وتوسعاً .
لكن المتغير المفاجئ الثالث الذي حصل : هو المهلة التي حددها السيد مقتدى الصدر وتنتهي في يوم 28-3-2016 لتشكيل حكومة تكنوقراط وشكل لجنة لهذا الغرض ودعوته للاعتصام امام المنطقة الخضراء ، ثم توجه السيد مقتدى واعتصم في المنطقة الخضراء لعدة ايام . هنا تلمس الشعب بشكل واضح صراع الارادات فيما بين الكتل وتجلى ذلك في :
1- شعر نوري المالكي ان مجيئ مقتدى الصدر الى المنطقة الخضراء هو لأستهدافه ، لهذا ادان المالكي اعتصام الصدر واعتبره غير قانوني وتشير المعطيات ان المالكي عزز من حمايته وحماية بيته ومكتبة .
2- الصدر ارسل رسائل لنوري المالكي فحواها ان مصيرك بات بيدي وانا الذي أقرره . كما ارسل رسائل لرئيس الوزراء و لقادة الكتل الاخرى فهموا فحواها .
3- التهديد الذي وجهه السيد مقتدى الصدر للبرلمانيين بأن يكون له حساب آخر معهم اذا لم يصوتوا على حكومة التكنوقراط ، هذه الرسالة شعر من خلالها العديد من البرلمانيين بانها تمثل رسالة تهديد لهم .
في هذه الاجواء بدأ احتجاج ثم اعتصام النواب والقرار الذي اتخذوة بأقالة هيئة رئاسة البرلمان :
كل المعطيات تؤكد ان ما حصل هو صراع ارادات بين الكتل السياسية في مجلس النواب ورغم وجود رغبات صادقة لدى عدد من النواب بالتحرر من كتلهم والاصطفاف مع الشعب وانهاء المحاصصة الطائفية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية ، ورغم ان ممثلي التيار الصدري قاطعوا الجلسات ، وانضموا الى النواب المعتصمين . ولكن ما تلمسه الشعب هو حصول التفاف من قبل نواب دولة القانون التي يقودها نوري المالكي وهي المعادية للديمقراطية ، و انضم ممثلوها مع النواب في الاحتجاج الى الأعتصام والى اتخاذ قرار بأقالة رئاسة البرلمان ، كما انضم نواب كتل أخرى . الحراك الجماهيري و معه قطاعات واسعة من الشعب تدرك تماماً ان بعض نواب دولة القانون وهنالك نواب آخرون يعرفهم الشعب لم يكن هدفهم الاصلاح و محاربة الفساد وانهاء المحاصصة الطائفية والاثنية ولا الى انهاء الميليشيات ولم تكن لديهم قناعة ببناء الدولة المدنية الديمقراطية وانما :
1- لركوب موجة الاصلاح والتغيير والالتفاف على اهداف الحراك الجماهيري .
2- يعتقدون ان الاعتصام يوفر لهم ظروف افضل ويعطي لهم رصيدا شعبيا بانهم قادوا الاصلاح من داخل قبة البرلمان وهذا ما يعتقدوه انه يقربهم من الحراك الجماهيري.
3- وايضاً من أ جل ان يكون لهم دور في رسم التشكيلة الوزارية والهيئات الاخرى و الى تحسين دورهم التفاوضي والمؤثر الجديد وعودة رؤساء كتلتهم مثل كتلة نوري المالكي بقوة الى المشهد السياسي .
4- ان دولة القانون هي عرابة للمحاصصة الطائفية والاثنية والشعب يدرك ذلك ، وكثير من نوابها ونواب كتل اخرى يعرفهم الشعب هم وراء الخطاب الطائفي المتشدد وموقفهم الشوفيني المعلن من الاكراد . لكن نراهم اليوم هم يقودون الاعتصام في البرلمان ويطالبون بالاصلاح والتغيير .
الاستنتاجات :
1- ان الاصلاح والتغيير لا يتم بهذه الطريقة لا سيما وان الدافع لبعض البرلمانيين المعتصميين اجندات وهم قبل غيرهم يدركون ان الاصلاح والتغيير يتم من خلال تشريعات وقوانين ومن خلال تبني اهداف الحراك الجماهيري . ارى ان ما قام به نواب دولة القانون والبعض من المعتصميين من تصعيد هو الخوف من تصاعد ضغط الحراك الجماهيري ، ولركوب موجة الاصلاح والتغيير وانهم استغلوا النية الصادقة لبعض النواب وانضموا اليهم للالتفاف على اهداف الحراك الجماهيري ، ولتحقيق وجهتهم باسم نواب العراق.
2- أرى من الناحية العملية حتى السيد مقتدى الصدر ليس جادا بأنهاء نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ، قبل اعتصامه في المنطقة الخضراء القى كلمة في ساحة التحرير مع المعتصمين، ثم بعدها اطلق ( شعارشلع قلع ) ولكن لم يقصد شلع وقلع نظام المحاصصة كان ما يقصده هو شلع وقلع اشخاص وكان يؤكد على حكومة التكنوقراط فقط . هنالك سؤال يطرح هل ان حكومة التكنوقراط تنهي نظام المحاصصة الطائفية والاثنية في العراق ؟ .
3- من هذا لم يكن للسيد مقتدى الصدر برنامج للاصلاح والتغيير كان لديه صراع مع قوى اخرى . لو كان جادا حقاً في انهاء المحاصصة الطائفية لطالب بتشريع قانون انتخابي جديد لمجلس النواب يكون فيه العراق دائرة انتخابية واحدة . هذا هو الذي ينهي المحاصصة تشريع قوانين ديمقراطية . ولو كان جاد حقاً بأنهاء نظام المحاصصة لأعلن من المنطقة الخضراء خروجه من التحالف الوطني الذي يمثل اكبر تحالف طائفي في البلد وهذا التحالف هو المؤسس لنظام المحاصصة الطائفية والاثنية ، لو اعلن ذلك لأسهم حقاً بتفكيك مرتكزات نظام المحاصصة لا سيما وان تياره لديه حوالي 40 نائبا في البرلمان و بأمكانه ان يدعوا لتحالفات وطنية عابرة للطوائف . ان الذي كان يمتلك برنامج الأصلاح والتغيير هو الحراك الجماهيري ، لديه برنامج واضح للاصلاح والتغيير ومطروح للشعب وجسدته بعض الشعارات التي رفعها الحراك الجماهيري.
4- أرى من وجهة نظري ان بعض من قيادة الحراك الجماهيري او بعض تنسيقيات الحراك الجماهيري في بغداد ارتكبت خطأ كبيرا فقدت فيه زمام المبادرة ، الخطأ هو انها ربطت وجهة الحراك وأهدافه برغبة السيد مقتدى بالتوجه معه للمنطقة الخضراء ، وبهذا تم اسر الحراك الجماهيري في بغداد وفقد المبادرة في تلك الفترة، لأن الحراك الجماهيري لا يتحول من حالة التظاهر السلمي الى حالة الاعتصام برغبات شخصية هنالك مستلزمات موضوعية وذاتية لا بد منها هذه الرغبات الشخصية لها نتائج سلبية احدها يؤدي الى اضعاف او موت الحركة الجماهيرية الاندفاعة كانت عاطفية ومغامرة غير محسوبة بأندفاع كل الحراك الجماهيري في بغداد وراء اجندات ورغبات السيد مقتدى . اني ليس ضد الاعتصام ولكن ما يفرض التحول الى ظاهرة الاعتصام هو توفير مستلزمات الاعتصام و تهيئة ظروفه وواحدة منها تصاعد مزاج الجماهير ووجود برنامج موحد وقيادة ميدانية مشتركة ووجهة مشتركة... الخ وليس رغبة من احد.
اذن السؤال هو ماذا حقق السيد مقتدى للحراك الجماهيري من هدف في اعتصامه في المنطقة الخضراء ؟
5- هل ستنتهي أزمة البرلمان بلقاء بين السيد مقتدى الصدر والسيد نوري المالكي او من يمثله من خلال طرف ثالث لاسيما وان هنالك اخبار تؤكد وجود السيد مقتدى في لبنان بدعوة من السيد حسن نصر الله . وهنالك اخبار بوجود المالكي وبعض الاخبار تشير بوجود ممثل عنه لعقد صفقة بينهما بوساطة السيد حسن نصر الله وتشير بعض الاخبار بوجود ممثل علي السيستاني في لبنان . ما ذا سيقول اصحاب الثورة البيضاء من البرلمانيين للشعب بعد اتفاق مقتدى ونوري المالكي او مع ممثل المالكي وقد ينضم اياد علاوي الى الاتفاق معهم على وجهة يتفقوا عليها . ما ذا سيقول البرلمانيون اصحاب الثورة البيضاء لشعبهم المنتفض منذ أواخر تموز 2015 الى اليوم عندما يأتيهم الامر بانهاء الاعتصام في البرلمان ؟ أو ما ذا سيقولوا لشعبهم اذا وقفت المرجعية الدينية في النجف مع المحكمة الاتحادية في دعم الشرعية الدستورية في التغيير والاصلاح ؟
6- ان ظروف البلد الخطيرة لا تسمح بأنشطار البرلمان الى قسميين وتوقف التشريعات وتشل الحكومة ويعطل العمل بالدستور . في حالة عدم التوصل الى حلول عقلانية والاتفاق على انهاء المحاصصة ، ارى ان الطرف الآخر سيتوجه الى المحكمة الاتحادية وستقول رأيها المحكمة الاتحادية .
7- ان الطرف الفاعل باتجاه مواصلة الاصلاح والتغيير وانهاء نظام المحاصصة ومحاربة الفساد واصلاح القضاء واقامة دولة المواطنة هو الحراك الجماهيري واستمرار ضغطة الجماهيري السلمي وتواصلة واتساعة ليشمل كل محافظات العراق والاقضية والنواحي .
15-4-2016