المنبرالحر

خواطر عابرة (5) / الولايات المتحدة: خطوة للوراء...خطوتان للامام؟* / ابراهيم الحريري

لعل التاريخ المعاصر للولايات المتحدة الاميركية، منذ روزفلت على الأقل، لم يشهد معركة انتخابية، رئاسية، على هذا القدر من الضراوة و الاثارة، استخدم فيها الطرفان كل انواع الاسلحة، عدا الراضة و الجارحة و النارية و الكيماوية...و الذرية بالطبع! احدهما ضد الآخر. اما التشهير فقد بلغ ادنى مستوى له ( من الحزام و جوه...فقط!)
و لم يحدث في اي انتخابات سابقة هذا القدر من الأستقطاب و الانقسام في المجتمع الاميركي. و لعل الظاهرة الابرز،ليس على الصعيد الراهن ، فقط، بل ،خصوصا، المقبل، هي ظاهرة "ساندرز" خصم كلنتون على ترشيح الحزب الطيمقراطي. و ثمة تقديرات، لايمكن الاستهانه بها، ترى انه لو قدر لساندرز ان يفوز بترشيح الحزب الديمفراطي، لكان هزم ترامب. اذ ان كثيرين ممن استطاع ساندرز تحشيدهم حول برنامجه الاكثر راديكالية و تقدما، اكثرهم من الشباب، لم يروا في كلنتون بديلا لترامب. و بغض النظر عن مدى صواب هذا التقديرفانه لعب دورا في انكفاء كثيرين من الشباب عن المشاركة في المعركة لصالح كلنتون، حتى النهاية، ما رجح، بالتالي، فضلا عن عوامل اخرى، كفة ترامب. و هم، اي هؤلاء الشباب, هم اول من نزل الى الشارع الآن، ضد ترامب.
يعتبر كثيرون من المراقبين ان ما حدث، هو خطوة للوراء، و هو امر لا جدال فيه بالنسبة لهذا الفريق. لكن ثمة اختلاف في تقدير مدى سعة هذه الخطوة. اذ يذهب البعض انها خطوة واسعة ، جدا، للوراء. بل بعض التقدير يذهب الى اعتبارها "انقلابا"! فترامب ليس مرشحا عاديا من الوسط الجمهوري التقليدي، على تنوع اجنحته، بل هو يكاد يكون من خارجها، بل فوقها! و كان هذا واضحا، منذ البداية. فالعديد من القادة التاريحيين للحزب الجمهوري عارضوا ترشيحه خصوصا بعد ان فاحت رائحة مغامراته الجنسية, فيما آثر آخرون،" تعففا" الصمت و لم ينحرطوا في المعركة لصالحه . لهذا فان ترامب لا يشعر انه مدين للحزب الجمهوري و قيادته، بل لجمهوره هو، الجمهور الذي استطاع هو تحشيده خلفه. و هو، اي ترامب،سيستخدم هذا الجمهور في الضغط على قيادة "حزبه" و سحبها خلفه، يساعده في ذلك، ايضا، شخصيته الكارزمية.( يفضح ذلك اللقاء بين ترامب و "قائد" الكتلة الجمهورية، كان "القائد" يركض خلف ترامب كما يركض "الصبي" خلف معلمه!)
يقول المثل العراقي المعروف ان" الطفل المريض يبين من خروجه" و اذا كان ترامب لا " يبين" من "خروجه"( خطبه)فقط، التي بدأ يتراحع عن بعض بعضها، فانه بدأ يتضح من تعييناته للمناصب المهمة في ادارته.فرئيس الدائرة الستراتيجية، المسؤول عن رسم السياسة الستراتيجية لادارة ترامب عنصري متعصب يدعو الى تفوق العرق الابيض( العبارة الشهيرة التي تنسب لمنظر هذا التيار:" الله لم يخلق الناس متساوين"!). اما التعيينات للمناصب الاخرى التي لا تقل اهمية، فهي الأخرى، لا تقل فداحة و فصاحة و ( فضيحة!).
و ما ما نزال في اول الطريق...
على الجانب لآخر، فمنذ اللحظة الاولى للاعلان عن فوز ترامب خرج المئات، ثم الالاف، ثم عشرات الالاف، الى الشوارع محتجين.
هل ستستمر الحركة الاحتجاجية؟هل ستتسع؟ كيف ستتطور؟ ما هي الاشكال التي ستتخذها؟ ام سيكون مصيرها مصير غيرها من حركات الاحتجاج الاخرى التي شهدتها الولايات المتحدة و العديد من البلدان الاوروبية في السنوات الاخيرة؟ و هل يصح الاستشهاد بما تنبا به الكاتب الاميركي الشهير جاك لندن مطلع القرن العشرين عن حرب شوارع في المدن الاميركية الكبرى؟
من الصعب،الآن، التنبؤ...
لكن قد لا يكون خطأ التذكير ببعض ما كتبته اول ما بدات اكتب عن الانتخابات الاميركية":
"ترامب هو الكوميديا التي ستتحول الى تراجيديا، اذا فاز..."
" اميركا، قبل ترامب، لن تكون نفسها، بعد ترامب"
و لحظة فوزه كتبت: "هذا ليس وفت الحزن، ولا وقت التاسي، بل وقت المقاومة!"
و لقدت بدأت...
استعارة لعنوان كتاب لنين الشهير" خطوة للامام خطوتان للوراء" عقب المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الديمقرطي في روسيا 1903، بعد قلبه!