- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 23 كانون2/يناير 2017 18:27
هل إن ما يحدث في أمريكا اليوم، هو بداية لمتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، قد تخرج عن الحيز المسموح به، للخطوط العريضة للسياسة الأمريكية، منذ عهد إيزنهاور والى وصول دونالد ترامب سيدا للبيت الأبيض..؟ تلك السياسة المعهودة والثابتة اتجاه القضايا المحورية، والتي تشكل مجالا حيويا مهما لأميركا ولأمنها القومي، ببعديه الاقتصادي والعسكري.. كعلاقتها بأوربا وتحالفها الإستراتيجي معها، ونظرتها إلى الصراع العربي الإسرائيلي المفترض، وتعاطيها مع القضية الفلسطينية، وطبيعة علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج العربي، وسعيها إلى التفرد في قيادة العالم في تنافسها المحموم مع روسيا، وتصديها للزحف الاقتصادي الصيني الكبير في معظم دول العالم، كل هذه القضايا لم تخرج يوما عن المألوف في التعاطي الأمريكي معها، ولا عن الحد المسموح به، الذي تمليه عليها النزعة البراغماتية للسياسة الأمريكية، التي تمنح بعض المرونة في التعاطي مع الجزئيات الهامشية في هذه القضايا المهمة والمصيرية، ولم تخضع هذه المعادلات السياسية الكبيرة، او كما يسميها الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار ( السرديات الكبرى) في السياسة الأمريكية ، لأهواء أو ميول ورغبات الرؤساء الذين تربعوا على عرش الرئاسة الأمريكية، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي أو جذورهم العرقية.. وقد اتضحت معالم هذا التغيير المنشود في السياسية الأميركية في خطاب حفل تنصيب ترامب الرئيس الخامس والأربعون في تاريخ الأمة الأمريكية .. ففي الشأن الداخلي الأمريكي، كانت له رؤية سياسية جديدة لجميع القضايا المهمة ( الهجرة ، الضرائب، التجارة، الشؤون الخارجية) وتعهد بتحقيق تغييرات كبيرة فيها، منطلقا من شعار ( أمريكا أولا)، وقد عبر عن رؤيته هذه بقوله مخاطبا الشعب الأمريكي ..( من الآن فصاعدا، ستكون أمريكا أولا، ستبدأ أمريكا في الربح، الربح كما لم يحدث من قبل، سنعيد وظائفنا وحدودنا، سنعيد ثروتنا وأحلامنا).. وأكد أن أي صفقة تجارية سيتم عقدها من الآن فصاعدا مع دول العالم، ستضع في الاعتبار الولايات المتحدة أولا، مضيفا أن إدارته ستحمي الحدود وتعيد الوظائف إلى البلاد، في تطبيق لقاعدة بسيطة، وهي (اشتر منتجات أميركية ووظف مواطنين أميركيين)، وقد غابت عن هذه التصورات الآليات التي سترافقها وتعمل على تحقيقها خلال الفترة الرئاسية المناطة به والتي لا تتجاوز الأربع سنوات.. أما على الصعيد الخارجي فقد التزم بتعزيز تحالفات الأمس، واقامة تحالفات سيتراتيجية جديدة، وهذا الأمر قد نوه إليه أكثر من مرة في خطاباته السابقة التي أشار فيها ، إلى إمكانية إقامة علاقات سيتراتيجية، تصل إلى حد التحالف مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب العالمي، والمتمثل بالتطرف الإسلامي، لكنه لم يشر إلى حلقات الوصل التي ستمكنه من إقامة مثل هذا التحالف، في ظل سياسة المحاور ولي الأذرع القائمة بين الدولتين في ساحات المواجهة البديلة بينهما، كما يحدث في سوريا وشبه جزيرة القرم وأوكرانيا، وهل لديه القدرة على تجاوز الإرث التاريخي العدائي بينهما.. كما سعى إلى إقامة علاقات اقتصادية مع الصين الند الاقتصادي الأكبر لأميركا، واحترام قوة بكين الاقتصادية، وتوظيف النفوذ الاقتصادي الأميركي الكبير لإقناعها في كبح جماح البرنامج النووي لكوريا الشمالية.. وهنا تناسى المشاكل والتحديات الكبيرة التي تشوب العلاقات الأمريكية مع الصين، في ظل سياسة التجاذبات واستعراض القوة في بحر الصين الجنوبي، الذي يعتقد احتواؤه على مخزون هائل من النفط والغاز، إضافة إلى مرور سبعين بالمائة من شحنات البترول المصدرة من الشرق الأوسط إلى دول شرق أسيا، ومرور خمسة تريليون دولار من التجار العالمية فيه سنويا، وهذا أدى إلى خلق صراع نفوذ وسيطرة على هذا الممر البحري المهم بين بعض دول شرق أسيا وأمريكا من جهة، والصين من جهة أخرى، التي سعت إلى الهيمنة عليه وتحويله إلى بحيرة خاضعة لنفوذها المباشر، من خلال بنائها الجزر الصناعية فيه وتحويل بعض الجزر فيه إلى قواعد عسكرية .. أما فيما يخص بعلاقة أميركا بدول الشرق الأوسط ودول الخليج العربي بالتحديد، فيبدو إن نمطية العلاقة لن تتغير كثيرا في طبيعتها منذ عقود طويلة، والقائمة على أساس توفير الحماية لهذه الدول، مقابل الحفاظ على المصالح الأمريكية فيها وأهمها، توفير النفط والحفاظ على استمرارية تدفقه إلى الأسواق الأمريكية، على الرغم من تصريحاته المتكررة والتي تؤكد على إن الحماية الأمريكية لهذه الدول لن تكون بلا مقابل، بعد أن يستلم مهام الرئاسة في أمريكا، متجاهلا إن هذا الأمر قائم ومتحقق منذ عقود، واخذ صبغة رسمية عسكرية مباشرة ومبررة، منذ عام 1990 حين غزا العراق دولة الكويت، وتحقق حلم أمريكا بالوصول بترسانتها العسكرية إلى المياه الدافئة ( الخليج العربي)، أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فمن الواضح أن عهده سيدق أخر مسمار في نعش القضية الفلسطينية، وذلك لعزمه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتشجيع للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بعدما سعت الإدارات السابقة إلى التسويف والمماطلة في اتخاذ موقف صريح ومعلن في هذا الجانب، الذي يثير بعض الحساسية والإحراج لدى حلفاء واشنطن في العالم العربي، ويبدو إن ما يسعى إليه في هذا الخصوص يشكل أهم نقاط القوة لديه، في مواجهته للاحتجاجات الشعبية القائمة ضده الآن في أميركا وخارجها، وحالة الازدراء العالمية اتجاه رؤيته الجديدة في إدارة العالم، فوقوف قوى الضغط اليهودية (اللوبي) إلى جانبه سيمنحه قوة وقدرة في مواجهة هذه الضغوط،، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار، موقفه المعلن والصريح من الاتفاق النووي الإيراني مع الدول ( 5+1) والذي توعد بتمزيق هذا الاتفاق، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل، بعدما فشلت في ثني إدارة اوباما على المضي به وإتمامه.. ويبقى موقفه من الإرهاب، وسعيه للقضاء على التطرف الإسلامي المتمثل بداعش وأذنابها، هو التحدي الأكبر والاهم الذي سيترقبه العالم باهتمام، بعد كل ما أثير على علاقة أمريكا بنشأة هذا التطرف، ودعمها الغير مباشر له، واتخاذه وسيلة لإخضاع الدول والأنظمة للسياسة الأمريكية، ورسم خارطة جديدة للمنطقة وفق رؤية تنطلق من مفهوم مشروع ( الشرق الأوسط الجديد)، التي تعد داعش إحدى أهم الوسائل لتنفيذه على الأرض.. ويبقى كل ما قيل هو محض تكهنات وخطابات قد تكون ناتجة عن نشوة سلطة يعيشها تاجر إلف المقامرة والمغامرة في حياته العملية، وان التغيير الكبير الذي ينشده ما هو إلا وهم، ستعمل على تلاشيه المسؤولية التاريخية المناطة به كقائد لأعظم وأقوى دولة في العالم، وان تغير المواقف أمر وارد ومحتمل بشكل كبير، وهو ما عبر عنه دونالد ترامب بنفسه حين قال ..( يجب أن نكون متقلبي المزاج).. لان الثابت هو، إن أمريكا تستمد ديمومتها وبقائها، من خلق الأزمات السياسية والاقتصادية في العالم، وسعيها إلى صنع عالم أفضل، هو محض وهم، ليس له وجود على ارض الواقع.