المنبرالحر

دور الإعلام العربي في تشكيل شخصية الفرد العربي ( ١ - ٢ ) / د. ناهدة محمد علي

لقد تبنيت فكرة هذه الحوارية بعد أن تفحصت ولسنوات طويلة دور الإعلام في صياغة العقلية العربية وتعرفت على الكثير من الإعلاميات والإعلاميين ، وكان الكثير منهم يسير على الأطر التقليدية لإدارة الإعلام والقليل منهم يتوخى الحداثة ، ليس شكلياً فقط وإنما في مضامين المادة الإعلامية ، وقد وجد هؤلاء الكثير من العثرات لإيقاف مدهم ، وبقي البقية من الإعلاميين يسيرون نحو عدم الشفافية والمصداقية والإنحدار أسفلاً ساحبين معهم القاريء العربي إلى أعماق محيطية سحيقة تغرق فيها عقولهم ويفقدون فيها القدرة على التمييز والقدرة على الرفض لكل معلومة إعلامية تستدرجه أو تستغبيه .
تعرفت مؤخراً على مجموعة من الإعلاميات الشابات ، لكنهن رائدات في أُطرهن الشكلية والمضمونية ، وكلماتهن مصابيح مضيئة تنير منارة الحق ، يكتبن بحروف من نار لكنها تعطي برداً وسلاماً لكل ذي حق وكل من ظُلِم في واجهات اللعبة السياسية أو الإجتماعية .
وجدت نفسي بين باقة فواحة من الأقلام النزيهة التي تزهر عطراً ومحبة حتى أصبحت كواحة خضراء في صحراء قاحلة . إحداهن من المشرق العربي وهي الروائية الإعلامية العراقية ( صبيحة شبر ) ، والأخرى من المغرب العربي وهي الإعلامية الأستاذة ( نزهة صادق ) والثالثة هي المغتربة الشاعرة والإعلامية ( رفيف الفارس ) .
السيرة الذاتية للشاعرة الإعلامية رفيف الفارس : ـ
هي شاعرة عراقية المولد تعمل في تحرير وإدارة موقع ومجلة النور الألكترونية والورقية ، وتدير دار الضفاف للنشر ، لديها مجموعتين شعريتين وهما ( من يطرق باب الضوء ، الفجر يعلن قناديله ) ، فائزة بجائزة نازك الملائة للشعر النسائي وجائزة القصة القصيرة لليوم العالمي للقصة في بغداد وحاصلة على وسام الثقافة في منتدى المثقفين العرب في أمريكا ، كتب عن شعرها الكثير من الكتاب والنقاد ، وتُرجمت بعض قصائدها للفرنسية . حاصلة على شهادة الماجستير من إحدى الجامعات الماليزية .
الأستاذة نزهة صادق : ـ
إعلامية مغربية معاصرة ، عضو هيئة تحرير موقع ومجلة ذوات المغربية . باحثة ومتخصصة في التواصل ، حاصلة على الماجستير في إدارة التواصل وإجازة في الدراسات الإنكليزية . تُحضر لدراسة الدكتوراه .
ساهمت بنشر العديد من البورتريهات حول إعلام الحداثة والفلسفة في الفكر العربي والغربي ، أنجزت دراسة إنثروبولوجية حول المرأة بعنوان ( النساء المغربيات والمساواة ) ، شاركت في برنامج وثائقي مع وزارة الثقافة الإيطالية حول ( المرأة المغربية والصناعة التقليدية ) ، شاركت في ندوات دولية ، وقامت بإنشاء علاقة علمية بين مراكز الأبحاث والجامعات وبين مؤسسة ( مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ) والتي تقوم بإصدار موقع ومجلة ( ذوات المغربية ) .
الروائية الإعلامية صبيحة شبر : -
إمتهنت الأستاذة صبيحة شبر التدريس لسنوات طويلة في العراق والكويت والمغرب ، وعملت أيضاً في الصحافة العراقية ، وكان لها إنتاج غزير من المجاميع القصصية والروائية فلديها خمسة مجاميع قصصية وهي ( التمثال ، إمرأة سيئة السمعة ، لست أنت ، التابوت ، لائحة الإتهام تطول ) . ولديها أربع روايات هي ( أرواح ضامئة للحب ، فاقة تتعاظم وشعور يندثر ، هموم تتناسل وبدائل ) . عضو إتحاد الأدباء العراقي ، إحدى المؤسسات للمنتدى الثقافي العراقي ، فازت مؤخراً بالجائزة التقديرية من قِبل إتحاد الأدباء الدولي تكريماً لنتاجها الأدبي .
أسئلة الحوارية
١ - من يقود الإعلام العربي ويديره حالياً ، هل هي الدولة أو أجندات خارجية أخرى ؟ .
٢ - كيف يوجه الإعلام العقل العربي ، وهل هذا التوجيه هو إيجابي أم سلبي ؟ .
٣ - هل إستفاد الفرد العربي من التطور التقني في الإعلام العالمي ، أم إستُبدلت جلسات المقاهي بشبكة التواصل الإجتماعي ، أي أن التكنولوجيا الغربية لم تساهم بتطوير المضمون الثقافي للفرد ؟ .
٤ - هل إستفاد الفرد العربي من الأدبيات والكتب المنشورة أم بقي الفراغ واضحاً بين قراء اليوم وقراء الأمس ؟ .
٥ - هل أستُخدمت الدراما العربية وحتى المترجمة منها إستخداماً إيجابياً ، أم ساعدت في خلق الثقافة الهشة والسلوك العنفي العدواني بشكل عام وخاصة ضد المرأة ؟ .
٦ - هل الإعلام العربي يسير على حبال واهنة من العواطف المتهالكة والمريضة وأخبار وإحصائيات حكومية غير موثوق بها ، مما يقطع الصلة ما بين المُلقي والمتلقي ويخلق الفراغ بينها ؟ .
٧ - هل أحيا الإعلام الشخصية والعقل العربي ، أو عزف على أوتار العاطفة فقط وإستغبى القاريء إلا ما ندر ؟ .
٨ - أيهما أكثر تأثيراً الإعلام الغربي أم العربي على رجل الشارع ، وهل يتميز الإعلام الغربي بالمصداقية والقدرة ؟ .
٩ - ماهي الميزة الأساسية للإعلام العربي في بداية القرن الحادي والعشرين ، هل هي إنتكاسات إعلامية والتي هي إنعكاس للنكسات السياسية ، وهل كان التوسع الإعلامي محصوراً في تعدد الفضائيات والمواقع الألكترونية وشبكات التواصل أم إنسحب على تطور المضمون الإعلامي ونشر الثقافة الأصيلة ؟ .
١٠ - هل يواجه النص الإعلامي الناجح ردعاً حكومياً أو ردعاً شعبياً حيث لا تثير النصوص القوية والمعمقة إنتباه الفرد العادي ؟ .
١١ - هل بلغتِ طموحك الإبداعي ، وهل تطمحين للقفز فوق المستوى الإعلامي الحالي ؟ .
١٢ - هل يستطيع الإعلامي المبدع أن يخلق على المدى البعيد قيماً وأخلاقاً وسلوكاً راقياً للفرد العربي لقلب مفاهيم العدوانية والشراسة والتوجه الميكيافيلي من جهة ومن جهة أخرى إيقافه للنكوص الحضاري والسلفية ؟ .
حوار المشاركات
حول السؤال الأول وهو من يقود الإعلام العربي الآن ، أجابت الأستاذة صبيحة شبر : لم تعد الدولة تقوم بإدارة الإعلام منذ أن أصبح العالم يُدار بالقطب الواحد ، وقد أصبحت الدولة تقوم بتنفيذ أجندات خارجية لا تحقق أمن الوطن وسيادته .
أما الأستاذة نزهة صادق فتقول : إن الإعلام العربي ليس حراً بل هو بيد السلطات الحاكمة التي تسيره وتوجه الرأي العام حسب ما يناسب سياستها ، ثم وضحت وقالت : إذا كان دور الإعلام المفترض هو الحرص على مصالح الناس ونقل الحقائق دون تزوير فهذا يعني أن قيادته تتطلب مصداقية وإنفتاح على كل الجهات للحصول على الرأي والرأي المضاد .
إن العالم العربي لا يمكن أن ينفصل عن النظام السياسي العالمي والذي ينعكس خلال الإعلام لضمان مصالحه الإستراتيجية ، كما أن الذات العربية منخورة بالإستبداد وسيف الرقابة ، وذلك يعود إلى رغبة السلطات بضمان سيطرتها .
أما الأستاذة رفيف الفارس فتقول في هذه النقطة : إن إدارة الإعلام العربي تخدم مصالح الدول الخارجية ، التي من خلالها تم الإستيلاء على المناصب في الدولة ، فسواء كان الإعلام تابعاً للدولة أو للأجندات الخارجية فليس هناك فرق كبير في الحالتين ولا يخدم الإنسان العربي أو يحترمه .
وحول كيف يوجه الإعلام العقل العربي ، تقول الأستاذة رفيف الفارس ، بأن العقل العربي لو كان على قدر من التطور والإنفتاح فسيأخذ الفرد منه ما يفيده وما يضعه في صورة الحدث مع الإحتفاظ بالحصانة الذاتية ، وأضافت بسبب الإنغلاق الفكري كان التأثير على العقل العربي سلبياً والذي هو أساساً متحفز للسلبيات . وافقتها الأستاذة صبيحة شبر قائلة : بأن التوجيه الإعلامي هو توجيه سلبي لأن الإعلام العربي مشغول بأمور جانبية وهشة على حساب مصلحة الوطن .
أما الأستاذة نزهة صادق فأجابت : بأن العقل العربي محكوم بمجموعة من المؤسسات وقيمها وقواعدها وتحدد هذه المؤسسات قدرة العقل العربي على التفكير الحر ومن ضمنها المؤسسات الإعلامية ، وأضافت بأن الإعلام العربي قد جمد العقول وجعل منها كومة لإستقبال المعلومات دون الأخذ بنظر الإعتبار المصدر أو هدف الرسالة وهو في الغالب كاذب ومضلل ، كما أكدت على أن الغرض هنا هو السيطرة السايكولوجية وخلق تنشئة إجتماعية تساند القوى الحاكمة .
وفيما يخص إستفادة الفرد العربي من التطور التقني في الإعلام ، أكدت الأستاذة نزهة على أن الإستفادة كانت سطحية ولم تنعكس على المظاهر الثقافية والفكرية للإنسان العربي .
وأشارت الأستاذة شبر على أن الإستفادة كانت شكلية وظهرت معالمها في العزلة التي يعاني منها الفرد العربي ، وأضافت كانت جلسات المقاهي تساهم في تعزيز وعي الناس وسماعهم للرأي الآخر ، وقد تراجع المضمون الثقافي للفرد . وأجابت الأستاذة رفيف الفارس على هذا السؤال إجابة منطقية ، وهي أن العقليات التي كانت تنتفع وترتقي بالمقاهي الشعبية هي نفسها التي تنتفع وترتقي بالوسائل التكنولوجية ، والتطور التكنولوجي لأي مكان يعتمد على المستخدم وأخلاقياته .
لقد كانت إجابات السيدات المتحاورات مؤكِدة على جانب محدد وهو أن الدولة تقوم بتوجيه الإعلام نحو حماية مؤسساتها السياسية والفكرية ، أما دور الأجندات الخارجية فهو قد يمر من خلال الدولة أو قد يسلك سلوكاً مباشراً وفي الحالتين هو لا يمثل المصالح المحلية بل يترك الفرد العربي في معزل أو في قارورة إختبار وقد تُقَدَم له بعض السموم الإعلامية أو قد تنفجر بوتقة الإختبار إذا زادت الجرعات عن حدها ، وقد نرى هذا في غليان الشارع العربي لكنه غليان غير منظم .
أما حول مدى إستفادة الفرد العربي من تكنولوجيا المعلومات ، فقد أكد المتحاورات على أن الفائدة كانت شكلية لا ضمنية وبقي المتلقي معزولاً عن العالم ، يبحث الرجال في الغرف المظلمة عن المعلومات الهشة وآخر أخبار الميزانية الحكومية والتي تمس مستواهم المعاشي كذلك يبحث الشباب عن المواقع الهابطة والممنوعة ، كمواقع الجنس وإستخدامات السلاح ومبيعاته ، مواقع الإرهاب والنكات البذيئة وغيرها . أما النساء فيتهافتن على مواقع الطبخ والموضة والمكياج والتسوق من خلال الإنترنيت وقراءة الحظ والأبراج ، وقد تُبنى علاقات ممنوعة وخطرة من خلال هذه المواقع . ويذكرني هذا بإحدى الندوات التي حضرتها حول موضوع أوضاع المرأة العربية ، كان الحاضرات يتثاءبن طوال الوقت وينظرن بعيون منكسرة نحو ( البوفيه ) ، سمعت إحداهن تشكو من طول المحاضرة ، والأخرى تنظر بإستمرار إلى ساعتها ، وبعضهن يتهامسن بشتى المواضيع الخارجية واليومية ، ويبقى التساؤل لماذا تكره المرأة العربية أن ترتقي وهل هو هذا الطريق الأسهل لقضاء الوقت . وهكذا يدور العقل العربي حول محور الثقافة لكنه لا يريد أن يدخل في نواتها ولبها لأسباب مختلفة .
وحول السؤال الرابع أجابت الأستاذة شبر : إن الفراغ هنا هائل بين قراء اليوم وقراء الأمس وليس عندنا متابع للكِتاب ، وتراجع المستوى الأدبي للكتابات . وقد وافقتها على هذا الرأي الإعلامية الفارس وقالت : هناك هوة حقيقية بين قراء اليوم والأمس ، وهذا هو بسبب التشدد الفكري الإنعزالي والقهر الديني الذي يُفرض على الشباب وهذا الإنغلاق قد جعل من العسير أن يطلع الفرد على الثقافات الأخرى رغم أنها متاحة .
أما عن إستخدام الدراما العربية إستخداماً إيجابياً أجابت الفارس : إن الدراما العربية منذ عصور تتسم بالسطحية وإستغفال المشاهد والتسويق الساذج للشعارات ، أما عن قضية العنف ضد المرأة في الدراما فأكدت المحاورة بأنها نتيجة للكبت الإجتماعي والديني والتقهقر الفكري والنفسي .
وقد أكدت على نفس النقطة الأستاذة شبر وأوضحت بأن الدراما العربية قد أساءت للثقافة وقد كرست العنف ضد الآخر المختلف فكرياً ودينياً ومذهبياً وقومياً ، ثم أكدت على أن الدراما العربية قامت بتشويه كل الموروثات النبيلة في المجتمع العربي .
وأكدت الإعلامية نزهة صادق على أن الدراما العربية هي من أخطر الوسائل المروجة لثقافة العنف وللتخلف وهي مكرسة لدونية المرأة ، وهذا ينطبق أيضاً على الدراما المدبلجة والتي تساهم في تبليد الناس وهي مفرغة عن معناها الأصلي المرتبط ببيئتنا .
وعن إرتباط الإعلام بالعواطف المتهالكة والأخبار الغير موثوق بها أجابت الشاعرة الإعلامية الفارس : لم يكن الإعلام العربي يوماً على مستوى الحدث ولم يخاطب المنطق والعقل وهو لم يترك التناقضات ليصل إلى مستوى المبدئية والصلة مقطوعة بين المتلقي والإعلام العربي والذي يُقلد الإعلام الغربي ، وقد وافقت ذلك القاصة شبر وأكدت على أن الكثير من الإحصائيات الحكومية غير موثوق بها ، لهذا يلجأ المتلقي العربي إلى الوكالات الغربية .
لقد إتفق المتحاورات حول وجود الفراغ الواضح بين قراء الأمس واليوم ، والذي تغير هو المُلقي والمتلقي والإثنان مرتبطان بحركة المجتمع العربي إلى الوراء ، فلم يظهر لدينا إلا القليل من الأدباء العمالقة والكثير من الأدب الهش ، كما لم يظهر كتاب سيناريو مميزون عن الجيل السابق . أما الإعلاميون فيهم الكثير من الشباب الواعد المتحمس لكنهم يتحركون بأُطر ضيقة والكثير منهم يلهث وراء السبق الصحفي لكسب المال والوقت . أما الدراما العربية فهي بحال يُرثى له ولم تظهر على السطح مسرحيات تدعم ذوق المتلقي العربي بل تميز معظمها بالعاطفية المتهالكة وكثُرت أفلام الحركة و (الأكشن ) وهي مُقلِدة للسينما الأمريكية لكنها متغابية تهبط بذهن المشاهد إلى أسفل إلا البعض الذي يعتمد على القصص والروايات المميزة . ويُلاحظ بالدراما العربية بأنها مصنوعة ومتكلفة إبتداءً من مكياج الممثلين وإنتهاءً بالنسق الدرامي ، وقد يجعل هذا من حركة الممثلين وكأنها حركة المهرجين في سرك ، وهم لا يمتون إلى الواقع بصلة ولا إلى البيئة العربية كما أنها تغرس قيماً غريبة على المجتمع العربي وهي أقرب ما تكون إلى قيم المجتمع الغربي أفرزها ذلك المجتمع الصناعي لأسباب منطقية وبتدرج زمني ضروري . وهذا ما يقدمه الإعلام العربي ظالماً لنفسه والمتلقي على السواء .
( يتبع )