المنبرالحر

هل سيتأقلم العراقيون مع اللدغ من الجحر / د. علي الخالدي

قالت العرب ﻻ يلدغ المراء من الجحر مرتين ، وأنا اقول بملء فمي إلا في العراق ، حيث فيه عامة الناس تلدغ يوميا في مختلف اﻷصعدة ، السياسية واﻹقتصادية واﻹجتماعية واﻷمنية ، حتى أن البعض منهم ظـُن أنه قد تكيف للدغ ، لما يعكسه من ﻻ مبالاة ، وخاصة من يمتلك خاصية التلون لطمأنة مصالحه الذاتية ، متحوﻻ لشخص غير معني بما سيصيب اﻷجيال القادمة من مآس وويلات ، إذا لم يوجد حل ﻷيقاف لسع الجماهير والوطن ، ضمن صيغ تساهم بها كل أطراف القوى الوطنية على إختلاف تلاوينها . ذلك ، ﻷن كل ما طرح جاء من جهات تحمل الفكر الطائفي المعادي للإصلاح والتغير الحقيقي ، وتتبنى تواصل أمتدادات نهج المحاصصة المقيت في كافة الدوائر اﻷمنية واﻹدارية ، ناهيك عن مواقع القرار. يترافق ذلك مع زوبعة إعلامية سطورها اﻷمامية التخلي عن النهج المقيت ، فيما يُطرح . لكن سرعان ما تهداء الزوبعة ، فتنفضح الطرق الإلتوائية لمواصلة نهج المحاصصة في كل ما طرح من مشاريع للتصالح السياسي وليس اﻹجتماعي ، حيث بنودها ﻻ توحي بتحميل النهج مسؤولية ما وصلنا اليه ، بل زادوه بله (نهج المحاصصة ) بمجاملاتهم وبتعاملهم بخجل كبير امام طلبات دول الجوار، في وقت تمعن هذه الدول ، بالتلاعب بحصتنا المائية وتحول مجرى الجداول واﻷنهار ﻹرواء أراضيها ، وبذلك تقلل كمية المياه في دجلة والفرات ، حتى يفقد العراق ( أرض السواد) خصوبته الزراعية ، ليضطر إستيراد حتى البصل والفجل منها.
الكثير ممن يحس باللدغ يعزي مجاملات القائمين على النظام ، لدول الجوار الى الضعف الكبير وفقدان المؤهلات والدراية . وإن دول الجوار إستغلت هذا الضعف ، وإنتهكت اﻷعراف الدولية وبدأت تطالب حكومتنا الحاتمية ، بالمزيد من التنازلات ، مقابل عطاء زهيد وربما معدوم ، وبشكل يتقاطع تماما مع أدبيات السياسة ومصالح الشعب والوطن ، إقتداءاً بكرم حاتم الطائي لدول قريبة وبعيدة عن جيرتنا ﻹرضائها ، أو من باب إكرام الضيف ، (وإن جار عليَ ) ، حتى أن كرمهم إستجاب لمطاليبهم بإعفاءات كمركية أو الحصول على النفط بأسعار مميزة ﻻ تخضع لتقييمات سياسية بديلة محرزة ، أو السكوت عن عدم سحب قواتها من أراضينا وتدخلها في شؤوننا الداخلية و الخارجية ، طالما تلك الدول إستمرت في دعم بقائهم على مقاليد الحكم بنهجهم المقيت ( المحاصصة ) ، طالما بقيت بعيدة عن مس ثرواتهم الخاصة التي وضعت بالحفظ والصون في بنوك الخارج ، حتى ﻻ يستثمروها في العراق
لقد تحمل العراقي تبعات مآسي وويلات تلك اللدغات إقتصاديا وسياسيا وأمنيا ، وليس له وسيلة سوى رفع صوته بمناشدتهم الكف عنها حاليا ، لكون الجماهير صاحبة المصلحة بالتغيير واﻹصلاح ، تفرض على مصالحها ، تغليب مصالح الوطن العليا التي تفرضها ضرورات معركة تحرير اﻷرض التي دنستها داعش ، وإبقاء الفرحة التي رسمتها إنتصارات جيشنا الباسل على داعش مرسومه في وجوه الناس ، ومع هذا لم يستجب أحد من أصحاب مواقع القرار ، حين إمتد لسعهم الى المتظاهرين في ساحة التحرير ، وإستعملوا القوة المفرطة لتفريق المطالبين بالتصدي للإنفلات اﻷمني وبإستباب اﻷمن
لقد إستمد مستعملو القوة المفرطة لقمع التظاهر السلمي قوتهم من واضعي العمامة على الرأس ولبس المحبس ذا الشذر اﻷزرق ( من الحسد ) و صبغ هامته بالباذنجان للدلالة على ورعه الديني ، ومن سكوت من يدعون الحرص على تطبيق القانون ، دون أن يستنكروا بلطجية الجماعات المعادية للتغيير واﻹصلاح ، ومن ﻻ تروق له أنتصارات جيشنا الباسل، القوة المفرطة لفض التظاهر الذي صانه الدستور وهم ملثمون ، وكأنهم يريدوا تذكيرنا بالملثمين الصداميين وهم يمارسوا تعذيب الوطنين من أعداء الصدامية ، حتى اﻹستشهاد . لكن مهما تلثموا سيبقون معروفين لدى الشعب وحاملي الهم العراقي بما فيه الجهة التي يتبعون اليها ، ومن يغدق عليهم عطاءاته.
إن المتظاهرين الذين أعتادوا على المطالبة بالتغيير واﻹصلاح بعد 2003، سلميا ، لم تستطع قوة البلطجية الملثمة وغير الملثمة إيقاف تظاهرهم السلمي ، بدليل تزايد زخم تظاهرهم المستمر بإنضمام فئات جديدة إليهم ، وخاصة من ذوي اﻹحتياجات الخاصة لكن ما يثير إستغرابنا هو سكوت قطاع واسع من النساء العراقيات ممن يحتذين بأصحاب العمائم الذين سلبوا حقوقهن ، وعاملوهن كعورة ، ومع هذا يصفقن لهم ويدافعن عنهم رغم معرفتهن بفسادهم ، وعدم أحترامهن حتى بالسلام عليهن.
ومن المضحك المبكي ، في هذا الشأن بعد أن إستشعرت مجسات تحالف عصبة المليونيرية ومناهضو التغيير واﻹصلاح مخاطر إتساع ساحات التظاهر ، سارعوا إلى التوافق فيما بينهم ﻹخراج قانون اﻹنتخابات المجحف ، وتأكيدهم فيه لطريقة سانت ليغو في إحتساب اﻷصوات ، لمنع اﻷحزاب التي تناهض المحاصصة والتي ليس لها إمتدادات مع الكتل الكبير لينتجوا نفس الحكومات السابقة ، و ليتواصل فسادهم ، حيث علنا يجري بيع المناصب الوزارية بين رؤساء الكتل ، الذي يشكل أحد أنواع اللدغ الصامت وغير المحسوس .
إن كل ما يتمناه العراقيون هو الكف عن ما تطرحه الكتل من أجل المصالحة بعيدا عن التوافق اﻹجتماعي فلقد ملوا منها ، دون أن يعتذر اللادغ من الملدوغ وأن يعيد ما سرقوه منه قبل طرح مشاريعهم التصالحية ، بصيغة ﻻ غالب و ﻻ مغلوب ، وكأنهم نسوا ما عرف عن شعبنا أنه إمفتح باللبن ، وإنه لقادر على إيجاد العلاج الشافي لدرء لدغهم عاجلا أم آجلا.