المنبرالحر

العراق بلا مكونات عرقية مزهرية بدون ورد / د. علي الخالدي

يصرح بعض من يدعون تمثيلهم للشعب بمقوﻻت خطيرة حول ما يدور من نقاش بشأن إقامة منطقة آمنة لمكونات شعبنا العرقية الكلدوآشور والسريان في سهل نينوى . منهم ما أجملته احدى نائبات دولة القانون مستنكرة حق تقرير مصير تلك المكونات العرقية العرقية التي يرجع نسبها الى الشعب الآرامي ، حيث تجمع و بأعداد غفيرة ( مسيحيو الوسط والجنوب) ، في سهل نينوى هربا من حملات اﻹضطهاد والقمع والتهديد بالقتل إن لم يتركوا أﻷرض التي ولدوا فيها ( البعض أجير على ترك ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة والرحيل بما عليه من ملابس بعد 2004.
فهذه النائية ، ﻻ هي وﻻ من يحمل افكارها وﻻ حتى المرجعيات الدينية لكلا المذهبين ، حاولت ايقاف حملات اﻹضطهاد والتصفية الجسدية لمعتنقي الديانة غير اﻹسلامية ، في المناطق التي توارثوها ابا عن جد قبل آلاف السنين . في وقت لم يرتفع سقف مطاليبهم عن منطقة آمنه كما جاء في مطالبة بطريرك بابل على الكلدان في العالم لويس روفائيل ساكو في 6/9 ، حيث قال ....أن توفير غطاء دولي لحماية بلدات سهل نينوى المسيحية بعد تحريرها من داعش ، وتحقيق إدارة ذاتية لها ، سيمثل حلا يدفع بعودة المسحيين لبلداتهم ويسهل أعمارها وبنائها ،وعلى حد وصفه لحالتهم التي تكتنفها عمليات إضطهاد وشبه إبادة جماعية تحتاج الى وقت لبناء الثقة ، وإلا سيستمر نزيف هجرتهم حتى من المناطق اﻵمنة . وهذا هو المؤشر الخطير الذي لم يؤخذ بحمل الجد من قبل اصحاب القرار ما بعد 2003 ، والذي سيحول العراق الى ما يشبه مزهرية بدون زهور ، خاصة وإن نسبة المسيحيين في تناقص مستمر ، فمن 1.3 مليون وصل عددهم حاليا الى 250 ألف ، حتى أن البصرة والعمارة تكاد تخلو من مكوناتها العرقية ، و لم يبق فيها حاليا سوى القائمين على ألكنائس وأماكن العبادات ، يُظهرها اﻹعلام الرسمي للدعاية على حسن التعامل وإياهم ،
ومما زاد الطين بلة عدم سماع قوى دينية إسلامية على صعيد الدول والمرجعيات الدينية تكفر داعش ومن يقوم بأعمال إجرامية بحق مكونات شعبنا من مسيحيين واﻷيزيديين وﻻ حتى داعش سوى اﻷكتفاء بقولهم أن هذه العمليات ﻻ علاقة لها باﻹسلام . فإمام اﻷزهر مثلا ، ﻻ يستطيع تكفير من يقوموا بهذه اﻷعمال لكونهم مسلمون ، بينما خطباء صلاة عيد اﻷضحى من مكة يدعون علنا وبحرية لتصفية اليهود والنصارى ، دون إستنكار المرجعيات والقوى واﻷحزاب اﻹسلامية.
وفي العراق ﻻ زالت شكاوى المكونات العرقية ( الكلدو آشور والسريان ) تتواصل . إذ ﻻ زال يشتكي عدد كبير من مسيحي سهل نينوى ، وبقية المكونات غير المسلمة فيه ، من إستيلاء كرد وعرب على أراضيهم وممتلكاتهم . ففي محافظة دهوك وأربيل تعرضت قرى مسيحية إلى إعتداءات وإستيلاءات على أراضي زراعية عائدة لهم ، وقف وراءها بعض المسؤولين في أقليم كردستان والمناطق العربية.
يعد هذا الموضوع ذا سابقة لم يتخذ بحقها معالجة جادة ، ويتم السكوت عن تلك الشكاوى ، منذ عقد الثمانينات . ففي عام 1986 هدم صدام هذه القرى وشرد سكانها ، فغادرها المسيحيون . وبعد إنتهاء الحرب إحتل اﻷكراد والعرب بيوتهم ومزارعهم في سهل نينوى ومحيط الموصل ، التي تقدر بمئات الآلاف من الدونمات ، وإستمر اﻹستيلاء على أراضي و ممتلكات مكونات شعبنا من الكلدوآشور والسريان واﻹيزيديين ليومنا هذا ، ففي محافظة دهوك فقط هناك 56 قرية تقدر مساحة اﻷراضي المتجاوز والمستولى عليها بآلاف الدونمات حسب ما قاله ميخائيل بنيامين الناشط بقضايا اﻷقليات والشعوب اﻷصلية ،
لقد تعرض المسيحيون واﻷيزيديون والصايئة المندائيون والشبك والكاكائيون الى القتل والخطف والزواج القسري واﻹبادة الجماعية واﻹغتصاب والتعذيب والتشويه والمعاملة القاسية والتجنيد اﻹلزامي للأطفال والى اﻷسلحة الكيمياوية على يد المتطرفين اﻹسلاميين، وتم تدمير الممتلكات والتراث الثقافي والديني ، على يد المتشددين اﻹسلاميين وداعش ، على الرغم من المساهمة الفعالة لهذه المكونات في الساحة الوطنية والثقافية لبلاد ما بين النهرين ، فمنهم من لعب دورا رياديا في إحياء اللغة العربية والتراث والثقافة العراقية . وإذا ما أضيف اليها ما بذلوه من دماء بوازع وطني عبر مساهمتهم في مقارعة اﻹستعمار التركي والبريطاني واﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية ، وإختلاط دمائهم مع الكرد والعرب في وديان وسهول وجبال الوطن . أفلا يحق لهذه المكونات العرقية لشعبنا العيش بمنطقة آمنه محمية دوليا!؟ تخوفا من ما قد يعاود المتتشددون اﻹسلاميون نهجهم المعادي لهم بعد تحرير الموصل مستغلين غياب تطبيق ضوابط العمل السياسي والدستوري ، وتصاعد فشل القائمين على نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية بإزالة كابوس وشبح الفساد ، الذي ﻻ زال جاثما على صدور العراقيين ، في أجواء التلاعب بمحاسبة الفاسدين و واضعي العصا في عجلة اﻹصلاح والتغيير.