المنبرالحر

ﻻبد ، من ليس له بد / د. علي الخالدي

أغلبية الشعوب اﻹسلامية تدرك أن حكامها ، وخاصة المتطرفين دينيا منهم ، يستمدوا قوتهم من أحزاب إسلامية طائفية ومذهبية ، يَتكئوا عليها للوصول لمواقع القرار ، ليفرضوا على مكونات شعوبهم اﻹلتزام والتقيد بتعاليم شريعة أجنداتهم ، عبر توفير اﻷدوات المالية والبشرية اللازمة للنهوض بذلك ، حتى ولوكان على حساب تجويع شعوبهم ، غير ملتفتين الى ضرورة خلق ما تستحقه (شعوبهم) من مستلزمات العيش الحر الكريم . منهمكين بتشكيل ميليشيات غالبا ما تكون سائبة بما تُمنح من حرية فرض وباﻹكراه شريعتهم على الناس دون ردع ، وكأن شريعة أجندات مرجعياتهم هي الوحيدة في الساحة ، حيث يتجاهلون وجود مكونات عرقية متعددة اﻹنتماءات الدينية . كانت تشكل أغلبية سكانية قبل فتوحاتهم بقوة السيف بقرون . فمنذ ذلك الزمان ينهض المتشددون اﻹسلاميون بمهمة التضييق على تلك المكونات في ممارسة حقوقهم الوطنية واﻹجتماعية ، مما إضطر العديد منهم الى الهجرة وترك أرض أجدادهم ، لتتناقص أعدادهم بإستمرار (حاليا بضعة آلاف ) بعدما كانت بالملايين ، فعلى الرغم من تشريع مواد دستورية تؤكد لهم حرية ممارسة شعاراتهم الدينية ونشاطاتهم ﻹقتصادية ، فأعدادهم بتنازل مستمر ، لكون كثيرا ما تصدم أجندات الحكام اﻹسلاميين بمصالح شعوبهم الوطنية العليا وبصورة خاصة مصالح المكونات العرقية الدينية اﻷخرى ، لذا يلجأ ( الحكام )الى القوة المفرطة لإخماد كل من يرفع صوته المطالبة بفصل الدين عن السياسة ، بينما تلجا الدول التي تسعى لتنمية أوطانها والديمقراطية إلى القانون لإيجاد حلول سلمية تنبثق من أسس شرعية روح المواطنة لتحقيق مطاليب شعوبها
لقد دلت الوقائع ان هجر وشائج ربط الدين بالحكم وبالتالي بدهاليز الحكم والسياسة ، هو الطريق الوحيد القادر على إخراج شعوبهم من أﻷزمات التي نتجت عند إنكارهم حقيقة ان الدين لله والوطن للجميع . فبتخليهم عن شروط إلتمسك بالحكم دينيا ، وإعتماد الطريق المدني المدعوم بالكفاءات ﻹدارة شؤون بلدانهم ، سيحقق مستلزمات تحاكي خدمة شعوبهم ، وترفع من شأن أوطانهم في الداخل والخارج ، علاوة على المحافظة على جغرافية أوطانهم وحماية إستقلالها إقتصاديا وسياسيا . هذا ما أظهرته تجربة تخلي الكنيسة عن سيطرتها على الحكم في القرون الوسطى ، حيث كانت هي من تُسير أمور الدولة سياسيا و إقتصاديا ، وتلزم شعوبها بتعضيد ما يخدم مصالحها ، مما أدى إلى تشويه التعاليم السماوية السمحة القائمة على الحب والغفران ، فأساءت الى مهمتها الدينية قبل اﻹساءة لشعوبها، مغرقة إياها بحروب محلية . لكن الشعوب سرعان ما فطنت الى الهاوية التي ستقودها سياسة ربط الدين بالحكم ، فشخصت ، أن من مصلحة تدينها وسلامة أوطانها ، هو إيجاد مستلزمات تحررها من سيطرة الدين على أدوات الحكم . فطالبت بحصر النشاطات الدينية في دور العبادة.
وقد إستجابت الكنيسة وهي غير مكرهة لمطاليب شعوبها القاضية بإلغاء سيطرتها على الحكم ، وبتسيير أمور الدولة بما يخدم مصالح شعوبها لقوى مدنية ، وبذلك قد نأت عن نفسها بالتدخل في الشؤون السياسية للبلد ، و من هنا إنطلقت الثورة الصناعية و العلمية ، التي وضعتها على سكة التطور والتحضر بما يتناسب مع العصرنة والتحضر ، الذي طمحت اليه شعوبها في تلك اﻷزمنة الغابرة.
وليس بعيدا عن ذلك ما تقوم به جماهير شعبنا منذ ٢٥ شباط عام ٢٠١١من مظاهرات مطالبة بإنهاء نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، الذي تُخفى في طياته وشائج ربط الدين بسياسة الحكام ، ليقف عائقا أمام التغيير واﻹصلاح الذي دعت اليه الجماهير ، وحظي بدعم البعض من الفريق من الحاكم ، بينما لجاء البعض اﻵخر الى وضع العصى في مساعي تدوير عجلة اﻹصلاح والتغيير.
قبل إستلام اﻹسلاميين دفة الحكم ، كان الكثير من شعوب الدول اﻹسلامية على مستوى عال من محاكاة التحضر والعصرنة ، خاصة عندما إحتضنت الدولة كافة مكونات المجتمع من يهود ومسيحيين وصائبة وأيزيديين وغيرهم في عملية تسيير شؤون البلاد ، فتساوي الكل أمام القانون الذي لم يخرج من بطن أجنداتهم. فأحْترم الدين ومن تبناه من المكونات العرقية للمجتمع ، بينما حاليا يقوم البعض من حكام الدول اﻹسلامية بهدم كل ما يتعلق بآثار التقدم الحضاري والثقافي عن طريق أصدار تعليمات وتشريعات ، يتم بها التضييق أو منع كل ما يسر اﻹنسان ويُدْخل لنفسه السعادة ، كالموسيقى والغناء ناهيك عن حرية اﻹبداع والتصور ، بإعتبارها من المحرمات شرعا مطلقين العنان لهيئات اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( داعش التي تحتضر تحت ضربات جيشنا الباسل أوجدت هيئات الحسبة ) ، لتستطلع الفرح لدى الناس وتخمده ، فبعض حكومات الدول اﻹسلامية لم تكتف بغلق دور الخيالة والمسرح ، بل تغاضت عن إشتداد التنافس بين المذاهب والطوائف في بناء الحسينيات والجوامع ، وإنشاء الفضائيات ذات المرجعيات المذهبية والطائفية المتعددة ، لتنشر سموم التخلف والكراهية ومعاداة التمدن والعصرنة ولتدعم ما يشرع من قوانين وتشريعات تحاكي أجندات الحكام.
فهل يستطيع ذوز نوايا التغيير واﻹصلاح بالنهوض بالبد من ليس له بد ؟ !! ، وإحداث ثورة على غرار ما قامت به الشعوب اﻷوروبية في العصور الوسطى؟ ،والقيام بتحقيق رغبة شعوبهم بفصل الدين عن الحكم وإعتماد قوانين مدنية ديمقراطية تُسير بلدانهم نحو العصرنة والتحضر . هذا ما سنراه في المستقبل القريب