المنبرالحر

الاستيرادات العشوائية ونزيف العملة الصعبة / حسام الدين الانصاري

يشكل الاستيراد كواقع حال ركناً من أركان الاقتصاد الوطني في أي بلد من بلدان العالم سواءً الغنية أو الفقيرة ، ولا بد من أن يخضع الى أساليب التخطيط السليم الذي ينسجم مع خطة التنمية لذلك البلد من دون أن يتجاوز على حدود بقية قطاعات ومفردات ميزانية الدولة وبما لا يتسبب في اختلال التوازن مع بقية القطاعات الاقتصادية المتمثلة بالقطاعات الصناعية والزراعية والعمرانية ويؤثر على نشاطاتها نتيجة ابتعاد رؤوس الأموال عن الاستثمار فيها والتركيز على قطاع تجارة الاستيراد للسلع الاستهلاكية ذات المردود السريع الذي لا يحقق أي نوع من التراكم الاقتصادي للبلد بقدر ما يحققه للمؤسسات التجارية ورجال الاعمال من الربح السريع ، الأمر الذي يخلق حالة من التسارع في الاستيراد وما يترتب عنه من تراكمات في السلع والبضائع وتكريس المزيد من رؤوس الاموال لهذا الغرض بسبب دوافع الربح السريع مع غياب دور الدولة في تخطيط النشاط الاستيرادي من جهة ، وعدم تركيز القطاع التجاري الخاص لأداء دور فاعل في استيراد السلع والاجهزة الانتاجية التي يمكن ان يكون لها دور في التنمية الاقتصادية من خلال تأسيس الورش الصناعية وتقديم الخدمات التكنولوجية للقطاع الزراعي وتطوير الخدمات والبناء والعمران من جهة أخرى ، بسبب غياب الخطط والقوانين والتشريعات التي تحد من التوسعات العشوائية في نشاطات القطاعات الاقتصادية المختلفة ومن دون ضوابط تحول دون تسرب العملة الصعبة في نشاطات غير محسوبة ولا تأخذ بنظر الاعتبار تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني نتيجة عدم وجود خطة مركزية لإدارة اقتصاد البلد والحفاظ على الثروة الوطينة التي تتمثل بالموارد المتوفرة من العملة الصعبة .
وتظهر بشكل واضح الاضرار الاقتصادية التي حلّت بالعراق نتيجة الانفلات وغياب الضوابط في العملية الاستيرادية التي أدت الى هدر الأموال في استيراد السلع الاستهلاكية التي تكدست في الاسواق مما أدى الى تجميد المليارات من العملة الصعبة التي يحتاجها البلد للاستثمار في المشاريع الصناعية والزراعية والعمرانية التي تعتبر القاعدة الاقتصادية للتنمية والتطور الحضاري .. خاصة في ظروف اقتصاد كالاقتصاد العراقي الذي يعتمد على مورد احادي الجانب وهو النفط الخام الذي لم يستغل بالشكل الاقتصادي بسبب اقتصاره على عملية التصدير التي لا تشكل الموارد المترتبة عنها إلاّ جزء من الموارد التي يمكن ان تتحقق من عمليات تصنيع المنتجات النفطية باستخدام النفط في انتاج السلع والمنتجات التي تعد بآلاف الانواع ، وهو ما تعمل عليه الدول المتقدمة صناعياً (غير النفطية) التي تستورد النفط لتحويله الى آلاف السلع والبضائع وتحقق فوائض مالية واقتصادية وقيمة مضافة من تلك المنتجات كاليابان والمانيا وهولندا وغيرها من البلدان التي حققت أعلى مستوى من تصنيع النفط والذي تعيده الى البلدان النفطية سلعاً وبضائع ومنتجات نفطية تعادل أقيامها أضعاف قيمة النفط المستورد من قبلها .. في الوقت الذي لا يتحقق مستوى المردود المالي والاقتصادي الفعّال للبلدان النفطية التي يقتصر نشاطها على تصديره كنفط خام من دون أن يُستغل بالكفاءة الاقتصادية التي ينطوي عليها .
واذا كان الظرف الحالي الذي يمر به العراق من قلة الموارد نتيجة انخفاض اسعار تصدير النفط الخام ، وما يتطلبه الوضع الاقتصادي من معالجات تتناول المحاور والجوانب المختلفة في الاقتصاد العراقي فانه لا بد من اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة من أجل إيقاف جوانب الهدر في العملة الصعبة من خلال الاستيرادات العشوائية خاصة وان السوق العراقية متخمة بالسلع المعمرة من الاجهزة المنزلية المختلفة والسلع الاستهلاكية من الالبسة والاثاث والاكسسوارات وغيرها .
فلا بد من اتخاذ قرار جريء بايقاف الاستيراد من تلك السلع بما يؤمن عدم تسرب ما تبقى من العملة الصعبة لدى القطاع التجاري الخاص من جهة .. والى تشجيع ومنح الفرصة للقطاعات الانتاجية المحلية لتوفير المنتجات الاستهلاكية سواء السلع المعمرة أو التي تنتج في القطاع الصناعي بفرعيه المختلط والعام واللذين يتمتعان بقدرة وامكانات واسعة على تغطية حاجة السوق المحلية من جهة اخرى ، بالاضافة الى اطلاق قدرات القطاع الصناعي الخاص وانعاشه سيما وانه قادر على التكيف بسرعة في مواجهة احتياجات السوق بالامكانات المادية المتوفرة لديه وسرعة اتخاذ القرار في رسم طريقة عمله وتنفيذ خططه والذي كان متحققاً في العراق بتغطية احتياجات الفرد العراقي من كافة المستلزمات والاحتياجات المنزلية والشخصية والاستهلاكية قبل ان يتعرض إلى انتكاسات الحصار الاقتصادي الذي فرض على أثر غزو الكويت ومن ثم احتلال العراق في 2003 من قبل التحالف الدولي .
ان القرار الحاسم والجاد في ايقاف الاستيرادات لم ولن يكون جديداً حيث لجأت اليه العديد من البلدان لاصلاح وضعها الاقتصادي ولم يقتصر على البلدان الفقيرة والنامية بل طالما لجأت اليه الدول المتقدمة اقتصادياً كنوع من الحلول للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها من أجل الحفاظ على الثروة الوطنية من العملات الصعبة أولاً وتوجيهها نحو الاستثمار الوطني ثانياً ، وتشجيع واطلاق طاقات القطاعات الاقتصادية الصناعية والعمرانية والزراعية من الداخل ثالثاً .