المنبرالحر

احداث سبقت ردة شباط 1963 في الثانوية الشرقية ( 1-2) / محمد حسين النجفي

ابتدأ البعثيون يخططون للقيام بتغيير الأوضاع السياسية في العراق بشكل اكثر ذكاءً وحنكةً، بعد ان فشلت محاولة عبد السلام عارف في ازاحة الزعيم عبد الكريم قاسم في الأشهر الأولى لثورة 14 تموز عام 1958 ، وبعد ان اجهضت مؤامرة الشواف في الموصل وفشلت محاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد. فتحالفوا مع القوميين ورجال العهد البائد والمخابرات المصرية والأمريكية، وبتمويل من الكويت وشركات النفط والشركات والأشخاص الذين تضررت مصالحهم بعد الثورة. فكان لابد من مشاغلة الزعيم بأحداث جانبية كي يستطيعوا إلهاء السلطة من جهة وموآزريها من جهة اخرى. وكي يتمكنوا من الاستمرار بالعمل السري الدوؤب دون ان تنكشف مخططاتهم التآمرية. وكان البعثيون بارعين في قدرتهم على استغلال اي حدث او ازمة او اي تشريع كي يثيروا الضجة حوله ويستثمروه لخدمة مشاريعهم للوصول إلى السلطة والانفراد بها. وهكذا استطاعوا استثمار الخلاف ما بين الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف وكذلك استغلال الخلاف بين الزعيم والملا مصطفى البارزاني. وكذلك الاستفادة القصوى من احداث الموصل وكركوك وتغيير الحقائق والظهور بمظهر الضحية، واحداث الجفاء القاتل بين الزعيم والقوى الوطنية وخصوصاً الحزب الشيوعي. وكانوا اكثر المستفيدين من الفتاوى الصادرة في ذلك الحين، وكذلك تهويل رفع اسعار البنزين بنسبة ضئيلة والتي ادت الى ما يعرف بأضراب البنزين.

كان عام 1962 الفترة التي بدأ فيها الاعداد الكامل للانقلاب. وكانت مناطق الكاظمية والأعظمية والكرادة من المناطق الرئيسة التي تشهد نشاطاً سياسياً. حيث كانت الأعظمية منطقة نفوذ قومي وبعثي وكانت الكاظمية مغلقة تقريباً للشيوعيين. اما الكرادة الشرقية فكانت منطقة صراع، حيث ان هناك تواجداً كثيفاً للشيوعيين وخاصة في منطقة الزوية، بينما كانت هناك هيمنة للبعثيين في منطقة البو شجاع. ولقد انعكس ذلك على ما كان يدور في المتوسطة الشرقية والثانوية الشرقية. ولذلك تمثل احداث الثانوية الشرقية اهمية بالغة في هذا المنوال وذلك لأنها الحدث الذي سبق ردة 8 شباط عام 1963 واستغل للتمهيد اليها.
كنا في المتوسطة الشرقية نسمع منذ سنتين عما يتعرض له زملاؤنا اعضاء ومؤيدو الاتحاد العام لطلبة العراق في الاعدادية الشرقية من اضطهاد واعتداء يومي من قبل البعثيين وحلفائهم. وعليه كنا نتوقع ان يحدث لنا الشيء ذاته حينما ننتقل من المتوسطة الشرقية الى الاعدادية الشرقية. إلا اننا في المتوسطة الشرقية كنا قد مارسنا النشاط السياسي مبكراً، وتمرسنا عليه مما جعلنا اكثر استعداداً لمواجهة مثل هذه الاعتداءات.
كان اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، هو المنظمة الطلابية الوحيدة المعترف بها رسمياً وعالمياً والتي تمثل مصالح الطلبة والدفاع عنهم. إلا انه كان شبه مجمد حيث لم تجر انتخابات خلال الأعوام 1960/1961 والعام 1961/1962. وحينما لم يفز البعثيون في آخر انتخابات اقيمت عام 1959/1960 اسسوا لهم اتحادا منفصلا تحت اسم اتحاد الطلبة العام. وكان الناشطون في الاتحاد العام لطلبة العراق يمثلون نخبة وطنية شابة حريصة على الوطن وعلى مكتسبات ثورة تموز المجيدة. وكان من الذين تعرفت عليهم وشاركتهم العمل ولازلت اتذكرهم من طلاب الصف الرابع والخامس في الثانوية الشرقية حبيب عمران وكان قياديا هادئاً ووسام شكوري شاباً نشطاً وفريد عطو مثقفا ملتزماً وحكمت الدقاق مخضرما وملماً بمعلومات كثيرة وسامي التكمجي رزناً وجدياً ومناضل المهداوي بطيبته وتواضعه وبساطته والمرحوم احسان عبد المحسن الجلبي وقدرته الحوارية وهدوئه في النقاش وفريد قرياقوس وحماسه وطاقته على العمل والعطاء وليث الخفاف وعلي البستاني وعلي عزيز ونبيه خضر وباسل لطفي طاهر ولؤي ابو التمن وعبد الأمير الحجاج والعديد من الزملاء والأصدقاء.
لقد كان مجرد وجود مناضل المهداوي في الثانوية الشرقية مصدر تهديد اواستفزاز لسيطرة البعثيين او الموالين لاتحادهم الطلابي. وعليه قرروا على ما يبدو منذ بداية العام الدراسي 1962/1963 البدء بالحملة الاستفزازية بعد انتهاء الدوام عصر كل يوم. حيث يقود سيد هاشم الموسوي مجموعة من اتباعه ويسيرون بشكل جماعي وراء مناضل ومن يسير معه فيبدؤون بكيل الشتائم الرخيصة للرموز الوطنية والاممية المعروفة.
وكان ذلك يحدث كل يوم وللأسف لم نستطع الحراك لكثرة عددهم وقلة عددنا وكبر اعمارهم وابدانهم وضعف قدراتنا البدنية فقد كانوا من الطلبة الذي رسبوا لسنوات عدة بينما مجموعتنا كانت من الطلبة المجتهدين المؤدبين. وكنا نناقش ذلك يومياً مع القيادات ويطالبوننا بعدم الاحتكاك وتجنب المشاكل. وبعد ان تعرضنا للعديد من الاهانات والاستفزازات قررنا اخذ بعض المبادرات:
• التعرف على مؤازرين آخرين قادمين من متوسطات اخرى مثل متوسطة الحرية ومتوسطة العرفان
• معرفة البعثيين وبالتالي معرفة غير البعثيين
• اجراء مسح عام لتحديد نسبة مؤازرينا إلى مؤازريهم
وكانت النتائج مذهلة، حيث تبين ان 70في المئة من الطلبة هم الى جانبنا وهي نتائج قوت عزيمتنا ورفعت معنوياتنا وبدأنا نسأل انفسنا لماذا نتحمل الذل من هؤلاء الذين يهينوننا ويعتدون علينا كل يوم بعد انتهاء الدوام. وهنا بدأنا التعرف إلى مجموعات كبيرة من الطلبة من غير المتوسطة الشرقية ومنهم، منير سعيد، طارق علي شيخو، هادي حسين موسى ، مصطفى اسماعيل البرزنجي ، سالم، ناجي عليوي، بهنام، شاكر حسين، رحيم جويي اللامي، فوآد ناجي، هادي العطار، سمير سحار، عامر، ليث موسى، هادي منتظر، فريد الرماحي، عبد الأمير الحجاج، ماربين وكثيرون لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم. وبعد ان قوينا ترابط مؤيدينا في الشُعب وخاصة في الصف الرابع، قررنا عدم الخروج انفراداً من المدرسة وانما نتجمع على شكل ثلاثة او اربعة طلاب. ومع ذلك استمر المهرجان اليومي في السخرية والسب والشتم والاعتداء.
بعد ذلك بدأت مرحلة الاعتداء علينا بالضرب . حيث تم الاعتداء على رحيم جويي وفريد قرياقوس وغيرهم لا لشيء إلا لأنهم من الناشطين في اتحاد الطلبة. واستمرت عملية تكوين المحورين الأساسيين، مجموعة البعثيين الملتفين حول سيد هاشم ومنهم ليث الرفيعي وعصام كبة والأخوة سالم وسلمان من الزوية ومخلص عبد الجليل (اخ غانم عبد الجليل) وطالب (الأقرط) ( عديل حسن العامري وزير التجارة) وصباح البحراني. والمجموعة الثانية كانت تتجمع حول مناضل المهداوي لمكانته ومكانة والده العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب.
وحينما بدأت مجموعتنا تكبر عند الخروج من المدرسة بدأ سيد هاشم يستعين بشقاوات وابناء شوارع الكرادة ومن طلاب ثانوية ابن حيان وهي ثانوية القسم الأدبي عكس الشرقية المخصصة للقسم العلمي، وكان نفوذ البعث فيها اكبر. وكان طلاب ابن حيان اكبر سناً منا بكثير وذوي اجسام كبيرة ويذكر منهم سليم الزيبق وسامي العجمي وطارق رحيم.
كان حبيب عمران وفريد عطو وليث الخفاف من طلبة الصف الخامس، اي من الدورة الصباحية، بينما الصف الرابع كان يبدأ ظهراً وينتهي عصراً. وعليه لم يروا المهانة التي كنا نتعرض اليها. وعلى ذلك قررنا ان نأخذ الحل بأيدينا. وقررنا ان ندافع عن انفسنا ونستعين ببعض الأصدقاء من خارج المدرسة. واستعنا بالصديق " ابراهيم تينة" من الزوية وهو شاب مثالي قوي العود صاحب نخوة وحمية. واستعان عبد الأمير الحجاج بعامل فرن فيلي في المسبح. وحددنا اليوم الذي سنتحداهم فيه ونمنعهم من الاعتداء علينا. وكانت الخطة كما يلي:
• ان نسبقهم باتجاه الشارع المؤدي الى كرادة خارج بأتجاه ساحة الفتح.
• نتوقف عند بيت كان قيد التشييد مما سيوفر الكثير من الحصى والطابوق الكسري.
• ساعة الصفر حينما يبدأ اي نوع من الاستفزاز سواء بالسب او القذف او التهريج او اي اعتداء جسدي على اي واحد منا.
• كان دور عامل الفرن باعتباره غير معروف، هو ان يمسك بسيد هاشم الذي كان يلبس يشماغ دائما وينهال عليه بالضرب عند بدء الاصطدام.
• ثم نبدأ نحن بالهجوم بالحجارة عندما تعطى الأشارة.